الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وطعام غير . ; [ ص: 459 ] إن لم يخف القطع [ ص: 460 - 461 ] وقاتل عليه .

التالي السابق


( و ) لا تقدم الميتة على ( طعام غير ) بل يقدم عليها ندبا ، ففي الجواهر لو وجد لحم الصيد فهو أولى من الميتة ; لأن تحريمه خاص . وفي التوضيح وأما الميتة مع ما صيد لأجل محرم فروى محمد عن مالك رضي الله تعالى عنه يأكل الصيد ويؤدي جزاءه أحب إلينا . الباجي يريد ; لأن القائلين بأن هذا مذكى مباح أئمة مشهورون ، فكان أولى من أكل ما اتفق على أنه ميتة وكذا طعام الغير بشرطه ، ففي الموطإ سئل مالك رضي الله تعالى عنه [ ص: 459 ] عن الرجل يضطر إلى الميتة أيأكل منها وهو يجد ثمرا أو زرعا أو غنما بمكانه .

قال مالك رضي الله تعالى عنه إن ظن أن أهل ذلك الثمر أو الزرع أو الغنم يصدقونه لضرورته حتى لا يعد سارقا فتقطع يده رأيت أن يأكل من أي ذلك وجد ما يرد به جوعته ولا يحمل منه شيئا وذلك أحب إلي من أن يأكل الميتة ، وإن خشي أن لا يصدقوه وأن يعدوه سارقا إن أصاب من ذلك فأكل الميتة خير له عندي وله في أكلها على هذا الوجه سعة . ا هـ . إلا ضالة الإبل للنهي عن التقاطها .

قال في الذخيرة وإذا أكل مال مسلم اقتصر على سد الرمق إلا أن يعلم طول طريقه فيتزود منه لوجوب مواساته إذا جاع . وفي المواق إذا أكل المضطر مال غيره فقال ابن الجلاب يضمن ، وقال الأكثر لا ضمان عليه وظاهره وجد ميتة أم لا .

ومحل تقديم طعام الغير على الميتة ( إن لم يخف ) المضطر ( القطع ) ليده فيما في سرقته القطع كتمر الجرين وغنم المراح والضرب فيما لا قطع في سرقته كما في المواق ، فلو قال كالضرب والأذى فيما لا قطع فيه لشمل ذلك ، فإن خاف القطع أو الضرب قدم الميتة وما سيأتي في السرقة من أن من سرق لجوع لا يقطع محمول على من ثبت أن سرقته لجوع ، وظاهره ولو وجد ميتة ، وما دل عليه المفهوم هنا محمول على ما إذا لم يثبت قاله عب . الباجي في شرح عبارة الموطإ السابقة وهذا كما قال : إن من اضطر إلى أكل الميتة فوجدها ووجد ما لا يمكنه الوصول إليه فلا يخلو إما أن يكون مما لا قطع فيه كالثمر المعلق والزرع القائم ونحوه ، أو يكون مما فيه القطع إذا أخذ على وجه السرقة كالمال في الحرز .

فإن كان مما لا قطع فيه فقال مالك رضي الله تعالى عنه في رواية محمد عنه : إن خفي فليأخذ منه وإن وجد ثمرا أو زرعا أو غنما لقوم فظن أن يصدقوه ولا يعدوه سارقا فليأكل من ذلك أحب إلي من الميتة ، فشرط في الأولى وهي الثمر المعلق أن يخفى له [ ص: 460 ] ذلك ; لأنه لا إثم عليه فيما بينه وبين الله تعالى ، وإنما يجب عليه أن يحترز في ذلك من المخلوقين لنفسه فربما أوذي أو ضرب لو علم به ولم يعذر بما يدعيه من الضرورة ، وشرط في الأخرى أن يصدقوه وهو في الثمر الذي أواه إلى حرزه ، والزرع الذي حصد وأوي إلى حرزه ، والغنم التي في حرزها وذلك أنه ربما تقطع يده إن لم يصدقوه ولم يشترط أن يخفى له ذلك ; لأن أخذه على وجه السر هو الذي يعاقب عليه بالقطع فيجب عليه أن يأخذه معلنا إن علم أنهم يصدقونه ، وإن لم يعلم ذلك فلا يتعرض لأخذه على وجه الاستسرار ; لأنه يؤدي إلى قطع يده ا هـ كلام الباجي .

طفي قوله فيجب عليه أن يأخذه معلنا إلخ فيه نظر ; لأنه بعيد من لفظ الموطإ ورواية محمد ; لأنه إذا كان يجب عليه أن يأخذه معلنا إن علم أنهم يصدقونه فلا معنى لاشتراطهم التصديق ، وأن لا ينسبوه للسرقة ; لأن النسبة للسرقة المنفية بالتصديق فيما أخذه خفية فالمدار على التصديق ، فإن علمه فله أخذه خفية وجهارا ، وإن لم يعلمه فلا . أما الذي لا قطع فيه فله أخذه خفية كما روى محمد وكما يؤخذ من الموطإ ، وإن علم أنهم لا يصدقونه ويضربونه ; لأنه لا قطع فيه ، ولذا قال المؤلف إن لم يخف القطع أي وإن خاف الضرب . ومعنى إن لم يخف القطع أن يصدقوه ، فقول عج كلامه يقتضي أنه يأكل طعام الغير الذي في سرقته قطع ، وإن خاف بسرقته الضرب والإذاية ليس كذلك فتأمله . وغره كلام المواق ; لأنه نقل كلام الباجي على غير وجهه وتصرف فيه ا هـ البناني .

قلت وأنت إذا تأملت ما نقله المواق وجدته موافقا له في المعنى ، وحاصلهما أن ما فيه القطع يشترط في أخذه أن يعلم أنهم يصدقونه مخافة أن يقطع إن لم يصدقوه ، ولا يشترط أن يخفى له ذلك ; لأن أخذه خفية هو محل القطع ، وأما ما لا قطع فيه فيشترط في أخذه أحد أمرين أن يعلم أنه يخفى له ذلك أو يعلم أنهم يصدقونه مخافة أن يضرب ويؤذى ، وإذا علمت هذا تبين لك أنه يجب عليه الاحتراز من الإذاية والضرب فيما لا [ ص: 461 ] قطع فيه كما يجب عليه الاحتراز من القطع فيما فيه القطع ، وهذا عين ما قاله المواق وتبعه عج و ز فالاعتراض عليهم في ذلك ساقط لا وجه له والله سبحانه وتعالى أعلم .

( و ) إذا امتنع من له فضل طعام أو شراب من دفعه ليضطر إليه ( قاتل ) المضطر ولو كافرا جوازا صاحب الطعام ( عليه ) أي الطعام بعد أن يعلمه باضطراره وأنه إن لم يعطه مختارا قاتله ، فإن قتل المضطر صاحب الطعام فهدر ، وإن قتل رب الطعام المضطر اقتص منه إن كان المقتول مكاتبا له ، فإن كان كافرا مثلا ورب الطعام مسلم فلا يقتل به ، ومحل مقاتلته عليه إذا لم يكن معه ميتة يستغنى بها عنه ويرشد له ما تقدم أنه إذا خاف الضرب بأخذه قدم الميتة .




الخدمات العلمية