الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 440 ] وضمن مار أمكنت ذكاته ، وترك [ ص: 441 ] كترك تخليص مستهلك من نفس أو مال بيده [ ص: 442 - 443 ] أو شهادته أو بإمساك وثيقة أو تقطيعها وفي قتل شاهدي حق تردد ، [ ص: 444 ] وترك مواساة وجبت بخيط لجائفة ، وفضل طعام أو شراب لمضطر ، [ ص: 445 ] وعمد وخشب فيقع الجدار ، وله الثمن إن وجد .

التالي السابق


( وضمن ) بفتح فكسر مخففا أي : غرم قيمة الصيد مجروحا على المنصوص شخص ( مار ) به غير منفوذ مقتل ( أمكنته ) أي : المار ( ذكاته ) أي الصيد بوجود آلتها وعلمه بصفتها وهو ممن تصح ذكاته ( وترك ) المار ذكاته ومات الصيد قبل أن يدركه ربه لتفويته على ربه لتنزيله منزلته ، ولو كان المار صبيا ; لأنه من خطاب الوضع ولا يؤكل وظاهره ولو أكله ربه معتقدا أنه مذكى ، وهو كذلك لأكله ميتة لا قيمة لها بخلاف أكل المغصوب منه ماله المغصوب ضيافة فلا يضمنه الغاصب لأكله متمولا كما سيذكره المصنف في الغصب قاله عج بحثا . وبحث بعض شيوخ أحمد أن المار لا يضمن الصيد إذا أكله ربه أخذا مما في الغصب ، قال ولا يقال لم يأكل حلالا هنا بخلاف ما في الغصب ; لأنا نقول هو حلال في الظاهر وهو المعول عليه الذي ينبغي اعتماده ، والمراد إمكانها شرعا وعادة ، فاحترز بالأول عن مرور من لا تصح ذكاته كمجوسي ومرتد ومستحل بينة فلا ضمان عليه ، بل لو ذكاه لضمنه [ ص: 441 ] وللثاني عن مرور من لا آلة معه والمار الكتابي كالمسلم ; لأنه ذبح لا عقر ولا يأتي فيه الخلاف المتقدم في ذبح كتابي لمسلم ; لأنه هنا لحفظ مال الغير وهو واجب عليه ا هـ عبق . قوله ولا يأتي فيه الخلاف إلخ فيه نظر والظاهر أنه لا يكون كالمسلم إلا على القول بصحة ذكاته إذ لا يظهر حفظ مال الغير إلا حينئذ أفاده ابن الأمير مراد عب أن الخلاف محله عند وجود غيره أما إن وجد هو فقط فالصحة متفق عليها نظرا لواجب حفظ مال الغير ولا يجتمع وجوب وفساد نظير خلاف السن والظفر ، وأمثال ذلك فسقط ما نوقش به من أنه على القول بعدم الصحة يكون الكتابي بالنسبة لملك المسلم كالمجوسي فلا حفظ بتذكيته فلا ضمان عليه بتركها . ا هـ . بتصرف وكلامه هنا في الصيد كما مر ، وأما المار على غيره وخاف موته فإن كان له فيه أمانة رعاية فسيقول ، وصدق إن ادعى خوف موت فنحر أي : أو ذبح ، وإن كانت أمانته بوديعة ضمنه بذبحه إلا لقرينة على صدقه وإن لم تكن له فيه أمانة ضمنه ، ولا يقبل منه أنه خاف موته إلا بدليل على صدقه أفاده عب .

البناني ابن الحاجب لو مر إنسان بصيد وأمكنته الذكاة وتركها فالمنصوص لا يؤكل وفي ضمان المار قولان بناء على أن الترك كالفعل أو لا ضيح أي المنصوص لابن المواز ، وأجرى ابن محرز وغيره من المتأخرين في تضمينه قولين من الخلاف في الترك هل هو كالفعل أو لا أي : هل تركه كفعل التفويت أم لا ، قيل وعلى نفي الضمان فيأكله ربه واختار اللخمي نفي الضمان قال : وإن كان جهل وظن أنه ليس له أن يذكيه كان أبين في نفي ضمانه ، ولو مر بشاة وخشي موتها ولم يذبحها وماتت فلا يضمنها ; لأنه يخشى أنه لا يصدقه ربها في خوفه موتها ويضمنه وليست كالصيد ; لأنه يراد لذبحه ا هـ .

وشبه في الضمان فقال ( كترك تخليص ) شيء ( مستهلك ) بضم الميم وفتح اللام أي : معرض للهلاك ( من نفس أو مال ) لغير تارك التخليص ، وسواء قدر على تخليصه ( بيده ) أي : قدرته ولو بلسانه أو جاهه أو ماله فيضمن في النفس العاقلة الحرة دية خطأ ولو ترك التخليص عمدا ذكره أحمد ، وفي الإرشاد ما يحتمل ضمان دية عمد في الترك عمدا وإلا [ ص: 442 ] فدية خطأ ويضمن قيمة العبد والمال في ماله ، وإذا خلص بمال ضمنه رب المتاع ، وإذا عدم اتبع به أحمد قوله بيده صلة ترك وباؤه سببية أو محذوف حال من ترك وعلى كل ففيه حذف مضاف أي : بإمساك يده عن التخليص فيصح عطف أو بإمساك وثيقة على بيده ، وأما جعله صلة تخليص كما فعل الشارح وقدمت نحوه في الحل فهو وإن كان صحيحا في بيده لا يصح عطف بإمساك عليه ، إذ يصير التقدير التخليص بإمساك وثيقة والتخليص إنما هو بعدم إمساكها . وأدخلت الكاف قتل زوجة قبل بناء زوجها بها فيضمن له جميع صداقها لتكمله عليه بموتها ولم يدخل بها أفاده عب .

البناني قوله فيضمن في النفس العاقلة دية خطأ أي : في ماله إن تركه عمدا وعلى عاقلته إن تركه خطأ ولا يقتل به ولو تركه عمدا ، هذا مذهب المدونة ، وحكى عياض عن مالك " رضي الله عنه " أنه يقتل به . الأبي ما زال الشيوخ ينكرون حكايته عنه ويقولون إنه خلاف المدونة . قوله وأدخلت الكاف إلخ فيه نظر ; لأن كاف التشبيه لا تدخل شيئا ، ولأن هذا الفرع غير ملائم للفروع المذكورة ; لأن الضمان فيها بالترك وهذا بالفعل ، ولأن جزمه بالضمان فيه غير صحيح إذ الذي يفيده ابن عرفة أن قتلها كقتل شهيد الحق ، ونصه ولو قطعها أي : الوثيقة فالضمان أبين . ابن بشير متفق عليه ، وقتل شاهديها أضعف ; لأنه تعد على سبب الشهادة لا عليها . قلت وقتل الزوجة قبل البناء في النكاح ا هـ .

وفي التوضيح النص في قتل المرأة نفسها كراهة في زوجها لا يسقط صداقها ، وكذلك السيد إذا قتل أمته المتزوجة . ا هـ . وهو يفيد عدم الضمان ، على أنا وإن قلنا بالضمان فلا يضمن إلا نصف الصداق ; لأنه الذي وقع فيه التفويت ، وأما النصف الآخر فإنه يرثه ا هـ . الأمير قوله فيضمن له جميع صداقها هذا إن قلنا : إنها لا تملك بالعقد شيئا فإن قلنا : تملك به النصف ضمنه فقط ، وإن قلنا : تملك الكل فكالمدخول بها لا ضمان ; لأنه إنما فوت البضع وليس متمولا على أنه يأتي له في قتل شاهدي الحق ما يقوي القول بعدم الضمان أصلا ، فإنه قد لا يقصد بقتلها إتلاف الصداق . وقول بن فلا يضمن إلا نصف الصداق إلخ فيه أن الإرث لا ينظر له هنا ، وإلا فقد يزيد ما يرثه من التركة على جميع الصداق ، وقد يكون هناك [ ص: 443 ] دين مستغرق للتركة أو يكون الزوج أو هي رقيقا فلا إرث أصلا أو لها ولد فلا يرث الزوج إلا الربع ا هـ .

( أو ب ) ترك ( شهادته ) بعد طلبها منه أو علمه تركها يؤدي لضياع الحق و الظاهر حمله على عدم العلم وقال أحمد أي : بأن رأى فاسقين يشهدان بقتل أو دين زورا فترك التجريح ( أو بإمساك وثيقة ) بعفو عن دم أو بدم أو بمال ، وهذا صادق بما إذا كان شاهدها لا يشهد إلا بها وبما أذا نسي الشاهد ما شهد به ، وكان قد يتذكره برؤيتها وكان لا يشهد بما فيها إلا على خط شاهدها ( أو تقطيعها ) أي : الوثيقة فضاع الحق فيضمنه وثمن الوثيقة وهذا حيث لا سجل لها وإلا فلا يضمن إلا ما يغرمه على إخراجها منه .

طفي تقطيع الوثيقة وقتل شاهدي حق ليسا من المسائل التي يجري فيها هل الترك فعل يوجب الضمان أو لا وهو ظاهر ، فالأولى تأخيرهما كما فعل ابن شاس وابن الحاجب ولا يخلل بهما المسائل الجارية على القانون المذكور ، وقوله ويضمن ثمن الورقة فيه نظر ، إذ لا فائدة فيها إلا أخذ الحق بها وقد غرمه ا هـ . ابن الأمير قوله وثمن الوثيقة أي إن كان للكاغد في حد ذاته قيمة بقطع النظر عن الحق ; لأنه قد ضمنه .

( وفي ) ضمان مال فوته بسبب ( قتل شاهدي ) بفتح الدال المهملة مثنى شاهد حذفت نونه لإضافته ل ( حق ) ولو خطأ وعدمه ; لأنه قد لا يقصد بقتلهما إبطال الحق بل للعداوة فهو إنما تعدى على السبب لا على الشهادة ( تردد ) في الحكم للمتأخر لعدم نص المتقدمين فمحلة حيث لا يقصد بقتلهما إبطال الحق وإلا ضمنه اتفاقا . ابن وهب ينبغي أن الراجح ضمان المال ولو قتلهما خطأ ; لأن الخطأ والعمد في أموال الناس سواء ، ومثل قتلهما قتل من عليه الدين عند ابن محرز وقتل أحدهما حيث كان الحق يتوقف ثبوته على شاهدين ، ويعلم كون المقتولين شاهدي حق بإقرار القاتل به وبشهادة اثنين بأنهما شاهدا حق حيث لم يشهد الاثنان به لعدم علمهما بقدره أو نحو ذلك [ ص: 444 ] ومن نظائر هذه المسائل من حل قيد عبد أو فتح على غير عاقل أو أخفى غريما من غريمه أو لو أطلق السجان أو العون الغريم فيضمن ما عليه قاله المشذالي ، وأخذ ابن عرفة منها ضمان من سقى دابة رجل واقفة على بئر فذهبت . المشذالي وهو بين إن كانت لو لم تشرب لم تذهب ولم يخش موتها من العطش وإن خشي موتها من العطش ففي ضمانه نظر .

( و ) ضمن بسبب ( ترك مواساة وجبت ) عليه لغيره ولو ( بخيط ) مستغنى عنه حالا ومآلا أو احتاج له لثوب أو جائفة دابة لا يموت هو بموتها ( لجائفة ) أي : لخياطة جرح ، وأصل الجوف من آدمي أجنبي إن خاطه به سلم فلم يدفعه له ومات فإن احتاج له ربه لخياطة جائفة نفسه أو دابته التي يموت بموتها فلا يجب عليه دفعه لغيره ومثل الخيط الإبرة وكل جرح يخشى منه الموت كالجائفة ( وفضل ) أي : فاضل عما يملك الصحة لا عن عادته في الأكل والشرب من ( طعام أو شراب ل ) شخص ( مضطر ) خيف موته بالجوع أو العطش فترك دفعه له ومات فيضمن دية خطأ إن تأول في منعه ، وإلا اقتص منه كما يأتي في باب الجنايات من قوله كخنق ومنع طعام فلا يخالف ما هنا على أنه إذا حمل الضمان هنا بالنسبة للآدمي على ما يشمل القصاص وافق الآتي ، ولكن الفرق بالتقييد المتقدم حسن والمراد الفضل عما يضطر إليه ربه حالا ومآلا إلى محل يوجد فيه طعام أو شراب

وكما يعتبر الفضل من نفس يعتبر الفضل عمن تلزمه مؤنته ومن في عياله ومثل فضل الطعام والشراب فضل لباس وركوب . وسئل الناصر عمن طلقت ومعها رضيع عمره سنة وشهر وفرض أبوه لرضاعه فرضا ففطمته نحو عشرين يوما ولم يشعر أبوه به فضعف الولد من يوم فطامه ومات بعد نحو عشرين يوما فهل على أمه شيء أم لا ؟ فأجاب إن كان في الولد قوة على الفطام في العرف والعادة في مثل هذا السن فلا شيء عليها ، وإن كان مثله يخاف موته منه في العرف والعادة فعليها الدية . [ ص: 445 ] و ) ضمن بترك مواساة وجبت بدفع ( عمد ) بضم العين والميم وجمع عمود ( وخشب ) وجبس ونحوه لإسناد كجدار مائل ( فيقع ) بالنصب لعطفه على اسم خالص وهو ترك وفاعل يقع ( الجدار ) فيضمن بين قيمته مائلا وقيمته مهدوما وما أتلفه الجدار من نفس ومال بالشروط الآتية للمصنف في ضمان المالك وهي ميل الجدار وإنذار صاحبه عند حاكم وإمكان تداركه لتنزيله منزلة المالك هنا والظاهر أن إنذار رب الجدار لرب العمد كاف في ضمانه ( و ) لكن ( له ) أي المواسي بخيط أو فضل طعام أو شراب أو عمد أو خشب ( الثمن ) أي : القيمة لما واسى به وقت المواساة ( إن وجد ) بضم فكسر مع المضطر حال اضطراره وإلا فلا يتبعه به ولو مليا ببلده أو أيسر بعدها وأراد بالثمن ما يشمل أجرة العمد والخشب .




الخدمات العلمية