الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 160 ] المعلق يتأخر والمضاف يقارن .

                [ ص: 161 ] قال لأجنبية أنت طالق قبل أن أتزوجك بشهر أو أطلق لا ينعقد ، 39 - ولو قال إذا تزوجتك فأنت طالق قبل ذلك بشهر ، فتزوجها قبل الشهر لا تطلق [ ص: 162 ] وبعد تطلق

                التالي السابق


                ( 37 ) قوله : المعلق يتأخر والمضاف يقارن معناه أن المعلق بشرط ينزل بعد وجود الشرط ، والمضاف ينزل مقارنا للوقت الموصوف بتلك الصفة وهذا الفرق مبني على أصل وهو أن الحكم لا يقارن السبب بل يوجد عقيبه ، والمضاف سبب في الحال ; لأنه لم يوجد معه ما يمنع عن كونه سببا فيقع الطلاق مقارنا للوقت الذي أضيف إليه ; لأن السبب قد يقدم ، أما المعلق بالشرط فإنه سبب عند وجود الشرط ; لأن اعتراض الشرط على السبب يمنع اتصاله بمحله ، وبدون الاتصال بالمحل لا يسمى سببا ، وهذا معنى قول أصحابنا : المعلق بالشرط كالمرسل عند وجوده فينزل الطلاق عقيب الشرط ليقع الحكم عقيب سببه .

                لكن المضاف إن فارق المعلق من هذا الوجه فقد وافقه من حيث إن الحكم يتوقف على وجود الوقت الذي أضافه إليه موصوفا بتلك الصفة ; لأن الحالف ما التزم الطلاق إلا عند وجود تلك الصفة كالشرط ; لأنه لو كان غرضه [ ص: 161 ] التنجيز لكان قوله أنت طالق أخصر من قوله أنت طالق يوم الجمعة ، فلما لم يقتصر على الأخصر دل على مراده التأخير .

                ( 38 ) قوله : قال لأجنبية أنت طالق قبل أن أتزوجك بشهر إلخ . المقام مقام التفريع على الأصل الذي يقبله فكان الأولى أن يقول : فلو قال لأجنبية إلخ أنت طالق قبل أن أتزوجك بشهر ثم تزوجها قبل مضي شهر أو بعده لا يقع شيء ، أما قبله فلانعدام الوقت المضاف إليه وهو شهر قبل التزوج ، وأما بعده فلأن التزوج ليس بشرط ليقع بعده ; لأن الطلاق مضاف إلى الوقت قبل التزوج فكان التزوج موجدا للشرط والموجد للشرط ليس بشرط .

                ( 39 ) قوله : ولو قال إذا تزوجتك إلخ يعني فتزوجها قبل شهر لا تطلق لانعدام الوقت المضاف إليه ، ولو تزوجها بعد شهر ، ذكر في رواية أبي سليمان أنها تطلق ولم يحك خلافا وذكر في رواية أبي حفص أنها طلقت في قول أبي يوسف رحمه الله خلافا لهما ; لأنه إيقاع وقت التزوج ; لأنه مذكور بكلمة إذا وهي للوقت فيتعلق بوقت التزوج ويقع عقبه لكنه قصد أن يكون الواقع وقت التزوج واقعا بقوله قبل أن أتزوجك وهو مستحيل فيلغو ، كما لو صرح وقال : إذا تزوجتك فأنت طالق في تلك الساعة قبل أن أتزوجك أنه يقع في تلك ويلغو قوله أن أتزوجك . ومنهم من جعل الخلاف في المطلق دون المقيد بشهر ، والصحيح أن الخلاف في المطلق والمقيد . لأبي يوسف تقديم الجزاء في قوله أنت طالق قبل أن أتزوجك إذا تزوجتك ، حيث يقع بالإجماع .

                ولهما أن الجمع بين الإضافة والتعليق غير ممكن لما بينهما من التضاد من المقارنة والتأخر والوقوع وعدمه فيجعل آخرهما ناسخا للأول ; وبيانه في مسألتنا أن إضافة الطلاق إلى ما قبل التزوج يقتضي وقوعه قبله وتعليقه بالتزوج يمنع وقوعه قبله فيتحقق التنافي فيجعل آخرهما ناسخا للأول . ومن هنا تبين أن الفرق بين تقديم الجزاء [ ص: 162 ] وتأخيره ، فتقول إذا قدم الجزاء وأخر التعليق انتسخت الإضافة وبطلت القبلية فيبقى مجرد قوله أنت طالق إذا تزوجتك وإذا قدم التعليق نسخته الإضافة فيبقى مجرد قوله أنت طالق قبل أن أتزوجك فلا يقع ، وشاهد اعتبار ترجيح المتأخر أنت طالق غدا إن دخلت الدار يبطل ذكر الغد ، ويتعلق الطلاق بالدخول حتى لو دخلت اليوم وقع ، فقد اجتمع الإضافة والتعليق وبطلت الإضافة للتقدم كما ترى .

                ( 40 ) قوله : وبعده تطلق . قيل عليه : إن لفظ ذلك من قوله أنت طالق قبل ذلك إشارة إلى التزوج ظاهرا وقضيته عدم وقوع الطلاق في الفصلين ; لأنها قبل التزوج أجنبية فما وجه التفصيل المذكور ( انتهى ) .

                أقول وجه التفصيل علم مما قدمنا وهو أنه لو تزوجها قبل شهر لا تطلق لانعدام الوقت المضاف إليه ، ولو تزوجها بعد شهر تطلق ; لأنه إيقاع وقت التزوج ; لأنه مذكور بكلمة إذا وهي للوقت فيتعلق بوقت التزوج ويقع عقبه ويلغو قوله قبل أن أتزوجك ; لأنه مستحيل




                الخدمات العلمية