الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                معلومات الكتاب

                الأشباه والنظائر على مذاهب أبي حنيفة النعمان

                ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                صفحة جزء
                18 - وفي بعض الكتب أن الوضوء الذي ليس بمنوي ، ليس بمأمور به ولكنه مفتاح للصلاة

                التالي السابق


                ( 18 ) وفي بعض الكتب أن الوضوء الذي ليس بمنوي ليس بمأمور به ولكنه [ ص: 57 ] مفتاح للصلاة : قيل عليه أن كونه مفتاحا للصلاة كيف ثبت بغير الأمر على هذا القول ( انتهى ) .

                والجواب إنه ثبت بقوله عليه الصلاة والسلام { مفتاح الصلاة الطهور } وكونه مفتاحا لها باعتبار كونه طهارة على ما أشير إليه في آخر آية الوضوء بقوله تعالى { ولكن يريد ليطهركم } فإنه وإن ذكر لبيان حال التيمم ، ولكنه لا يخلو عن الإشارة إلى حال الوضوء كما لا يخفى .

                لكن التحقيق أن الوضوء المأمور به يتأدى بغير النية وبيان ذلك أن الإمام الشافعي رحمه الله ومن وافقه احتج بقوله تعالى { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } الآية .

                لأن معناه فاغسلوا وجوهكم للصلاة كقوله تعالى { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما } { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } أي للزنا والسرقة وكقوله إذا جاء الشتاء فتأهب أي للشتاء وهذا لأنه خرج مخرج الجزاء للشرط فيتقيد به . وهذا معنى النية ; فلو توضأ للتبرد وغيره لم يأت بالمأمور به وصار كقوله تعالى { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة } فإنه يشترط التحرير بنية هذه الكفارة ولا يجوز بدونها لتعلق الجزاء بالشرط فكذا هنا وجوابنا عنه بوجهين الأول النقض وتقريره : أن ما ذكرتم منقوض بقوله تعالى { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله } وبقوله تعالى { خذوا زينتكم عند كل مسجد } وبقوله تعالى { وثيابك فطهر } وبقوله تعالى { فولوا وجوهكم شطره } أي لأجل الصلاة فإن السعي ووجوب أخذ الزينة أي ستر العورة للصلاة وكذلك التولية إلى القبلة وتطهير الثوب لم يشترط له النية في هذه المواضع .

                فكذا في الوضوء .

                وأما ما ذكرتم من المعنى موجود فيها فما هو جوابكم عنها ؟ فهل جوابنا عن الوضوء على أنهم تركوا مفهوم الآية لأنهم قالوا لو نوى كلما يحتاج إلى الطهارة غير [ ص: 58 ] الصلاة صحت نيته وتم وضوءه وإن لم ينو الصلاة والثاني الحل وتحريره أن ما ذكر فهو فيما إذا كان حكما غير شرط لحكم آخر .

                أما إذا كان شرطا لحكم لا تشترط النية .

                وهنا شرط لأن الشرط يراعى وجوده مطلقا لا وجوده قصدا كما في قوله تعالى { إذا نودي للصلاة } الآية .

                لما كان السعي شرطا لأداء الجمعة لا تشترط النية في السعي أن يكون لأجل الجمعة حتى إذا سعى لغير قصد الجمعة ، لقصد حاجة أو لزيارة إنسان وحضرت الجمعة فأدى ، يجوز ، ويؤيد ما ذكرنا أن اشتراط القصد للفعل الاختياري وفعل العبد غير معتبر في الباب ، لما مر أنه لو سال عليه المطر فغسل أعضاء وضوئه أو جميع البدن أجزأه عن الوضوء والغسل .

                فقد تبين بما أوضحناه لك أن ما قيل لا نزاع لأصحابنا في أن الوضوء المأمور به في النص المذكور لا يصح بدون النية وأن ما يظنه كثير من مشايخنا أن الوضوء المأمور به يتأدى بغير نية غلط ليس كذلك يعني بل يصح بدون النية وليس ذلك الظن الذي يظنه كثير من مشايخنا غلطا كذا حققه العلامة ابن الكمال في شرح الهداية وهو تحقيق وبالقبول حقيق لا يوجد في غير ذلك الكتاب ولا يورد عليه في منهل غير مناهله العذاب




                الخدمات العلمية