الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( كطرو غريم أو موصى له بعدد على ورثة [ ص: 350 ] أو وارث وموصى له بالثلث ، والمقسوم كدار وإن كان عينا أو مثليا رجع على كل ومن أعسر فعليه إن لم يعلموا وإن دفع جميع الورثة مضت كبيعهم بلا غبن واستوفى مما وجد ثم تراجعوا ومن أعسر فعليه إن لم يعلموا )

                                                                                                                            ش : ذكر رحمه الله أربع مسائل ، الأولى : أن يطرأ غريم على الورثة بعد أن اقتسموا التركة ، الثانية : أن يطرأ موصى له بعدد على الورثة بعد القسمة أيضا ، الثالثة : أن يطرأ غريم على الورثة والموصى لهم بالثلث بعد القسمة ، الرابعة : أن يطرأ موصى له بعدد على الورثة والموصى لهم بالثلث بعد القسمة أيضا ، وذكر أن الحكم في الصور الأربع نقض القسمة ; لأنه شبهها بمسألة استحقاق الأكثر حيث قال : وفسخت في الأكثر كطرو غريم إلخ ، إلا إن شرط في نقض القسمة أن يكون المقسوم دارا أو ما يشبه الدار يريد المقومات كالعبيد والثياب ونحوها واحترز بذلك مما لو كان المقسوم عينا أو مثليا فإن القسمة لا تنقض كما صرح به في قوله وإن كان عينا أو مثليا رجع على كل من الورثة بحصته ويشترط في نقض القسمة إذا كان المقسوم كدار أن لا يدفع الورثة يريد أو أحدهم جميع الدين فإن دفعوا الدين من أموالهم أو دفع بعضهم لم تنتقض وكذلك إذا دفعوا العدد الموصى به لم تنتقض القسمة وهذا الشرط يفهم من قول المصنف وإن دفع جميع الورثة مضت وأما قول المؤلف في مسألة ما إذا كان المقسوم عينا أو مثليا أن من أعسر فعليه إن لم يعلموا فمشكل ; لأنه يقتضي أن الورثة إذا اقتسموا التركة وكانت عينا أو مثليا ثم طرأ عليهم غريم فوجد بعضهم موسرا وبعضهم معسرافإنه إنما يرجع على الموسر بحصته ويتبع المعسر بحصته إذا لم يكونوا عالمين بالدين وليس كذلك وإنما يكون هذا فيما إذا طرأ غريم على غرماء أو وارث على ورثة أو موصى له على موصى لهم وأما إذا طرأ الغريم على الورثة فإنه يرجع على [ ص: 351 ] المليء منهم بجميع الدين حتى يستوفي جميع ما أخذه الوارث ثم يتبع الوارث بقية الورثة سواء علموا بالدين أو لم يعلموا ومثله في الإشكال قوله بعد ومن أعسر فعليه إن لم يعلموا ، قال في كتاب القسمة من المدونة : ومن هلك وعليه دين وترك دورا ورقيقا وصاحب الدين غائب فجهل الورثة أن الدين قبل القسمة أو لم يعلموا بالدين فاقتسموا ميراثه ثم علموا بالدين فالقسمة ترد حتى يستوفى الدين إن كان ما اقتسموا قائما فإن أتلف بعضهم حظه وبقي في يد بعضهم حظه فلرب الدين أخذ دينه مما بيده فإن كان دينه أقل مما بيده أخذ قدر دينه وضم ما بقي بيد هذا الوارث بعد الدين إلى ما أتلف بقية الورثة فإن كان هو التركة وما بقي بيد الغارم كان له ويتبع جميع الورثة بتمام موروثه من مال الميت بعد الدين إن بقي له شيء ويضمن كل وارث ما أكل وما استهلك مما أخذ وما باع فعليه ثمنه إن لم يحاب ، قال مالك : وما فات بأيديهم من حيوان أو هلك بأمر من الله من عرض وغيره فلا ضمان على من هلك ذلك بيده وضمانه من جميعهم ، قال ابن القاسم : لأن القسمة كانت بينهم باطلة للدين الذي على الميت ثم قال : وإن قسم القاضي بينهم ثم طرأ دين انتقضت القسمة كقسمتهم بغير أمر قاض وهم رجال ثم قال بعد هذا : وإذا طرأ على الورثة وارث أو موصى له بالثلث بعد القسم والتركة عين أو عرض فإنما يتبع كل واحد بقدر ما صار إليه من حقه إن قدر على قسم ما بيده من ذلك ولا يكون لهذا الوارث الذي طرأ على ورثة الميت أن يتبع المليء بما على المعدم وليس كغريم طرأ على وارث ولكن كغريم طرأ على غرماء ولو قسموا مال الميت أجمع وأعدم بعضهم فلا يتبع المليء إلا بما عنده من حصته بالحصاص وإن كانت التركة دورا وليس فيها عين فاقتسمها الورثة ثم قدم وارث أو موصى له بثلث نقض القسم كانوا قد جمعوا الدور في القسم أو قسموا كل دار على حدة ولو قدم موصى له بدنانير أو دراهم والثلث يحملها كان كلحوق دين أدون أو نقض القسم ولا يجبر الورثة على أدائه من مالهم ومال الميت قائم ثم قال : ولو طاع أكثرهم بأداء الوصية والدين وأبى أحدهم ، وقال : انقضوا القسم وبيعوا لذلك واقتسموا ما بقي فذلك له ثم قال : ولو دعوا إلى نقض القسم إلا واحدا ، قال : أنا أؤدي جميع الدين أو الوصية عينا كانت أو طعاما ولا أتبعكم بشيء ولا تنقضوا القسم لرغبته في حظه وقد قسموا ربعا وحيوانا فذلك له ، انتهى . وعلم أن التفريق بين كون المقسوم عينا أو مثليا . وكونه كدار إنما ذكره ابن الحاجب فيما إذا طرأ وارث على مثله ولكنه يفهم من كلام غيره وصرح به في اللباب قال : وإذا طرأ دين على القسمة يغترق التركة أخذ ذلك من يد الورثة وإن كان لا يغترقها وكلهم حاضر موسر غير ملد أخذ من كل واحد ما ينوبه وإن كان بعضهم غائبا أو معسرا أو ملدا أخذ دينه من الحاضر الموسر غير الملد ويتبع هو أصحابه وإن كانت التركة عقارا أو رقيقا فسخت حتى يوفى الدين علموا به أو لم يعلموا . قاله في المدونة وقال أشهب وسحنون : لا يفسخ ويفض الدين على ما بأيديهم في الحصص وإذا طرأ غريم آخر رجع على الغرماء ولا يرجع على الموسر بما على المعدم ولا يرجع على الورثة إذا لم يعلموا بدين الطارئ ولا كان موصوفا بالدين ولو فضل بأيديهم شيء رجع عليهم به ويرجع بما بقي على الغرماء وإذا طرأ وارث والتركة عين فيرجع على كل واحد بما ينوبه فإذا كان معسرا أخذ فيها من الموسر ما نابه فقط قاله ابن القاسم وقيل : بل يقاسم الموسر فيما صار إليه ويتبعان المعسر معا ولو ترك دارا فاقتسماها ثم طرأ وارث خير في نقض القسم أو يشارك كل واحد فيما صار إليه ا هـ ومسألة بيع الورثة تقدمت في التفليس في شرح قول المصنف في باب التفليس واستؤني به إن عرف بالدين في الموت فقط وتقدم الكلام عليها وقال هنا في [ ص: 352 ] كتاب القسمة من المدونة ومن هلك وعليه دين وترك دارا بيع منها بقدر الدين ثم اقتسم الورثة باقيها إلا أن يخرج الورثة الدين من أموالهم فتبقى لهم الدار يقتسمونها قال أبو الحسن : إذ لا حجة للطالب إلا في دينه كما لو أداه أجنبي لم يكن له مقال وظاهره إن كانت أموال الورثة غير طيبة ، الشيخ . أما إن كانت أموالهم غير طيبة فله مقال إذا كان مال الميت أطيب منها انظر بقية كلامه .

                                                                                                                            ( تنبيه ) قال ابن غازي : اشتمل كلامه يعني المصنف على ثمانية أنواع من الأحد عشر نوعا التي في المقدمات وكأنه أسقط الثلاثة لرجوعها للثمانية كما أشار إليه في المقدمات ، انتهى . قلت والثلاثة الباقية هي طرو الغريم على الغرماء والورثة فإن كان فيما أخذه الورثة كفاف دين الغرماء رجع عليهم كما تقدم في طرو الغريم على الورثة وإن لم يكن فيه كفاف دينه رجع على الغرماء بقيمة دينه كالعمل في رجوع الغريم على الغرماء والثانية طرو الموصى له بجزء على الموصى له بجزء وعلى الورثة ، والحكم فيها إن كان ما أخذه الورثة زائدا على الثلث كفاف الجزء الطارئ كان كطرو الموصى له بجزء على الورثة وإن لم يكن فيه كفاف رجع بالباقي على الموصى لهم والثالثة طرو الغريم على الورثة والموصى لهم بأقل من الثلث ، والحكم فيها أن ينظر فإن كان ما قبضه الموصى له بجزء من الثلث بعد أداء الدين فلا رجوع للغريم عليه إلا في عدم الورثة وإن كان لا يخرج من الثلث بعد ذلك فيرجع بالزائد على الثلث على من وجد من الموصى لهم مليئا وأما قدر الثلث فلا يرجع به على الموصى له إلا في عدم الورثة ، والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية