الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( إلا كقمح بمثله ودراهم بدنانير )

                                                                                                                            ش : قوله كقمح بمثله شامل لحفظ كل جنس بجنسه المماثل له حتى الدراهم والدنانير بمثلها ، وهي الصورة الأولى من الصورتين المستثنتين من الضمان بخلط الوديعة والثانية هي التي أشار إليها الشيخ بقوله : ودراهم بدنانير وهي إذا خلط الجنس بغير جنسه ولكن يمكن ميزه بسهولة قال في الجواهر : الثالث من أسباب التقصير في الوديعة خلط الوديعة بما لا يتميز عنه مما هو غير مماثل له كخلط القمح بالشعير وشبهه فأما خلطها بجنسها المماثل لها جودة ورداءة كحنطة بمثلها أو ذهب بمثله أو بما يتميز عنه ولا يختلط به كذهب بورق فلا يضمن انتهى . وفي المدونة من أودعته دنانير أو دراهم فخلطها بمثلها ، ثم ضاع المال لم يضمن ، وإن ضاع بعضه كان ما ضاع وما بقي بينكما ; لأن دراهمك لا تعرف من دراهمه ولو عرفت بعينها كانت مصيبة دراهم كل واحد منه ولا يغيرها الخلط وإن أودعته حنطة فخلطها بحنطة فإن كانت مثلها وفعل ذلك بها على الإحراز والدفع ، فهلك الجميع لم يضمن ، وإن كانت مختلفة ضمن ، وكذلك إن خلط حنطتك بشعير ، ثم ضاع الجميع ، فهو ضامن ; لأنه قد أفاتها بالخلط قبل هلاكها انتهى .

                                                                                                                            ص ( للإحراز )

                                                                                                                            ش : قال ابن غازي : إنما ذكر هذا القيد في المدونة في الصورة الأولى ، وأما الثانية فلم يذكره فيها أصلا انتهى .

                                                                                                                            قال بعض الناس : وهو خاص أيضا ببعض أفراد الصورة الأولى ، وهو الحنطة ومشابهاتها ، وأما الدنانير والدراهم ، فلا يشترط فيهما الإحراز ، وهذا ليس بصحيح فقد قال أبو الحسن الصغير في قوله في المدونة المتقدم : ومن أودعته دراهم أو دنانير فخلطها يعني على وجه الإحراز والدفع لا على وجه التمليك قاله أبو عمران في الطعام بعده انتهى .

                                                                                                                            ويعني والله أعلم بقوله قاله أبو عمران في الطعام بعده أن أبا عمران لما تكلم على قوله في المدونة في الطعام وفعل ذلك بها على وجه الإحراز قال : وكذلك الدنانير والدراهم ، فإن القاضي كذلك فعل في التنبيهات ، ونصه : قوله في خلط الحنطة إذا خلطها على وجه الدفع للإحراز ، فلا ضمان عليه .

                                                                                                                            ( تنبيه ) : إن خلطه بما يخلط إنما يضمنه إذا كان لهذا وشبهه من النظر ; لأن جمعها أحرز لها من تفريقها وأرفق بها من شغل مخزنين بذلك وكرائهما وحفظهما ، وهو المراد [ ص: 253 ] بالدفع وإن الخلط إذا كان لغير هذا من تعد أو أخذها لنفسه أنه فيه ضامن ، ولا فرق في هذا بين الطعام والدراهم ، وقوله ; لأن دراهم هذا تعرف من دراهم هذا يدل على أنها مختلفة ، وإن خلط الدراهم المختلفة لا يضمن فيها ; لأنها تتميز ، وكذلك يجب لو خلط دنانير عنده وديعة بدراهم في كيس لم يضمن ، فتأمله تجده يدل على أن الإحراز قيد في الصورتين معا والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( ثم إن تلف بعضه فبينكما إلا أن يتميز ) ش يشير به إلى ما تقدم عن المدونة قال اللخمي : وإذا خلط الدراهم أو الطعام بمثله ، ثم ضاع بعد ذلك كانا شريكين في الباقي على قدر ما لكل واحد منهما ، ويتفق في هذا مالك وابن القاسم ; لأنهما كانا شريكين قبل الضياع بوجه جائز انتهى ، ونقله ابن عرفة وخلاف مالك وابن القاسم المشار له هو ما ذكره في المدونة في تضمين الصناع ونصه قال ومن اختلط له دينار مع مائة دينار لغيره ، ثم ضاع من الجملة دينار ، فهما فيه شريكان صاحب الدينار بجزء من مائة جزء وجزء ، وقال ابن القاسم وابن سلمة : لصاحب المائة تسعة وتسعون ، ويقتسمان الدينار الباقي ابن يونس ولو لم يبق إلا دينار واحد لقسم بينهما نصفين على قوليهما ; لأن كل واحد يدعيه لنفسه انتهى . وقال [ ص: 254 ] المشذالي في حاشيته على هذا المحل قال ابن سهل ابن القاسم وابن أبي سلمة : وكذلك الشاة تختلط بغنم فتبهم ، ثم ذكر مسألتين إحداهما : من سماع عيسى والثانية من سماع يحيى من كتاب الوديعة ، ثم ذكر مسألة من ألغاز ابن فرحون فراجعه والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية