الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( باب الباغية فرقة خالفت الإمام لمنع حق أو لخلعه )

                                                                                                                            ش : لما فرغ رحمه الله من الكلام على القتل والجرح اللذين يكون عنهما إذهاب النفس الذي هو من أعظم الذنوب في حق الآدميين أتبع ذلك بالكلام على الجنايات التي توجب سفك الدماء أو ما [ ص: 277 ] دونه من العقوبات والجناية هو ما يحدثه الرجل على نفسه أو غيره مما يضر حالا أو مالا .

                                                                                                                            والجنايات الموجبة للعقوبات سبع : البغي والردة والزنا والقذف والسرقة والحرابة والشرب . وبدأ المصنف بالبغي لأنه أعظمها مفسدة إذ فيه إذهاب الأنفس والأموال غالبا فقال : باب . أي هذا باب أذكر [ ص: 278 ] فيه أحكام البغي والبغي في اللغة قال الجوهري هو التعدي وقال ابن العربي في أحكام القرآن : إن مادة ( ب غ ي ) للطلب إلا أنه في العرف مقصور على طلب خاص وهو ابتغاء ما لا ينبغي ابتغاؤه انتهى . وفي الاصطلاح قال ابن عرفة : البغي هو الامتناع من طاعة من ثبتت إمامته في غير معصية بمغالبة ولو تأولا انتهى .

                                                                                                                            وعرفها المؤلف بقوله الباغية أي الفئة الباغية هي فرقة من المسلمين خالفت الإمام لشيئين إما لمنع حق وجب عليها من زكاة أو حكم من أحكام الشريعة أو لدخول في طاعته فإنه حق أو خالفته لخلعه . قال ابن عبد السلام والمراد بالإمام هنا الإمام الأعظم أو نائبه انتهى . وقال في التوضيح : فخرج . الخروج عن طاعة غير الإمام فإنه لا يسمى بغيا ا هـ . يريد أو نائبه وعلم أنه لو خرجت لا لمنع حق بل لمنع ظلم كأمره بمعصية ليست بباغية كما يفهم من كلام ابن عرفة وزاد ابن عرفة وابن الحاجب قيدا آخر وهو كون الخروج مغالبة ولا بد منه قال ابن عبد السلام ولفظة مغالبة كالفصل أو كالخاصة ; لأن من عصى الإمام لا على سبيل المغالبة لا يكون من البغاة انتهى . ونحوه في التوضيح ونصه وإخراج الخروج عن طاعة الإمام من غير مغالبة فإن ذلك لا يسمى بغيا ا هـ . وكأنهم يعنون بالمغالبة المقاتلة فمن خرج عن طاعة الإمام من غير مغالبة لا يكون باغيا . ومثال ذلك ما وقع لبعض الصحابة رضي الله عنهم وحشرنا في زمرتهم وأماتنا على محبتهم وسنتهم أنه مكث أشهرا لم يبايع الخليفة ثم بايعه رضي الله عنهم أجمعين ولابن عرفة في آخر الجهاد كلام حسن في قتال أهل العصبية وقتل الخوارج وكذا للشيخ أبي الحسن الصغير كلام حسن في الجهاد والله أعلم .

                                                                                                                            ( فائدة ) قال القرطبي في شرح مسلم البيعة مأخوذة من البيع وذلك أن المبايع للإمام يلزمه أن يقيه بنفسه وماله فكأنه بذل نفسه وماله لله تعالى وقد وعد الله تعالى على ذلك بالجنة فكأنه حصلت معاوضة ، ثم هي واجبة على كل مسلم لقوله صلى الله عليه وسلم { من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية } [ ص: 279 ] غير أنه من كان من أهل الحل والعقد والشهرة فبيعته بالقول والمباشرة باليد إن كان حاضرا وبالقول والإشهاد عليه إن كان غائبا ويكفي من لا يؤبه له ولا يعرف أن يعتقد دخوله تحت طاعة الإمام ويسمع ويطيع له في السر والجهر ولا يعتقد خلافا لذلك فإن أضمره فمات مات ميتة جاهلية لأنه لم يجعل في عنقه بيعة انتهى . وقال قبله بنحو الورقة في شرح قوله صلى الله عليه وسلم { إنما الطاعة في المعروف } إنما للحصر ويعني به ما ليس بمنكر ولا معصية فيدخل فيه الطاعة الواجبة والمندوب إليها والأمور الجائزة شرعا فلو أمر بجائز صارت طاعته فيه واجبة ولما حلت مخالفته فلو أمر بما زجر الشرع عنه زجر تنزيه لا تحريم فهذا مشكل . والأظهر جواز المخالفة تمسكا بقوله صلى الله عليه وسلم { إنما الطاعة في المعروف } .

                                                                                                                            وهذا ليس بمعروف إلا أن يخاف على نفسه منه فله أن يقتتل انتهى . وتقدم في الاستسقاء شيء من هذا المعنى .

                                                                                                                            ص ( وكره لرجل قتل أبيه )

                                                                                                                            ش : هذا هو المشهور وروى جوازه ابن عبد السلام وهذا الخلاف مقصور على الأب ولا يتعداه إلى الجد وقد تقدم في غير هذا الموضع اختلاف الطرطوشي وعياض في الجد هل يتنزل منزلة الأب في وجوب البر انتهى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية