الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت الدرهم الواحد إذا كان لي على رجل فأخذت منه به فضة تبرا أجود من فضته وأقل من وزنه أيجوز هذا أم لا ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لا يجوز قلت : فإن أخذت منه أجود من فضة الدرهم الذي لي عليه ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لا يجوز وانظر في الزيادة قلت : والدرهم في هذا والدرهمان والمائة درهم سواء ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم لا يجوز لك أن تأخذ دون دراهمك تبرا فضة إذا كانت الفضة أجود من فضة الدراهم ؟

                                                                                                                                                                                      قال : ومما يبين لك ذلك أن الرجل إذا أسلف مائة إردب سمراء فأخذ بها خمسين إردبا محمولة أنه لا خير فيه ، وأنه لو كان له على رجل مائة إردب سمراء ابتاعها منه فأخذ منه خمسين محمولة ما حلت له ، ولكان بيع الطعام قبل أن يستوفى ، فإن قال قائل : فإن ذلك من وجه القرض وليس هو من وجه ابتياع الطعام فقد صدق ، فهل يجوز لأحد أن يأخذ يدا بيد مائة إردب سمراء بخمسين محمولة وإن كان المعروف عند الناس أن السمراء أجود فهو حرام أيضا لا يحل .

                                                                                                                                                                                      فالسمراء من البيضاء إذا وقع هكذا لم ينبغ لأحد أن يأخذ من سمراء محمولة إلا مثل كيلها ، ولو جاز في المحمولة لجاز في الشعير فتتفاحش الكراهية فيه [ ص: 42 ] ويتفاحش على من يجيزه ، ولقد سألت مالكا عن الرجل يسلف الرجل مائة إردب محمولة أو شعيرا فيريد أن يقضيه قبل الأجل مائة إردب سمراء من محمولة وهي خير من المحمولة والشعير فقال : لا خير فيه لا سمراء من محمولة ولا صيحاني من عجوة ولا زبيب أحمر من أسود وإن كان أجود منه ، ولا يجوز في كل من استهلك لرجل طعاما تعدى عليه أو ورقا أو ذهبا دنانير كانت أو دراهم أو فضة في الاقتضاء إلا ما يجوز له في القرض عند حلول الأجل فما جاز له فيما أقرض أن يأخذه إذا حل أجله جاز له أن يأخذ في القضاء من هذا الذي استهلك له على ما وصفت لك .

                                                                                                                                                                                      قال : ولقد سألت مالكا عن الرجل يقرض الرجل مائة إردب قمحا فيقضيه دقيقا قال : إن أخذ مثل كيله فلا بأس به وهو يكره وله إذا كان أقل من كيل الحنطة التي له عليه ولو جاز أن يأخذ من مائة سمراء أسلفه إياها خمسين محمولة لجاز له أن يأخذ شعيرا أو دقيقا أو سلتا أقل فيصير بيع الطعام بعضه ببعض بينهما تفاضل ولا يجوز من ذلك إذا اختلف النوعان في نسب الطعام وإن كان واحدا إلا ما يجوز من ذلك يدا بيد من البدل وهو مثل بمثل ومما يبين لك ذلك لو أن رجلا أتى بإردب سمراء إلى رجل فقال له : أعطني بها خمس ويبات محمولة على وجه التطاول من صاحب السمراء عليه أو خمس ويبات شعيرا أو سلتا ما جاز ذلك وكان بيع الطعام بعضه ببعض متفاضلا ولو أتى رجل يبدل دنانير بأنقص منها وزنا أو اشترى عيونا ما كان بذلك بأس على وجه التجاوز إذا كان ذلك على وجه المعروف ولم يكن على وجه المكايسة ولو كان هذا في الطعام فجاء رجل إلى رجل ليبدله طعاما جيدا بأردأ منه ما جاز بأكثر من كيله إلا مثلا بمثل وقد يجوز في الذهب فهذا فرق ما بين ما سألت عنه من التبر والفضة بعضه ببعض والطعام بعضه ببعض بتفاضل ، وجل ما فسرت لك في هذه المسألة من حلالها وحرامها قول مالك .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية