الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( والأجل ) الذي يضرب للمرأة ، ولها القيام بعد مضيه وهو ( أربعة أشهر للحر وشهران للعبد مبدؤه من يوم اليمين ) على ترك الوطء ، ولو لم يحصل رفع ( إن كانت يمينه صريحة في ترك الوطء ) المدة المذكورة كوالله لا أطؤك خمسة أشهر مثلا أو لا أطؤك وأطلق أو حتى أموت أو تموتي لتناول يمينه بقية عمره أو عمرها فكأنه قال : لا أطؤك وأطلق ( لا إن ) لم تكن صريحة بل ( احتملت مدة يمينه أقل ) من مدة الإيلاء وأكثر وهي على بر كوالله لا أطؤك حتى يقدم زيد الغائب أو يموت عمرو فالأجل من يوم الرفع أي الحكم لكن الراجح أنه من يوم اليمين [ ص: 433 ] كالصريحة ( أو حلف على حنث ) يعني واحتملت مدة يمينه أقل خلافا لما يوهمه عطف المصنف بأو فلو أتى بالواو لكان ماشيا على المعتمد كإن لم أدخل الدار فأنت طالق أي فمنع من الوطء لما تقدم له في قوله وإن نفى ولم يؤجل كإن لم يقدم منع منها فرفعته ( ف ) الأجل ( من الرفع و ) هو يوم ( الحكم ) فلو قال فمن الحكم لكان أبين ، وفائدة كون الأجل في الصريح من اليمين أنها إذا رفعته بعد مضي أربعة أشهر ، وهو حر أو شهرين ، وهو عبد لا يستأنف له الأجل ، وإن رفعته قبل مضي ذلك حسب له ما بقي ثم طلق عليه إن لم يعد بالوطء ، وفائدة كون الأجل في الحنث المحتملة من الحكم أنه إن مضى الأجل قبل الرفع ثم رفعته ضرب له الأجل من يوم الحكم فقوله : والأجل أي أجل الضرب وهو غير أجل الإيلاء أي الذي يكون به موليا وهو أكثر من أربعة أشهر كما مر ( وهل المظاهر ) الذي قال لها أنت علي كظهر أمي ولم يعلق ظهاره على وطئها فمنع منها قبل الفيئة ( إن قدر على التكفير ) الذي هو فيئة ( وامتنع ) من إخراجها ( كالأول ) أي الذي يمينه صريحة فالأجل من اليمين أي حلفه بالظهار ( وعليه اختصرت ) المدونة ( أو كالثاني ) أي الذي يمينه محتملة فيكون الأجل من يوم الحكم ; لأن يمينه لم تكن صريحة في ترك الوطء ( وهو الأرجح ) عند ابن يونس ( أو ) الأجل في حقه ( من ) وقت ( تبين الضرر ) وهو يوم امتناعه من التكفير ( وعليه تؤولت أقوال ) ثلاثة ظاهر كلامهم ترجيح الأول ، ومفهوم الشرط أن المظاهر إذا كان عاجزا عن كفارة الظهار أنه لا يكون موليا وهو كذلك لقيام عذره ( كالعبد ) يظاهر ، وفيئته بالصوم فقط ( ولا يريد الفيئة ) بالصوم ، وهو قادر عليه وهي الرجوع إلى ما كان ممنوعا منه بسبب اليمين ، وهو الوطء ( أو يمنع الصوم بوجه جائز ) لإضراره بخدمة سيده أو خراجه فيلزمه الإيلاء وتجري فيه الأقوال الثلاثة فهو تشبيه في المنطوق ، وقيل : لا إيلاء على العبد القادر على الصوم [ ص: 434 ] إذا امتنع أو منع بوجهه بوجه جائز فالتشبيه في مفهوم قوله إن قدر

التالي السابق


( قوله : إن كانت يمينه صريحة في ترك الوطء المدة المذكورة ) أشار الشارح إلى أن الصراحة متعلقة بالمدة المذكورة لا بترك الوطء خلافا لظاهر المصنف ; إذ لا فرق بين أن يكون ترك الوطء صريحا أو استلزاما فالأول نحو والله لا أطؤك خمسة أشهر والثاني والله لا أغتسل من جنابة منها والحاصل أن مراد المصنف أن الأجل من يوم اليمين بشرطين أن يحلف على ترك الوطء إما صريحا أو التزاما وأن تكون اليمين صريحة في المدة المذكورة وهي أكثر من أربعة أشهر ، والصراحة ولو حكما كوالله لا أطؤك أصلا لكن عبارته غير وافية بذلك وقوله : لا إن احتملت مدة يمينه أقل ، هذا محترز الشرط الثاني وهو صراحة المدة ، وفيه إشارة إلى أن الصراحة ليست منصبة على ترك الوطء بل على المدة المذكورة وقوله : أو حلف على حنث المراد بالحلف على الحنث الحلف على غير ترك الوطء كإن لم أدخل دار فلان أو إن لم أساكن فلانا فأنت طالق فإذا حلف كذلك فيمنع من الزوجة من الآن ويضرب له أجل الإيلاء من يوم الرفع والحكم وهذا هو الذي تقدم للمصنف في الطلاق في قوله : وإن نفى ولم يؤجل منع منها وقوله : أو حلف على حنث محترز الشرط الأول وهو كون الحلف على ترك الوطء وبعد هذا كله فقول المصنف لا إن احتملت مدة يمينه أقل هذا ضعيف والمعتمد أنه متى كانت اليمين على ترك الوطء كان الأجل من يوم الحلف سواء كانت اليمين صريحة في المدة أو محتملة ولا يكون الأجل من الرفع إلا إذا حلف على حنث أي على غير ترك الوطء ، ويمكن الجواب عن المصنف بأن أو في قوله : أو حلف على حنث بمعنى الواو أي لا إن احتملت مدة يمينه أقل وكان حلفه على حنث كما في إن لم أدخل الدار فأنت طالق فالمنظور له قوله : وكان حلفه على حنث فخرج نحو والله لا أطؤك حتى يقدم زيد فإن اليمين وإن احتملت أقل من المدة لكن ليست على حنث فالأجل فيها من يوم الحلف

والحاصل أن الإيلاء على ثلاثة أقسام : قسم يكون فيه موليا من يوم حلفه وذلك إذا حلف على ترك الوطء صراحة أو التزاما وكانت يمينه صريحة في المدة المذكورة ، وقسم لا يكون موليا إلا من يوم الحكم وذلك الذي يحلف بطلاق امرأته ليفعلن فعلا فلا يكون موليا حتى يضرب له الأجل من يوم الرفع والحكم ، وقسم مختلف فيه ، وذلك إذا حلف على ترك الوطء وكانت يمينه ليست صريحة في المدة المذكورة بل محتملة لها ولغيرها فقيل : إن الأجل في هذه من يوم الحكم ، وقيل : من يوم الحلف وهو المعتمد والمصنف مشى على الأول تبعا لابن الحاجب وقد تعقبه ابن عرفة بأنه خلاف نص المدونة .

( قوله : حتى يقدم زيد الغائب ) أي والحال أنه لم يعلم وقت قدومه ( وقوله : لكن الراجح أنه ) أي الأجل في [ ص: 433 ] اليمين المحتملة لأقل من مدة الإيلاء إذا كانت الصيغة صيغة بر من يوم الحلف ( قوله : كالصريحة ) أي كما أن الأجل في الصريحة كذلك اتفاقا ( قوله : وهو أكثر إلخ ) أي المتقدم في قول المصنف أكثر من أربعة أشهر للحر أو شهرين للعبد ( قوله وهل إلخ ) حاصله أنه إذا قال لزوجته : أنت علي كظهر أمي فإنه يحرم عليه أن يقربها قبل أن يكفر عن ظهاره فإذا كان قادرا على كفارة الظهار وامتنع عن إخراجها لزمه الإيلاء حينئذ وإذا قلتم بلزوم الإيلاء له فهل هو كالأول إلخ ( قوله ولم يعلق إلخ ) هذا بيان لمحل الأقوال الثلاثة التي ذكرها المصنف وأما الذي علق ظهاره على وطئها بأن قال لها إن وطئتك فأنت علي كظهر أمي فإنه يكون موليا والأجل من يوم الحلف قولا واحدا وإذا تم الأجل فلا تطالبه بالفيئة وإنما تطلب منه الطلاق أو تبقى بلا وطء فإذا تجرأ ووطئ انحلت عنه الإيلاء ولزمه كفارة الظهار كما مر ذلك ( قوله : وعليه اختصرت المدونة ) أي اختصرها أبو سعيد البراذعي وحاصله أن المسألة إذا كان فيها جملة أقوال في المدونة فإن البراذعي في اختصارها يقتصر على ما يظهر له اعتماده من تلك الأقوال ، وفي هذه المسألة اقتصر على هذا القول .

( قوله : عند ابن يونس ) قال المواق : لم أجد لابن يونس ترجيحا هنا ، ونحوه لابن غازي وإنما استحسان ذلك القول لسحنون حيث قال بعد ذكر الأقوال الثلاثة في المدونة وكل لمالك والوقت بعد ضرب الأجل أحسن أي وقفه لا يكون إلا بعد ضرب السلطان له الأجل فكان على المصنف أن لو قال على الأحسن بدل قوله على الأرجح انظر بن ( قوله : أنه لا يكون موليا ) أي فلا يضرب له أجل الإيلاء بل إما أن ترضى بالإقامة معه بلا وطء وإما أن يطلق عليه حالا فإن قدر بعد ذلك كفر وراجعها وإلا فلا وقوله : أنه لا يكون موليا إلخ قيده اللخمي بما إذا طرأ عليه العسر والعجز عن الصيام بعد عقد الظهار ، وأما إن عقده على نفسه مع علمه بالعجز عن حله فاختلف هل يطلق عليه حالا لقصد الضرر بالظهار أو بعد ضرب أجل الإيلاء وانقضائه رجاء أن يحدث الله له مالا يكفر منه عن يمينه أو يحدث لها رأي بالإقامة معه من غير وطء ( قوله : لقيام ) أي لوجود عذره ( قوله : يظاهر ) أي يقول لزوجته : أنت علي كظهر أمي .

( قوله وفيئته ) أي والحال أن فيئته أي رجوعه لما كان ممنوعا منه بسبب اليمين بالصوم أي بالتكفير بالصوم ( قوله : لا يريد الفيئة ) أي لا يريد التكفير بالصوم مع قدرته عليه أو أراده ومنعه منه السيد بوجه جائز وهذان هما محل الخلاف فإن عجز عن الصوم فكالحر لا يدخله إيلاء ولا حجة لزوجته وإن منعه بوجه غير جائز رده الحاكم عنه فصور العبد أربع ا هـ وهذا التقرير لابن غازي ( قوله وقيل إلخ ) هذا التقرير لبهرام

وحاصله أن العبد إذا قال لزوجته : أنت علي كظهر أمي وامتنع من التكفير بالصوم وهو قادر عليه ولم يمنعه السيد منه أو أراد أن يكفر به فمنعه السيد منه بوجه جائز فإنه لا يضرب له أجل الإيلاء بل يقال لها : إما أن تمكثي معه بلا وطء ، أو ينجز عليه الطلاق ، وعلى هذا فالعبد ليس كالحر الذي قدر على التكفير ، وامتنع واعترض طفي كلام بهرام بأنه وإن وافق ظاهر الموطإ إلا أنه لم يبق على ظاهره بل هو محمول كما قال الباجي

[ ص: 434 ] في شرحه عليه على ما إذا أراد التكفير بالصوم ومنعه السيد منه بوجه جائز فقط ، وأما إذا كان قادرا على التكفير بالصوم ، وامتنع من التكفير به ، ولم يمنعه السيد فلا وجه لعدم لحوق الإيلاء له بل هو مول ، ويجري في مبدأ الأجل الأقوال الثلاثة فتحصل أن كلام ابن غازي لا يسلم من حيث جعله الخلاف فيما إذا منعه السيد وفيما إذا امتنع هو وكذا كلام بهرام لا يسلم من حيث جعله عدم لحوق الإيلاء مطلقا وصار حاصل الفقه أنه إن منعه السيد بوجه جائز لا يلحقه الإيلاء بل يطلق عليه حالا إن لم ترض بالإقامة معه بلا وطء ، وإن امتنع هو ، والحال أنه قادر على الصوم فإنه يلحقه الإيلاء ، وفي مبدأ الأجل الأقوال الثلاثة المذكورة أنه إذا منعه السيد بوجه جائز فإنه يكون موليا كالحر إلا أنه يضرب له الأجل من يوم الرفع وإذا علمت ذلك فاعلم أن الحق أن التشبيه في الإيلاء فقط وإن كان في المسألة الأولى وهو ما إذا امتنع من التكفير في مبدأ الأجل خلاف وأما المسألة الثانية وهو ما إذا منعه السيد بوجه جائز على القول بأنه مول فلا خلاف في ابتداء الأجل ; لأن الذي في التوضيح عن ابن القاسم أنه إذا منعه السيد بوجه جائز يضرب له أجل الإيلاء إن رفعته ا هـ . فظاهره أنه من يوم الرفع .

( قوله إذا امتنع ) أي من الصوم




الخدمات العلمية