الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء

268 . وصححوا قبول تعديل بلا ذكر لأسباب له ، أن تثقلا      269 . ولم يروا قبول جرح أبهما;
للخلف في أسبابه ، وربما      270 . استفسر الجرح فلم يقدح ، كما
فسره ( شعبة ) بالركض ، فما      271 . هذا الذي عليه حفاظ الأثر
كـ (شيخي الصحيح) مع أهل النظر

التالي السابق


اختلف في التعديل والجرح ، هل يقبلان ، أو أحدهما من غير ذكر أسبابهما ، أم لا يقبلان إلا مفسرين ؟ على أربعة أقوال : [ ص: 336 ] الأول : وهو الصحيح المشهور : التفرقة بين التعديل والجرح ، فيقبل التعديل من غير ذكر سببه; لأن أسبابه كثيرة ، فتثقل ويشق ذكرها; لأن ذلك يحوج المعدل إلى أن يقول ليس يفعل كذا ولا كذا ، ويعد ما يجب عليه تركه . ويفعل كذا وكذا ، فيعد ما يجب عليه فعله . فيشق ذلك ، ويطول تفصيله . وأما الجرح فإنه لا يقبل إلا مفسرا مبين السبب; لأن الجرح يحصل بأمر واحد ، فلا يشق ذكره; ولأن الناس مختلفون في أسباب الجرح . فيطلق أحدهم الجرح بناء على ما اعتقده جرحا ، وليس بجرح في نفس الأمر ، فلا بد من بيان سببه ، ليظهر أهو قادح أم لا ؟

ويدل على أن الجرح لا يقبل غير مفسر ، أنه ربما استفسر الجارح ، فذكر ما ليس بجرح .

فقد روى الخطيب بإسناده إلى محمد بن جعفر المدائني ، قال : قيل لشعبة : لم تركت حديث فلان ؟ قال : رأيته يركض على برذون ، فتركت حديثه .

وقولي في آخر البيت : ( فما ) ، أي : فماذا يلزم من ركضه على برذون . وروى ابن أبي حاتم ، عن يحيى بن سعيد ، قال : أتى شعبة المنهال بن عمرو ، فسمع صوتا [ ص: 337 ] فتركه . قال ابن أبي حاتم : سمعت أبي يقول : يعني أنه سمع قراءة بألحان فكره السماع منه من أجل ذلك . هكذا قال أبو حاتم في تفسير الصوت . وقد روى الخطيب بإسناده إلى وهب بن جرير ، قال : قال شعبة : أتيت منزل المنهال بن عمرو فسمعت منه صوت الطنبور ، فرجعت . فقيل له : فهلا سألت عنه أن لا يعلم هو . وروينا عن شعبة قال : قلت للحكم بن عتيبة : لم لم ترو عن زاذان ؟ قال : كان كثير الكلام . وقال محمد بن حميد الرازي : حدثنا جرير قال : رأيت سماك بن حرب يبول قائما ، فلم أكتب عنه . وقد عقد الخطيب لهذا بابا في “ الكفاية “ .

والقول الثاني : عكس القول الأول ، أنه يجب بيان سبب العدالة ، ولا يجب بيان سبب الجرح; لأن أسباب العدالة يكثر التصنع فيها ، فيبني المعدلون على الظاهر . حكاه صاحب المحصول ، وغيره . ونقله إمام الحرمين في البرهان ، والغزالي في [ ص: 338 ] " المنخول " تبعا له; عن القاضي أبي بكر . والظاهر أنه وهم منهما ، والمعروف عنه أنه لا يجب ذكر أسبابهما معا ، كما سيأتي .

والقول الثالث : أنه لا بد من ذكر أسباب العدالة والجرح معا . حكاه الخطيب ، والأصوليون ، قالوا : وكما قد يجرح الجارح بما لا يقدح ، كذلك قد يوثق المعدل بما لا يقتضي العدالة . كما روى يعقوب الفسوي في تاريخه ، قال : سمعت إنسانا يقول لأحمد بن يونس : عبد الله العمري ضعيف . قال : إنما يضعفه رافضي مبغض لآبائه ، لو رأيت لحيته ، وخضابه ، وهيئته; لعرفت أنه ثقة . فاستدل أحمد بن يونس على ثقته بما ليس بحجة ، لأن حسن الهيئة يشترك فيه العدل والمجروح .

والقول الرابع : عكسه : أنه لا يجب ذكر سبب واحد منهما ، إذا كان الجارح والمعدل عالما بصيرا . وهو اختيار القاضي أبي بكر ، ونقله عن الجمهور فقال : قال الجمهور من أهل العلم : إذا جرح من لا يعرف الجرح ، يجب الكشف عن ذلك . ولم يوجبوا ذلك على أهل العلم بهذا الشأن . قال : والذي يقوي عندنا ترك الكشف عن ذلك ، إذا كان الجارح عالما ، كما لا يجب استفسار المعدل عما به صار عنده المزكى عدلا ، إلى آخر كلامه . وممن حكاه عن القاضي أبي بكر ، الغزالي في المستصفى خلاف ما حكاه عنه في ( المنخول ) . وما ذكره عنه في " المستصفى " هو الذي حكاه صاحب المحصول ، والآمدي ، وهو المعروف عن القاضي ، كما رواه [ ص: 339 ] عنه الخطيب في “ الكفاية “ .

والقول الأول هو الذي نص عليه الشافعي . وقال الخطيب : هو الصواب عندنا . وقال ابن الصلاح : إنه الصحيح المشهور . وحكى الخطيب أنه ذهب الأئمة من حفاظ الحديث ونقاده ، مثل البخاري ، ومسلم ، وغيرهما ، إلى أن الجرح لا يقبل إلا مفسرا . قال ابن الصلاح : وهو ظاهر مقرر في الفقه وأصوله .




الخدمات العلمية