العاشرة : إذا ، فإن كان للمدعي بينة ؛ قضي بها ، ومتى يعتق حصة المدعي ؟ فيه الأقوال . وإن لم يكن بينة ، صدق المنكر بيمينه ، فإن حلف ، رق نصيبه ، وإن نكل ، حلف المدعي اليمين المردودة ، واستحق القيمة ، والصحيح أنه لا يحكم بعتق نصيب المدعى عليه ; لأن الدعوى إنما توجهت عليه بسبب القيمة ، وإلا فلا معنى للدعوى على إنسان بأنه أعتق عبده ، وإنما هذا وظيفة العبد ، لكن لو شهد آخر مع هذا المدعي ، ثبت العتق بشهادة الحسبة . قال الشريك الموسر : أعتقت نصيبك ، فعليك قيمة نصيبي ، فأنكر
قال الإمام : وأبعد بعض من لا خبرة له ، فحكم بالعتق تبعا لدعوى القيمة ، وهل يحكم بعتق [ ص: 127 ] نصيب المدعي إذا حلف المدعى عليه ، أو نكل وحلف المدعي ؟ إن قلنا بتعجيل السراية ، فنعم ، لاعترافه بسراية إعتاق المدعى إليه إلى نصيبه ، وإن قلنا بالتأخر ، لم يعتق . وإذا عتق نصيبه ، لم يسر إلى نصيب المنكر ، وإن كان المدعي موسرا ; لأنه لم ينشئ العتق ، فأشبه ما لو ادعى أحد الشريكين على رجل أنك اشتريت نصيبي وأعتقته ، وأنكر المدعى عليه ، يعتق نصيب المدعي ولا يسري . وإن قلنا : لا يعتق إلا بعد أداء القيمة ، لم يعتق نصيب المدعي . ولو صدق المدعى عليه الشريك ، فلا إشكال ، وإن كان المدعى عليه معسرا ، وأنكر ، وحلف ، لم يعتق شيء من العبد ، فإن اشترى المدعي نصيبه بعد ذلك ، عتق ما اشتراه ، لاعترافه بحريته ، ولا يسري إلى الباقي . ولو ادعى كل واحد من الشريكين الموسرين على صاحبه أنك أعتقت نصيبك ، وطالب بالقيمة ، وأنكر ، صدق كل واحد بيمينه فيما أنكره ، فإذا حلفا ، فلا يطالب بالقيمة ، ويحكم بعتق جميع العبد إن قلنا بتعجيل السراية ، والولاء موقوف ; لأنه لا يدعيه أحد . وإن قلنا بتأخر السراية أو بالتبين ، فالعبد رقيق ، وإن كانا معسرين ، وقال كل واحد للآخر : أعتقت نصيبك ، لم يعتق منه شيء ، فإن اشترى أحدهما نصيب الآخر ، حكم بعتق ما اشتراه ، ولا يسري ; لأنه لم ينشئ إعتاقا .
وذكر البغوي أنه لو باع أحدهما لعمرو ، والآخر لزيد ، صح ، ولا عتق . ولو باعاه لزيد ، حكم بعتق نصفه ; لأنه متيقن ، وهذا ليس بصحيح ولا يقين في واحد من النصفين ، لجواز كونهما كاذبين .
وإن كان أحدهما موسرا ، والآخر معسرا ، عتق نصيب المعسر على قول تعجيل السراية ، وولاؤه موقوف ، ولا يعتق نصيب الموسر ، فإن اشتراه المعسر ، عتق كله . ولو طار طائر ، فقال أحدهما : إن كان غرابا ، فنصيبي من هذا العبد حر ، وقال الآخر : إن لم يكن غرابا ، فنصيبي حر ، ولم يبين الحال ، فإن كانا [ ص: 128 ] معسرين ، فلا عتق ، فإن اشترى أحدهما نصيب الآخر ، حكم بعتق أحد النصفين . ولو باعاه لثالث ، حكم بعتق أحد النصفين أيضا ، ولا رجوع على واحد منهما ; لأن كل واحد يزعم أن نصيبه مملوك ، هذا هو الأصح ، وبه قال القفال ، وقطع به . الغزالي
وحكى الشيخ أبو علي وجها أنه إن اشتراه عالما بالتعليقين ، فلا رجوع له ، وإن لم يعلم ، ثم علم ، فله الرد ، كما لو اشترى عبدا ، فبان أن نصفه حر ، فعلى هذا يرد العبد ; لأن نصفه حر ، والنصف الآخر معيب بسبب التشقيص . قال الشيخ أبو علي ولو اختلف النصيبان ، لم يعتق إلا أقلهما . ولو تبادلا النصيبين ، فإن لم يحنث واحد منهما صاحبه ، بل اعترفا بالإشكال ، لم يحكم على واحد منهما بعتق شيء ، والحكم بعد المبادلة كالحكم قبلها . وإن حنث كل واحد الآخر ، حكم بعتق الجميع ، لاعتراف كل واحد بعتق ما صار إليه ، ويكون الولاء موقوفا . وإن حنث أحدهما صاحبه . ولم يحنثه الآخر ، حكم بعتق ما صار للمحنث ، وولاؤه موقوف ، ولا يحكم بعتق نصيب الآخر .
وإن كانا موسرين ، فإن قلنا بتعجيل السراية ، عتق العبد ، لأنا نتحقق حنث أحدهما ، وإن لم نتمكن من التعيين ، فيعتق نصيبه ، ويسري إلى الثاني ، والولاء موقوف ، ولكل واحد منهما أن يدعي قيمة نصيبه على الآخر ، ويحلفه على البت أنه لم يحنث . وإن قلنا : لا تحصل السراية إلا بأداء القيمة ، لم يحكم بعتق شيء منه ، والحكم كما في المعسرين ، قال الشيخ أبو علي : فإن ادعى كل واحد على صاحبه أنه عتق نصيبه ، وأراد طلب القيمة ، حلفه ، كما ذكرنا على قول تعجيل السراية . وإن كان أحدهما موسرا ، والآخر معسرا ، فإن قلنا بتعجيل السراية ، عتق نصيب المعسر بكل حال ، ولا يعتق نصيب الموسر للشك فيه . وإن أخرناها إلى أداء القيمة ، لم يحكم بعتق شيء في الحال ، وللمعسر أن يدعي التقويم على الموسر ويحلفه .
[ ص: 129 ] فرع
قال أحدهما : أعتقناه معا ، وأنكر الآخر ، فإن كانا موسرين ، أو كان القائل موسرا ، فقد أطلق ابن الحداد أنه يحلف المنكر ، وتابعه جماعة . قال الشيخ : إنما يحلف عندي إذا قال للمقر : أنت أعتقت نصيبك وأنا لم أعتق وأراد طلب القيمة فيحلفه أنه لم يعتق معه ليأخذ القيمة ; لأن المقر أقر بما يوجب القيمة ، وادعى ما يسقطها ، وهو الموافق في الإعتاق ، فيدفع يمينه المسقط ، فأما إذا قال : لم تعتق نصيبك ، ولا أنا أعتقته ، فلا مطالبة بالقيمة ، ولا يمين . وهل يحكم بإعتاق جميع العبد بإقرار الموسر ؟ إن أثبتنا السراية بنفس الإعتاق ، فنعم ، وإن أخرناها ، لم يعتق نصيب المنكر ، وإذا حلف المنكر في التصوير الأول أخذ القيمة من المقر ، وحكم بعتق جميع العبد ، وولاء نصيب المنكر موقوف . فلو مات العتيق ، ولا وارث له سوى المقر أخذ نصف ماله بالولاء .
وهل له أن يأخذ من النصف الآخر قدر نصف القيمة الذي غرمه للمنكر ؟ وجهان . أحدهما : نعم ; لأنه إن صدق ، فالمنكر ظالم له ، وهذا ماله بالولاء ، وإن كذب ، فهو مقر بإعتاق جميعه ، فجميع المال له بالولاء ، والثاني لاختلاف الجهة .
قلت : الأول أصح . والله أعلم .
وإن رجع المنكر عن إنكاره ، وصدق المقر ، رد ما أخذ منه . وإن رجع المقر ، واعترف بأنه أعتقه كله ، قبل ، وكان جميع الولاء له ، كما لو نفى نسبا يلحقه ثم استلحقه [ ص: 130 ] فرع
، فإن كان الثالث معسرا ، قبلت شهادتهما ، وحكم بعتق نصيب الثالث ، ورق الباقي . وإن كان موسرا ، فالأصح وبه قال عبد بين ثلاثة ، شهد اثنان منهم أن الثالث أعتق نصيبه ابن الحداد أن شهادتهما باطلة ، لأنهما متهمان بإثبات القيمة ، فلا يعتق نصيبه ، ولا يلزمه لهما قيمة ، ويعتق نصيبهما ، لاعترافهما بالسراية إليه ، وقيل : تقبل شهادتهما في عتق نصيبه دون القيمة ، وهو ضعيف ، والحكم بعتق نصيبهما مفرع على تعجيل السراية ، فإن أخرناها ، لم يعتق شيء من العبد ، لكن لا ينفذ تصرفهما ، لاعترافهما بأنه مستحق العتق على الثالث ، هكذا حكاه الشيخ أبو علي عن بعض الأصحاب ، وصححه ، ويجوز أن يقال : قد سبق أن تعذر حصول القيمة بإعسار وغيره يرفع الحجر عن الشريك ، والتعذر هنا حاصل .