في قلت : أرأيت الأرض أيجوز أن أتكاراها قبل أن تطيب للحرث في قول اكتراء أرض النيل وأرض المطر قبل أن تطيب للحرث ؟ مالك
قال : قال : نعم ذلك جائز فإن كانت الأرض مثل أرض مالك مصر مأمونة فإنها تروى فالنقد في ذلك جائز . قال : فقيل : فأرض المطر أيجوز النقد فيها ؟ لمالك
قال : قال : ليس أرض المطر عندي بينا كبيان النيل ، فقيل مالك : إنا قد اختبرناها فلا تكاد أن تخلف وهي أرض لم تخلف منذ زمان . لمالك
قال : قال : النيل عندي أبين شأنا . قال : وإن كانت هذه الأرض أرض المطر بحال ما وصفتم فأرجو أن لا يكون به بأس والنيل أبين . مالك
[ ص: 537 ] قال : وإن كانت أرض تخلف فلا يصلح النقد فيها حتى تروى وتمكن للحرث كانت من أرض النيل أو من غيره وهي في هذا سواء إلا أن يتكاراها ولا ينقد . قال : ولقد سأل رجل مالك وأنا عنده قاعد عن مالكا ؟ الرجل يتكارى الأرض ، ولها بئر قد قل ماؤها وهو يخاف أن لا يكفي زرعه
قال : قال : لا أحب لأحد أن يتكارى أرضا لها ماء ليس في مثله ما يكفي زرعه . مالك
قال ابن القاسم : وإنما كرهه من وجه الغرر كأنه يقول : هو ما ترى فإن سلمت كان لك ، وإن لم تسلم زرعك فلا شيء لك علي كأنهما تخاطرا .
قلت : وكيف يكون هاهنا الخطار وأنا أقول لصاحب الأرض : إن لم يسلم زرع هذا الرجل رددت إليه الكراء في قول ؟ مالك
قال : لأن الزرع إذا ذهب من قبل الماء رد الكراء على المتكاري ، قال : فذلك يدلك على أنهما تخاطرا لو علم رب الأرض أن في بئره ما يكفي لزرع ما أكراها بضعف ذلك الكراء فذلك يدلك على المخاطرة فيما بينهما ، وأن الذي اكترى الأرض ، وفيها الماء المأمون لم يتخاطر على شيء ، فإن انقطع ماؤها بعد ذلك أو قل ، فإنما هي مصيبة نزلت من السماء ، ومما يبين لك ذلك أن صاحب الكراء الصحيح على الماء الكثير إن انقطع ماؤها بعد ما زرع بتهور بئر أو انهدام عين كان له أن يصلحها بكراء تلك السنة التي تكاراها على ما أحب صاحب الأرض أو كره ، وأن هذا الآخر ليس له أن يقول : أنا أعملها حتى يزداد الماء فأروي زرعي إذا أبى ذلك ربها .
قال : وهو من أصل قول سحنون مالك وغيره ، ولم يتهم هذان اللذان تقدما على الماء الكثير المأمون في تعجيل النقد بمثل ما اتهما عليه في تعجيل النقد في الماء الذي ليس بمأمون لما انتفع به من تعجيل نقده في تخفيف الكراء عنه ، وقد ينال بتعجيل نقده ما طلب إن تم له الماء وإن لم يتم له الماء رد عليه نقده ، فصار مرة سلفا إن لم يتم ومرة بيعا إن تم فصارا مخاطرين بما حط رب الأرض من كراء أرضه لما انتفع به من تعجيل النقد ولما ازداد الناقد بتعجيل نقده فيما حط عنه من الكراء إن تم له الماء غبن صاحبه وأدخل عليه تعجيل نقده منفعة . لعبد الرحمن بن القاسم
وإن لم يتم له غبن ورجع إليه ماله سلفا ، ولم يدخل عليه ماله منفعة ، ولعل ذلك يجر المعاملة بينهما للرفق الذي يأمله منه آخذه وينتفع به ناقده ، وهذا الباب كله في كراهته النقد في بيع الخيار وبيع العهدة وبيع المواضعة وشراء السلعة الحاضرة تؤخذ إلى أجل بنقد ، وفي شراء العبد الغائب البعيد الغيبة ، وفي إجارة العبد بعينه والراحلة بعينها تؤخذ إلى أجل بعيد ، والأرض غير [ ص: 538 ] المأمونة قبل أن تروى أو بعد ما تروى إذا كان ريا غير مبلغ فخذ هذا الأصل على هذا ونحوه أنه يكون مرة بيعا ومرة سلفا . وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سلف جر منفعة ، ونهى عن الخطر فكل هذا قد اجتمع في هذا الأصل ، وما كان من الماء المأمون من اكترى الأرض المأمونة أو اشتراها أو الدار ، وإن تأخر قبض ما اشترى أو اكترى أو كان ما اشترى أو اكترى في قرب أو بعد وانتقد فيه ; لأنه مأمون لم يعمله صاحباه وإن وقع في شيء من ذلك حدث على شيء من الحدث والمخاطرة حتى يزداد به ما ازداد في سلفه ويأخذ به الناقد المشترى في شرائه وصنعه ولا حذر من قدر ، ولكن شفقة الناس في هذا ليس سواء ، فخذ هذا الأصل على هذا إن شاء الله تعالى .