[ ص: 44 ] ( فصل ) .
في صور منثورة ليقاس بها غيرها لو فقد مر حكمه في فصل الإعسار بالنفقة أو ( لا يأكل هذه التمرة فاختلطت بتمر فأكله إلا تمرة ) أو بعضها ، وشك هل هي المحلوف عليها أو غيرها ( لم يحنث ) ؛ لأن الأصل براءة ذمته من الكفارة ، والورع أن يكفر ، فإن أكل الكل حنث لكن من آخر جزء أكله فتعتد في حلف بطلاق من حينئذ ؛ لأنه المتيقن ( أو ) ( حلف ) لا يتغدى أو لا يتعشى ( لم يبر إلا بالجميع ) أي : أكله لاحتمال أن المتروكة هي المحلوف عليها فاشترط تيقن أكلها ، ومن ثم لو اختلطت بجانب من الصبرة أو بما هو بلونها وغيره لم يحتج إلا إلى أكل ما في جانب الاختلاط وما هو بلونها فقط . حلف ( ليأكلنها فاختلطت ) بتمر وانبهمت
( أو فإنما يبر بجميع حبها ) أي : أكله لتعلق اليمين بالكل ، ولهذا لو ليأكلن هذه الرمانة لم يحنث ومر في فتات خبز يدق مدركه أنه لا عبرة به فيحتمل أن مثله حبة رمانة يدق مدركها ويحتمل أن يفرق بأن من شأن الحبة أنه لا يدق إدراكها بخلاف فتات الخبز ، ومن ثم كان الأوجه في بعض الحبة التفصيل كفتات الخبز . قال : لا آكلها فترك حبة
( أو لا يلبس ) هذا أو الثوب الفلاني أو قيل له : البسه فقال : والله لا ألبسه فسل منه خيط لم يحنث كما مر عن الشاشي بقيده ، وفارق لا أساكنك في هذه الدار فانهدم بعضها وساكنه في الباقي بأن المدار هنا على صدق المساكنة ، ولو في جزء من الدار وثم على لبس الجميع ولم يوجد أو لا أركب أو لا أكلم هذا فقطع أكثر بدنه بأن القصد هنا النفس وفي اللبس جميع الأجزاء ولا ينافي ما تقرر في سل الخيط تعبير شيخنا بقوله إن أزال منه القوارة أو نحوها الموهم أنه لا يكفي سل الخيط وإن طال ؛ لأن مراده مجرد التمثيل بدليل قوله في فتاويه لا يحنث إذا سل خيطا منه أو لا يلبس أو لا يأكل أو لا يدخل مثلا ( هذين لم يحنث [ ص: 45 ] بأحدهما ) ؛ لأنه حلف عليهما
فإن حنث بأحدهما ( فإن لبسهما معا أو مرتبا حنث ) لوجود لبسهما المحلوف عليه ( أو لا يلبس هذا ولا هذا حنث بأحدهما ) ؛ لأنهما يمينان حتى لو لبس واحدا ثم واحدا لزمه كفارتان ؛ لأن العطف مع تكرر لا يقتضي ذلك فإن أسقطه لا كان كهذين نحو لا آكل هذا وهذا أو لآكلن هذا وهذا أو اللحم والعنب ، فيتعلق الحنث في الأولى والبر في الثانية بهما وإن فرقهما لا بأحدهما لتردده بينه وبين هذا ولا هذا لكن رجح الأول أصل براءة الذمة نوى لا ألبس منهما شيئا
وقول النحاة : النفي بلا لنفي كل واحد وبدونها لنفي المجموع يوافق ذلك ثم ما تقرر من أن الإثبات كالنفي الذي لم يعد معه حرفه هو ما اعتمده جمع متأخرون ، ويشير لاعتماده أنهما لما نقلا عن المتولي أنه كالنفي المعاد معه حرف حتى تتعدد اليمين لوجود حرف العطف توقفا فيه ، بل رداه حيث قالا : لو أوجب حرف العطف تعدد اليمين في الإثبات لأوجبه في النفي أي غير المعاد معه حرفه
وقد بالغ في الرد على ابن الصلاح المتولي فقال : أحسب أن ما قاله من تصرفه ، أو لألبسن هذا أو هذا بر بلبس واحد ؛ لأن أو إذا دخلت بين إثباتين اقتضت ثبوت أحدهما أو لا ألبس هذا أو هذا فالذي رجحاه أنه لا يحنث إلا بلبسهما وردا مقابله أنه يحنث بأيهما لبس ؛ لأن أو إذا دخلت بين نفيين اقتضت انتفاءهما كما في : { ولا تطع منهم آثما أو كفورا } . بمنع ما علل به أي وما في الآية إنما استفيد من خارج ؛ لأن أو إذا دخلت بين نفيين كفى للبر أن لا يلبس واحدا منهما ولا يضر لبسه لأحدهما كما أنها إذا دخلت بين إثباتين كفى للبر أن يلبس أحدهما ولا يضر أن لا يلبس الآخر ، وانتصار البلقيني للمقابل مردود ، ولو عطف بالفاء أو ثم عمل بقضية كل من ترتب [ ص: 46 ] بمهلة أو عدمها ، ولو غير نحوي كما أطلقوه ، لكن قضية ما مر له في أن دخلت بالفتح خلافه وعليه فيتجه في عامي لا نية له أن لا تعتبر ترتيب فضلا عن قيده ( أو ليأكلن هذا الطعام ) أو ليقضينه حقه أو ليسافرن ( غدا فمات ) بغير قتله لنفسه أو نسي ( قبله ) أي : الغد ومثله كما يعلم من كلامه الآتي موته أو نسيانه بعد مجيء الغد وقبل تمكنه ( فلا شيء عليه ) ؛ لأنه لم يبلغ زمن البر والحنث .
( وإن مات ) أو نسي ( أو تلف الطعام ) أو بعضه ( في الغد بعد تمكنه ) من قضائه أو السفر أو ( من أكله ) بأن أمكنه إساغته وإن كان شبعان أي حيث لا ضرر كما علم مما مر في مبحث الإكراه ، وأما ما اقتضاه إطلاق بعضهم من أن الشبع عذر فيتعين حمله على ما ذكرته ( حنث ) لتفويته البر حينئذ باختياره ، ومن ثم ألحق قتله لنفسه قبل الغد بهذا [ ص: 47 ] لأنه به مفوت لذلك أيضا وكذا لو تلف الطعام قبله بتقصيره كأن أمكنه دفع آكله فلم يدفعه ( و ) في موته أو نسيانه ( قبله ) أي : التمكن من ذلك جرى في حنثه ( قولان كمكره ) والأظهر عدمه لعذره وحيث أطلقوا قولي المكره أرادوا الإكراه على الحنث فقط ، أما إذا فلا خلاف في عدم الحنث ( وإن أتلفه ) عامدا عالما مختارا ( بأكل أو غيره ) كأدائه الدين في الصورة التي ذكرتها ما لم ينو أنه لا يؤخر أداءه عن الغد ( قبل الغد ) أو بعده وقبل تمكنه منه . ( حنث ) ؛ لتفويته البر باختياره ومر أن تقصيره في تلفه كإتلافه له ثم الأصح أنه إنما يحنث بعد مجيء الغد ومضي وقت التمكن فلو مات قبل ذلك لم يحنث وقيل بغروبه ، وقيل : حالا فعليه لمعسر نية صوم الغد عن كفارته ( وإن تلف ) الطعام بنفسه ( أو أتلفه أجنبي ) قبل الغد أو التمكن ولم يقصر فيهما كما مر ( فكمكره ) فلا يحنث لعدم تفويته البر وما ذكرته من إلحاق ليقضينه حقه أو ليسافرن بمسألة الطعام فيما ذكر فيها هـ و القياس كما لو أكره على الحلف بعد تمكنه من الفعل فإنه يقع [ ص: 48 ] عليه الثلاث قبل الخلع ؛ لتفويته البر باختياره ، ومر في ذلك بسط في الطلاق فراجعه ( تنبيه ) . حلف بالطلاق الثلاث ليسافرن في هذا الشهر ثم خالع
لم أر لهم ضابطا للتمكن هنا وفي نظائره من كل ما علقوا فيه الحنث بالتمكن ، وقد اختلف كلامهم في ضبط التمكن في أبواب بتوهمه بحد الغوث أو تيقنه بحد القرب وأمن ما مر وظاهره أنه يلزمه مشي لذلك أطاقه لا ذهاب لما فوق ذلك ، ولو راكبا فالتمكن من الماء في التيمم بالقدرة على الذهاب إليها ، ولو قبل الوقت إذا بعدت داره ولو ماشيا ، ولو بنحو مركوب وقائد قدر على أجرتهما وفي الجمعة بما مر فيه في مبحث الاستطاعة ، ومنه أنه يلزمه مشي قدر عليه إذا كان دون مرحلتين وفي الرد بالعيب والأخذ بالشفعة بما مر فيهما ، وحينئذ فما هنا يلحق بأي تلك المواضع حتى يجري فيه جميع ما ذكروه في ذلك من التمكن وأعذاره وفي الحج
وقد علمت اختلافهما باختلاف تلك المواضع ، وللنظر في ذلك مجال أي مجال ، وواضح أنه حيث خشي من فعل المحلوف عليه مبيح تيمم لم يكن متمكنا منه فإن لم يخش ذلك ، فالذي يتجه أنه لا يكفي توهم وجود المحلوف عليه بخلاف الماء ؛ لأن له بدلا بل لا بد من ظن وجوده بلا مانع مما مر في التيمم وأن المشي والركوب هنا كالحج وأن الوكيل إن لم يفعل بنفسه كما في الرد بالعيب فيعد متمكنا إذا قدر عليه ، ولو بأجرة مثل طلبها الوكيل فاضلة عما يعتبر في الحج ، وإن قائد الأعمى ونحو محرم المرأة والأمرد كما في الحج فيجب ، ولو بأجرة وأن عذر الجمعة ونحو الرد بالعيب أعذار هنا فوجود أحدهما يمنع التمكن إلا في نحو أكل كريه مما لا أثر له هنا بخلافه في نحو الشهادة على الشهادة كما يأتي ، ومر قبيل العدد في أعذار تأخير النفي الواجب فورا ما له تعلق بما هنا
ويفرق بين ما هنا وكل من تلك النظائر على حدته بأن كلا من تلك المغلب فيه إما حق الله أو حق الآدمي فتكلموا فيه بما يناسبه ، وهنا ليس المغلب فيه واحدا من هذين وإنما المدار على ما يأتي