الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( واللحم ) إذا حلف لا يأكله يحمل عند الإطلاق نظير ما قبله ( على ) مذكى ، ( نعم ) وهي الإبل والبقر والغنم

                                                                                                                              ( وخيل [ ص: 36 ] ووحش وطير ) لوقوع اسم اللحم عليها حقيقة دون ما يحرم أي : في اعتقاد الحالف فيما يظهر ( لا سمك ) وجراد ؛ لأنه لا يسمى لحما عرفا أي : من غير قيد ، وإن سميه لغة كما في القرآن ، كما لا يحنث بالجلوس في الشمس المسماة سراجا وعلى الأرض المسماة بساطا في القرآن من حلف لا يجلس في سراج أو على بساط .

                                                                                                                              ( و ) لا ( شحم بطن ) وعين لمخالفهما اللحم اسما وصفة ( وكذا كرش وطحال وكبد وقلب ) وأمعاء ورئة ومخ ( في الأصح ) ؛ لأنها ليست لحما حقيقة ، ولا يحنث بقانصة الدجاجة قطعا ولا بجلد إلا إن رق بحيث يؤكل غالبا على الأوجه ، ( والأصح تناوله ) أي : اللحم ( لحم رأس ولسان ) أي : ولحم لسان والإضافة بيانية أي : ولحما هو لسان وحينئذ فلا اعتراض عليه وخد وأكارع لصدق اسمه على ذلك ، ( وشحم ظهر وجنب ) ، وهو الأبيض الذي لا يخالطه الأحمر ؛ لأنه لحم سمين ولهذا يحمر عند الهزال ، ( و ) الأصح ( أن شحم الظهر لا يتناوله الشحم ) ؛ لما تقرر أنه لحم بخلاف شحم العين والبطن يتناوله الشحم ، ( وأن الألية والسنام ) بفتح أولهما ( ليسا ) أي : كل منهما ( شحما ولا لحما ) ؛ لمخالفتهما كلا منهما اسما وصفة ، ( والألية ) مبتدأ إذ لا خلاف في هذا ( لا تتناول سناما ولا يتناولها ) لاختلافهما كذلك .

                                                                                                                              ( والدسم ) وهو الودك إذا حلف لا يأكله وأطلق ( يتناولهما و ) يتناول ( شحم ظهر ) وجنب ( وبطن ) وعين ( وكل دهن ) حيواني أي : مأكول فيما يظهر أخذا مما مر أنه لا حنث بغير المذكى لصدق اسمه بكل ذلك ، واستشكل ذكر شحم الظهر هنا لما مر أنه لحم واللحم لا يدخل في الدسم ، ويرد بمنع هذه الكلية ، بل اللحم الذي فيه دسم يدخل فيه ، أما دهن نحو سمسم ولوز فلا يتناولهما على ما قاله البغوي ، وظاهر كلام غيره أنه يتناول كل دهن مأكول لا نحو دهن خروع وبه صرح البلقيني وفي اللبن تردد ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال : إن له دسما [ ص: 37 ] والذي يتجه أنه لا يتناوله ؛ لأنه لا يسمى دسما عرفا .

                                                                                                                              ( ولحم البقر يتناول ) البقر العراب والبقر الوحشي و ( جاموسا ) لصدق اسم البقر على الكل ، وإن نازع فيه البلقيني ، ويفرق بين تناول الإنسي للوحشي هنا لا في الربا ؛ لأن المدار هنا على مطلق التناول من غير نظر لاختلاف أصل أو اسم بخلافه ثم كما يعلم من كلامهم في البابين ، وبهذا يتجه أن الضأن لا يتناول المعز هنا وعكسه ، وإن اتحدا جنسا ، ثم لأن اسم أحدهما لا يطلق على الآخر لغة ولا عرفا ، وإن شملهما اسم الغنم المقتضي لاتحاد جنسهما ثم . ( فرع )

                                                                                                                              الزفر في عرف العامة يشمل كل لحم ودهن حيواني وبيض ولو من سمك فينبغي حمله على ذلك ، ولا تتناول ميتة سمكا وجرادا ولا دم كبد أو طحالا .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : والأصح أن شحم الظهر ) أي : والجنب أخذا من العلة . ( قوله : فجعل في ناطف وهو حلاوة تعقد ببياضه وأكله بر ) أي : ولم يحنث .

                                                                                                                              ( قوله ويرد ) كذا شرح م ر . ( قوله أما دهن نحو سمسم ) محترز حيواني ( قوله على ما قاله البغوي ) لكن الأقرب خلافه م ر . ( قوله : [ ص: 37 ] والذي يتجه أنه لا يتناوله ) كتب عليه م ر . ( قوله : ولحم البقر يتناول جاموسا ) لو وكله في لحم بقر شمل الجواميس حيث لا قرينة م ر . ( قوله بين تناول الإنسي للوحشي ) الإنسي لا يتناول الوحشي لا هنا ولا في غيره كما هو ظاهر . وحق التعبير أن يقول : بين تناول اسم البقر مثلا للإنسي والوحشي جميعا فتأمله .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : إذا حلف ) إلى قول المتن : ولحم بقر في النهاية ، وكذا في المغني إلا قوله : أي في اعتقاد الحالف [ ص: 36 ] فيما يظهر ، وقوله : إلا إن رق إلى المتن وقوله وظاهر كلام إلى لا دهن . ( قول المتن ووحش وطير ) أي : مأكولين ا هـ مغني . ( قوله : لوقوع اسم اللحم إلخ ) فيحنث بالأكل من مذكاها ، سواء أكله نيئا أم لا مغني ، عبارة النهاية : ولا فرق في اللحم بين المشوي والمطبوخ والنيء والقديد ا هـ . قال ع ش : وهل يحنث بذلك وإن اضطر إلى ذلك بأن لم يجد غيره أم لا ؟ لأنه مكره شرعا على تناول ما ينقذه من الهلاك فيه نظر والأقرب الثاني ا هـ . ( قوله : دون ما يحرم ) عبارة النهاية والمغني وعلم مما تقرر عدم حنثه بميتة وخنزير وذئب هذا كله عند الإطلاق فإن نوى شيئا حمل عليه ا هـ . قال ع ش قوله : عدم حنثه بميتة أي : وإن اضطر ا هـ . ( قوله : أي في اعتقاد الحالف إلخ ) وفاقا للنهاية وخلافا للمغني ، عبارته : ولا يحنث بلحم ما لا يؤكل كالميتة والحمار ؛ لأن قصده الامتناع عما يعتاد أكله ؛ ولأن اسم اللحم إنما يقع على المأكول شرعا ، وإن قال الأذرعي : يظهر أن يفصل بين كون الحالف من يعتقد حل ذلك فيحنث وإلا فلا ا هـ . ( قول المتن : وكذا كرش ) بكسر الراء ويجوز إسكانها مع فتح الكاف وكسرها كالمعدة للإنسان ، وكبد بفتح الكاف وكسر الباء الموحدة ويجوز إسكانها مع فتح الكاف وكسرها وطحال بكسر الطاء ا هـ مغني . ( قوله : وأمعاء إلخ ) ، وكذا الثدي والخصية في الأقرب ا هـ . مغني ( قوله : بقانصة الدجاجة ) وهي بمنزلة المصارين لغير الطير ا هـ قاموس .

                                                                                                                              ( قوله إلا إن رق إلخ ) أي : كان رقيقا في الأصل كجلد الفراخ ا هـ ع ش . ( قوله : وخد وأكارع ) وينبغي أن يكون الآذان كذلك ا هـ مغني . ( قوله : والأصح أن شحم الظهر ) أي والجنب أخذا من العلة ا هـ سم . ( قوله : لمخالفتها كلا منهما ) فإذا حلف لا يأكل اللحم أو الشحم لا يحنث بهما ا هـ مغني . ( قوله : إذ لا خلاف في هذا ) أي : فلا يصح أن يكون معطوفا على ما قبله من مسائل الخلاف ا هـ مغني . ( قوله : كذلك ) أي : اسما وصفة . ( قوله : وهو الودك ) أي الدهن وتفسير الدسم بالودك لا يناسب ما جرى عليه في قوله : الآتي أما دهن نحو سمسم إلخ من شمول الدسم لدهن السمسم واللوز فإن كلا منهما لا يسمى ودكا ؛ إذ هو كما في المختار دسم اللحم فلعل تفسيره بذلك بالنظر لأصل اللغة ا هـ ع ش . ( قول المتن يتناولهما ) أي : الألية والسنام ا هـ مغني .

                                                                                                                              ( قوله : وكل دهن حيواني ) بقي ما لو حلف لا يأكل دهنا فهل هو كالدسم أو كالشحم فيه نظر والأقرب الثاني . ( فرع )

                                                                                                                              لو أكل مرقة مشتملة على دهن فقياس ما سيأتي في السمن أنه إن كان الدهن متميزا في المرقة حنث به من حلف لا يأكل دسما أي : أو دهنا وإلا فلا ا هـ . ع ش ( قوله : لما مر إلخ ) الأولى بما مر كما في النهاية . ( قوله : ويرد إلخ ) عبارة المغني وأجيب بأنه لما صار سمينا صار يطلق عليه اسم الدسم ، وإن لم يطلق الدسم على كل لحم ا هـ . ( قوله : هذه الكلية ) أي : واللحم لا يدخل في الدسم . ( قوله : أما دهن إلخ ) محترز حيواني ا هـ سم . ( قوله فلا يتناولهما ) الأولى الإفراد . ( قوله على ما قاله البغوي ) اعتمده شيخنا الزيادي وعميرة ا هـ . ع ش ، وكذا اعتمده المغني ، عبارته : وخرج بالدهن أصوله كالسمسم والجوز واللوز ثم قال : ولا يحنث بدهن السمسم من حلف لا يأكل دهنا كما قاله البغوي وفي معناه دهن جوز ولوز ونحوهما ا هـ . ( قوله : وظاهر كلام غيره إلخ ) عبارة النهاية ، لكن الأقرب خلافه كما هو ظاهر كلام غيره إلخ . ( قوله : وظاهر كلام غيره إلخ ) معتمد ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله : لا نحو دهن خروع ) أي : كدهن ميتة ا هـ مغني . ( قوله : والذي يتجه إلخ ) عبارة المغني أجيب بأنه لم يقل إنه دسم فإن قيل قد أكل فيه الدسم أجيب بأنه مستهلك ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : [ ص: 37 ] أنه لا يتناوله ) أي الدسم اللبن ا هـ ع ش . ( قوله : البقر ) إلى قوله : وإن نازع في المغني وإلى قوله واستشكله في النهاية ( قوله : والبقر الوحشي ) بخلاف ما لو حلف لا يركب حمارا فركب حمارا وحشيا لا يحنث ؛ لأن المعهود ركوب الحمار الأهلي بخلاف الأكل مغني وسلطان . ( قوله وجاموسا ) أي : لا عكسه ا هـ ع ش . ( قوله ويفرق بين تناول الإنسي للوحشي هنا إلخ ) الإنسي لا يتناول الوحشي لا هنا ولا في غيره كما هو ظاهر ، وحق التعبير أن يقول : بين تناول اسم البقر مثلا للإنسي والوحشي جميعا فتأمله سم على حج ، ووجه ذلك أن الإنسي مسمى بالعراب أو الجاموس بخلاف البقر فإنه شامل للإنسي والوحشي ( فائدة )

                                                                                                                              لو حلف لا يأكل طبيخا فلا يحنث إلا بما فيه ودك أو زيت أو سمن ا هـ متن روض ا هـ ع ش . ( قوله : أن الضأن لا يتناول إلخ ) كذا في المغني . ( قوله : هنا ) حقه أن يؤخر عن قوله : وعكسه كما في النهاية . ( قوله : وإن اتحدا جنسا ثم ) أي فيشملهما الغنم وينبغي أن الغنم لا تشمل الظباء ؛ لأنها إنما يطلق عليها شاة البر ا هـ ع ش . ( قوله : المقتضي إلخ ) أي : اسم الغنم يعني شموله لهما ( قوله : وأما الزفر في عرف العامة إلخ ) أي : ولو كان الحالف غير عامي إذ ليس له عرف خاص ا هـ ع ش . ( قوله : ولا تتناول ) إلى قوله : وقوله : مقدار في المغني . ( قوله : وجرادا ) أي : ومذكاة ا هـ مغني




                                                                                                                              الخدمات العلمية