الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ويشترط في ) صحة ( توبة معصية قولية ) من حيث حق الآدمي ( القول ) قياسا على التوبة من الردة بالشهادتين ، ووجوبهما وإن كانت الردة فعلا كسجود لصنم لكون القولية هي الأصل أو لتضمن ذلك تكذيب الشرع وقضيته كالمتن اشتراط القول في كل معصية قولية كالغيبة وبه صرح الغزالي فيها ونص الأم بقضيته في الكل وهو ظاهر .

                                                                                                                              وإن قيل ظاهر كلام الأكثرين اختصاصه بالقذف وعليه فرق في المطلب بينه وبين غيره بأن ضرره أشد ؛ لأنه يكسب عارا وإن لم يثبت فاحتيط بإظهار نقيض ما حصل منه وهو الاعتراف بالكذب جبرا لقلب المقذوف وصونا لما انتهكه من عرضه واشترط جمع متقدمون أنه لا بد في التوبة من كل معصية من الاستغفار أيضا واعتمده البلقيني وأطال في الاستدلال له لكن بما لا يرد عليه عند التأمل المقتضي لحمل تلك الظواهر على الندم وخرج بالقولية الفعلية فلا يشترط فيها قول ؛ لأن الحق فيها متمحض إلى الله تعالى فأدير الأمر فيها على الصدق باطنا بخلاف القذف لما تقرر فيه ( فيقول القاذف ) وإن كان قذفه بصورة الشهادة لكون العدد لم يتم ( قذفي باطل وأنا نادم عليه ولا أعود إليه ) أو ما كنت محقا في قذفي وقد تبت منه أو نحو ذلك ولا يلزمه أن يتعرض لكذبه ؛ لأنه قد يكون صادقا فإن قلت قد تعرض له بقوله قذفي باطل ولذا قيل الأولى قول أصله كالجمهور القذف باطل . [ ص: 242 ] قلت : المحذور إلزامه بالتصريح بكذبه لا بالتعريض به وهذا فيه تعريض لا تصريح ألا ترى أنك تقول لمحاورك هذا باطل ولا يجزع ولو قلت له كذبت لحصل له غاية الجزع والحنق وسره أن البطلان قد يكون لاختلال بعض المقدمات فلا ينافي مطلق الصدق بخلاف الكذب ، وبهذا يظهر أنه لا اعتراض على المتن ، وأن عبارته مساوية لعبارة أصله والجمهور ثم إن اتصل ذلك بالقاضي بإقرار ، أو ببينة اشترط أن يقول ذلك بحضرته وإلا فلا على الأوجه قيل في جواز إعلامه به نظر لما فيه من الإيذاء ، وإشاعة الفاحشة نعم لا بد أن يقول بحضرة من ذكره بحضرته أولا وليس كالقذف فيما ذكر كما بحثه البلقيني قوله لغيره يا ملعون أو يا خنزير ونحوه فلا يشترط في التوبة منه قول ؛ لأن هذا لا يتصور إيهام أنه محق فيه حتى يبطله بخلاف القذف ونازع في اشتراط وأنا نادم وما بعده

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : وقضيته كالمتن اشتراط القول في كل معصية قولية كالغيبة إلخ ) عبارة ابن النقيب في مختصر الكفاية فرع .

                                                                                                                              قال في المهذب : لا بد في توبة شاهد الزور أن يقول كذبت فيما قلت ولا أعود إلى مثله قال الرافعي : وقضيته أن يطرد في الغيبة [ ص: 242 ] والنميمة . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وأن عبارته مساوية لعبارة أصله ) في ظهور المساواة نظر فليتأمل



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : لكون القولية ) أي الردة القولية ع ش . ( قوله : أو لتضمن ذلك ) أي الارتداد الفعلي ولو عبر بالواو وكان أولى . ( قوله : وقضيته ) أي التعليل . ( قوله : وقضيته كالمتن ) عبارة النهاية وقضية كلامه . ا هـ .

                                                                                                                              . ( قوله : كالغيبة ) أي والنميمة سم ( قوله : فيها ) أي الغيبة . ( قوله : يقتضيه ) أي اشتراط القول في الكل أي في كل معصية قولية ( قوله : وعليه ) أي على فرض صحة الاختصاص بالقذف نهاية ( قوله : واشترط جمع إلخ ) عبارة النهاية وما اشترط جمع متقدمون من اشتراط الاستغفار في المعصية القولية أيضا محمول على الندم . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : من كل معصية ) ظاهره ولو فعلية وقيدها النهاية بالقولية كما مر آنفا فليراجع . ( قوله : أيضا ) أي كاشتراط القول في المعصية القولية . ( قوله : بما لا يرد إلخ ) لعل لا زائدة إلا أن يرجع ضمير عليهم لغير الجمع المتقدمين . ( قوله : لأن الحق فيها متمحض إلخ ) فيه نظر ظاهر ، ثم رأيت قال الرشيدي قوله : بخلاف القذف الأنسب بخلاف القولية ( قول المتن فيقول القاذف ) أي مثلا في التوبة من القذف مغني ( قوله : وإن كان قذفه ) إلى قوله نعم في المغني إلا قوله : ألا ترى إلى ، ثم إن اتصل وما أنبه عليه . ( قوله : وإن كان قذفه بصورة الشهادة ) انظر هذه الغاية فيما إذا كان صادقا في نفس الأمر وما فائدة ذكر ذلك عند الحاكم مع أن الحد لا بد من إقامته ؟ والتوبة مدارها على ما في نفس الأمر وكلام المصنف فيما إذا أتى بمعصية رشيدي . ( قوله : بصورة الشهادة إلخ ) عبارة الروض سواء كان القذف بصورة الشهادة عند القاضي بأن لم يكمل عدد الشهود أو بالسب والإيذاء ، ولكن لو كان قذفه في شهادة لم تكمل عددا فليتب عند القاضي ولا يشترط حينئذ مضي المدة إذا كان عدلا قبل القذف وإن كان قذفه بالسب والإيذاء اشترط مضيها . ا هـ .

                                                                                                                              بزيادة من شرحه . ( قوله : القذف باطل ) أي قذف الناس باطل [ ص: 242 ] مغني ( قوله : قلت إلخ ) عبارة المغني أجيب بحمل كلامه على تجويز نيابة المضاف إليه عن الألف واللام كقوله تعالى { قل الله أعبد مخلصا له ديني } أي الدين . ا هـ .

                                                                                                                              . ( قوله : وهذا ) أي قذفي باطل فيه تعريض إلخ قد يمنع . ( قوله : وسره ) أي ما ذكر من الجزع بالقول الثاني دون الأول . ( قوله : وبهذا ) أي بقوله قلت إلى هنا ( قوله : وأن عبارته مساوية لعبارة أصله إلخ ) في ظهور المساواة نظر فليتأمل سم ورشيدي . ( قوله : قيل في جواز إعلامه إلخ ) أي عند عدم الاتصال بالقاضي عبارة المغني قال الرافعي ويشبه أن يشترط في هذا الإكذاب جريانه بين يدي القاضي . ا هـ .

                                                                                                                              وهو كما قال ابن شهبة ظاهر فيمن قذف بحضرة القاضي أو اتصل به قذفه ببينة أو اعتراف وغير ظاهر فيما إذا لم يتصل بالقاضي أصلا بل في جواز إتيانه القاضي وإعلامه له بالقذف نظر لما فيه من الإيذاء وإشاعة الفاحشة . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : نعم لا بد أن يقول بحضرة من ذكره إلخ ) ظاهره وجوب الاستيعاب وإن كثروا في الغاية ( قوله : لأن هذا إلخ ) هذا واضح في يا خنزير دون يا ملعون فتدبر سيد عمر وقد يدعي الوضوح فيه أيضا لكن نظر العلم القائل فإن العبرة في اللعن بالعاقبة ولا يعلمها إلا الله . ( قوله : ونازع ) أي البلقيني




                                                                                                                              الخدمات العلمية