الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
ثم شرع في بيان مسائل يؤمر فيها بالحنث من غير قضاء بقوله ( وأمر ) وجوبا وقيل ندبا ( بالفراق ) من غير جبر ( في ) تعليقه على ما لم يعلم صدقها فيه من عدمه كقوله أنت طالق أو حرة ( إن كنت تحبيني ) أو تحبي فراقي ( أو تبغضيني ) بفتح التاء من بغض كنصر ( وهل ) مجرد الأمر بلا جبر ( مطلقا سواء أجابت بما يقتضي الحنث أم لا لاحتمال كذبها وهو الراجح ) .

ومثله سكوتها ( أو ) الأمر من غير جبر إلا أن تجيب بما يقتضي الحنث فينجز عليه الطلاق جبرا وفي نسخة فيجبر فإن أجابت بما لا يقتضيه أو سكتت فلا يجبر على هذا ( تأويلان وفيها ما يدل لهما ) وأما إن قال لها أنت طالق إن كنت دخلت الدار فإن قالت لم أدخل لم يلزمه شيء إلا أن يتبين خلافه ، وإن قالت دخلت فإن صدقها جبر على الفراق بالقضاء وإن كذبها أمر بفراقها من غير قضاء وسواء فيهما رجعت لتصديقه أو تكذيبه أو لم ترجع ( و ) أمر ( بالأيمان ) أي بإنفاذ الأيمان ( المشكوك فيها ) من غير قضاء ، فلو حلف وحنث وشك هل حلف بطلاق أو عتق أو مشي أو صدقة فليطلق نساءه ويعتق رقيقه ويمش لمكة ويتصدق بثلث ماله يؤمر بذلك كله من غير قضاء قاله في المدونة ( ولا يؤمر ) بالفراق ( إن ) ( شك هل طلق ) أي هل حصل منه [ ص: 402 ] ما يوجب الطلاق ( أم لا ) فيشمل شكه هل قال أنت طالق أم لا وشكه هل حلف وحنث أو لا وشكه في حلفه على فعل غيره هل فعله أم لا ( إلا أن يستند ) في شكه لشيء يدل على فعل المحلوف عليه ( وهو سالم الخاطر ) من الوسواس أي غير مستنكح الشك ( كرؤية شخص داخلا ) في دار وقد كان حلف على زيد مثلا لا يدخلها ( شك في كونه ) زيدا ( المحلوف عليه ) أو هو غيره وغاب عنه بحيث يتعذر تحقيقه فيؤمر بالطلاق اتفاقا ( وهل يجبر ) عليه وينجز أو يؤمر بلا جبر ( تأويلان ) فإن كان غير سالم الخاطر بأن استنكحه الشك فلا شيء عليه

التالي السابق


( قوله وجوبا ) أي لكن لا يقضى عليه به كما في المدونة ، فإن لم يطق كان عاصيا بترك الواجب وعصمته باقية غير منحلة ويلزم من ذلك أن الفراق المأمور به إنما يوقعه بلفظ آخر ينشئه لا أنه يقع باللفظ الأول كما زعمه بعضهم إذ لو وقع الفراق به لانحلت العصمة به ووجب القضاء عليه بتنجيز الفراق والفرض بخلافه ا هـ بن ، وإذا فارق بإنشاء صيغة فلا يحسب عليه طلقتان واحدة بالصيغة التي أنشأها وواحدة بالتعليق بل طلقة واحدة بما أنشأه من الصيغة ; لأنها تنحية للشك الحاصل قاله في المج .

( قوله وهو ) أي القول بالإطلاق ( قوله ومثله سكوتها ) أي وكذا قولها لا أحبك ولا أبغضك ( قوله إلا أن تجيب بما يقتضي الحنث ) أي والحال أنه لا يصدقها فيما أجابت به وإلا جبر على الطلاق قطعا .

والحاصل أن محل التأويلين إذا أجابت بما يقتضي الحنث إن كذبها في جوابها ، وأما إذا صدقها في جوابها بما يقتضي الحنث فإنه يجبر على الطلاق بالقضاء اتفاقا كما يفيده نقل ح وغيره انظر بن ( قوله أي بإنفاذ الأيمان ) أشار إلى أن في كلام المصنف حذف مضاف ; لأنه لا معنى للأمر بالأيمان إلا الأمر بإنفاذها فتقدير هذا المضاف ظاهر من عرف الاستعمال والمحاورات بحيث لا يحتاج لدليل ( قوله المشكوك فيها ) أي مع تحققه يمينا ولم يدر ما هو منها ( قوله فلو حلف وحنث إلخ ) هذا لفظ المدونة إلى قوله يؤمر بذلك من غير قضاء قال ابن ناجي فهم شيخنا أبو مهدي قولها يؤمر على الوجوب وإنما أراد نفي الجبر وفهم شيخنا البرزلي قولها على الاستحباب والصواب الأول لقرينة قولها من غير قضاء ا هـ نقله ح ( قوله ولا يؤمر بالفراق ) أي الطلاق فضلا عن جبره عليه ( قوله وإن شك هل طلق إلخ ) وأما إن ظن أنه طلق وقع عليه وقوله هل طلق أي وأما لو شك هل أعتق أو لا فإنه يلزمه العتق لتشوف الشارع إلى الحرية وبغضه للطلاق ولم ينظروا للاحتياط في الفروج وقد أتوا هنا على القاعدة من إلغاء الشك في المانع ; لأن الطلاق مانع من حلية الوطء ; لأن الأصل عدم [ ص: 402 ] وجوده بخلاف الشك في الحدث لسهولة الأمر فيه .

( قوله ما يوجب الطلاق ) أي حل العصمة ( قوله فيشمل إلخ ) أي بخلاف ما لو أبقى على ظاهره فإنه يكون قاصرا على الصورة الأولى ( قوله وشكه في حلفه على فعل غيره ) أي بخلاف حلفه على فعل نفسه وشكه هل فعله أو لا كما لو حلف بالطلاق لا يكلم زيدا وشك هل كلمه أم لا ، فإنه ينجز عليه الطلاق على طريقة أبي عمران وتبعه ابن الحاجب ، وقال ابن رشد : يؤمر بالطلاق من غير جبر إن كان شكه لسبب قائم به وإلا فلا يؤمر به وعزاه ابن رشد لابن القاسم في المدونة وحكى عليه الاتفاق ونقله صاحب الجواهر واختار أبو محمد واللخمي عدم الحنث وأنه لا يؤمر بالفراق لا بفتيا ولا بقضاء مثل ما إذا حلف على فعل غيره وهذا هو المشهور انظر بن ( قوله وهو سالم الخاطر ) أي والحال أنه سالم الخاطر أي القلب فهو من إطلاق اسم الحال وإرادة المحل ( قوله داخلا ) حال من شخص وهو من غير الغالب ; لأنه نكرة غير مختصة إلا أن يقال إنها تخصصت بالصفة وهو قوله شك إلخ فإنه صفة لشخص وإن كانت جارية على غير من هي له .

( قوله وغاب عنه ) أي غاب ذلك الداخل عن الحالف ( قوله اتفاقا ) أي لاستناده في شكه لموجب ( قوله وهل يجبر عليه ) أي مع الأمر به وقوله وينجز أي إذا أبى ( قوله أو يؤمر ) أي بإنشائه ( قوله تأويلان ) أي لأبي عمران الفاسي وأبي محمد بن أبي زيد




الخدمات العلمية