الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
ولما أنهى الكلام على ما ينجز فيه الطلاق شرع في بيان ما لا ينجز فيه أعم مما لا شيء فيه حالا ومآلا أو حالا لا مآلا فقال ( ولا يحنث إن ) ( علقه ) أي الطلاق ( بمستقبل ممتنع ) عقلا أو عادة أو شرعا في صيغة بر ، مثال الأول أنت طالق إن جمعت بين الضدين ومثال الثاني أشار له بقوله ( كإن لمست السماء ) فأنت طالق ( أو إن شاء هذا الحجر ) فأنت طالق وكذا إن قدم فأنت طالق في المثالين ; لأنه علق الطلاق على شرط ممتنع وجوده ومثال الثالث إن زنيت فأنت طالق بخلاف صيغة الحنث في الجميع ( أو ) علقه على ما ( لم تعلم مشيئة المعلق بمشيئته ) حيث كان شأنه أن تعلم مشيئته هو الآدمي كطالق إن شاء زيد فمات زيد ولم تعلم مشيئته وهو صادق بما إذا لم يشأ أو شاء شيئا لم تعلم حقيقته فلا حنث بخلاف مشيئة الله والملائكة والجن فإن شاء من ذكر لم تعلم مشيئته عادة .

( أو ) علقه بمستقبل ( لا يشبه البلوغ ) أي بلوغهما معا ( إليه ) بأن لا يبلغه عمر واحد منهما أو يبلغه عمر أحدهما فقط والمعتبر العمر الشرعي الآتي بيانه في الفقد ( أو ) قال لها ( طلقتك وأنا صبي ) ( أو مجنون فلا شيء عليه ) [ ص: 395 ] حيث كانت في عصمته وهو صبي أو مجنون وعلم تقدم جنونه وأتى بلفظ ما ذكر نسقا وإلا حنث ( أو ) قال أنت طالق ( إذا مت ) أنا ( أو متي ) أنت ( أو إن ) مت أو متي فلا شيء عليه ; إذ لا طلاق بعد تحقق الموت بخلاف يوم موتي كما تقدم ; لأن يوم الموت يصدق بأوله قبل حصول الموت ( إلا أن يريد ) بأن ( نفيه ) أي نفي الموت إما مطلقا أو من مرض خاص فإنه يحنث لأنه بمنزلة قوله أنت طالق لا أموت أو لا تموتين ( أو ) قال لزوجته الخالية من الحمل تحقيقا ( إن ولدت جارية ) أو غلاما فأنت طالق فلا شيء عليه بأن كانت صغيرة أو آيسة أو ممكنة الحمل وقاله في طهر لم يمس فيه أو مس ولم ينزل ولو حذف جارية كان أخصر وأشمل ( أو ) قال لها ( إن حملت ) فأنت طالق فلا شيء عليه لتحقق عدم حملها ( إلا أن يطأها ) وينزل وهي ممكنة الحمل ( مرة ) وأولى أوأكثر ( وإن ) كان الوطء ( قبل يمينه ) ولم يستبرئها فينجز عليه لحصول الشك في العصمة [ ص: 396 ] والاستثناء راجع للمسألتين ( كإن ) قال لها إن ( حملت ووضعت ) فأنت طالق فلا شيء عليه إلا أن يطأها مرة وإن قبل يمينه ولم يستبرئ وإلا نجز عليه كما لو كانت ظاهرة الحمل نظرا للغاية الثانية ، وأما إن قال لظاهرة الحمل إن حملت فلا يحنث ; لأن المعنى إن حدث بك حمل غير هذا

التالي السابق


( قوله على ما ينجز فيه الطلاق ) أي على الحالة التي ينجز إلخ ( قوله ولا يحنث ) أي لا حالا ولا مآلا ; لأن ما ذكره من القسم الأول في كلام الشارح ( قوله إن علقه إلخ ) أي ، فإن وقع المحلوف عليه كالممتنع شرعا فإنه يحنث ( قوله إن جمعت بين الضدين ) أي فقد علق الطلاق على الجمع بين الضدين في المستقبل وهو محال عقلا ( قوله كإن لمست السماء ) أي أو إن حملت الجبل فأنت طالق أي فقد علق الطلاق على لمس السماء في المستقبل أو حمل الجبل هو ممنوع عادة ( قوله أو إن شاء هذا الحجر ) هذا قول ابن القاسم في المدونة وقال ابن القاسم في النوادر ينجز عليه الطلاق لهزله وبه قال سحنون وذكرهما عبد الوهاب روايتين وذكر أن لزوم الطلاق أصح ا هـ بن ( قوله ; لأنه علق الطلاق على شرط ممتنع وجوده ) أي ويلزم من عدم الشرط عدم المشروط ( قوله إن زنيت إلخ ) أي فقد علق الطلاق على الزنا في المستقبل وهو ممتنع شرعا .

( قوله بخلاف صيغة الحنث ) أي إن لم أجمع بين وجودك وعدمك أو بين الضدين فأنت طالق أو إن لم أمس السماء فأنت طالق أو إن لم أزن فأنت طالق فينجز عليه الطلاق وقوله بخلاف إلخ ، هذا محترز قوله في صيغة بر ولا حاجة لتقييد المصنف بصيغة البر ; لأن نحو إن لم أزن في صيغة الحنث التعليق فيه على واجب لا على ممتنع .

( قوله على ما لم تعلم مشيئته إلخ ) أي على مشيئة شخص لم تعلم مشيئة ذلك الشخص الذي علق الطلاق على مشيئته ( قوله فمات إلخ ) فرض الشارح الكلام فيم إذا كان المعلق على مشيئته حيا وقت التعليق ثم مات ومثل ذلك ما لو كان ميتا وقت التعليق والحال أن الحالف لم يعلم بموته باتفاق فيهما ، فإن كان عالما بموته وقته فكذلك لا شيء عليه على ظاهر المدونة خلافا للخمي حيث قال : ينجز عليه الطلاق ( قوله بخلاف إلخ ) هذا جواب عما يقال قد تقدم أن المعلق على مشيئته الله والجن والملائكة ينجز عليه الطلاق مع أنه لم يعلم مشيئة من ذكر وهذا يعارض ما ذكره المصنف هنا ، وحاصل الجواب أن مراد المصنف هنا بقوله أو لم تعلم مشيئة المعلق على مشيئته أي والحال أنه من جنس من تعلم مشيئته وهو الآدمي وهذا بخلاف المعلق على مشيئة الله والملائكة والجن فإنه معلق على مشيئته من شأنه أن لا تعلم مشيئته فلا معارضة .

والحاصل أنه فرق بين التعليق على مشيئة من لا تعلم مشيئته والحال أن شأنه أن تعلم مشيئته وبين المعلق على مشيئة من لا تعلم مشيئته والحال أن شأنه أن لا تعلم مشيئته ففي الأول لا شيء عليه وفي الثاني ينجز الطلاق عليه .

( قوله أو علقه بمستقبل لا يشبه إلخ ) تقدم أنه إذا علق طلاقها على أجل يبلغه عمرهما معا في الغالب فإنه ينجز عليه وأشار هنا إلى أنه إذا علق طلاقها على أجل لا يبلغه عمرهما أو أحدهما غالبا فإنه لا شيء عليه لا حالا ولا مآلا وظاهره ولو انخرمت العادة [ ص: 395 ] وعاشا إليه بخلاف ما إذا علقه على حيض بغلة وطرقها الدم وقال النساء إنه حيض فإنها تطلق عليه والفرق أن النساء محل للحيض في الجملة فاعتبر وأما مجاوزة العمر الغالب فنادر لا حكم له ( قوله حيث كانت في عصمته وهو صبي أو مجنون وعلم تقدم جنونه إلخ ) هذا الشرط وهو قوله وعلم إلخ معلوم مما قبله والقيد في المجنون ذكره في المدونة وأما القيد في الصبي فقد ذكره أبو الحسن قال ابن ناجي وأطلق الأكثر ا هـ بن وزاد بعضهم في المجنون أن يكون مستندا في قوله لإخبار مخبر لا لعلمه وإلا لزمه الطلاق ( قوله وإلا حنث ) أي ; لأنه يعد قوله وأنا صبي أو مجنون ندما منه على وقوع الطلاق ( قوله أو إن مت أو متي ) أي أو متى مت أو متي ( قوله بخلاف يوم موتي ) أي فإنه ينجز عليه لشبهه بنكاح المتعة وأولى قبل موتي بيوم أو شهر .

( قوله إلا أن يريد بإن ) أي أو بإذا كما رجع إليه مالك تغليبا للشرطية على الظرفية والظاهر أن مثلهما متي ا هـ بن وعدوي ( قوله إلا أن يريد نفيه ) أي عنادا ( قوله أنت طالق لا أموت ) أي وهذه صيغة بر في معنى أنت طالق إن مت أي مطلقا أو من هذا المرض فهو في الأول علق الطلاق على أمر محقق ; لأن الموت واجب عادي وفي الثاني علقه على أمر غير معلوم حالا .

( قوله بأن كانت إلخ ) مرتبط بقوله الخالية من الحمل تحقيقا أي بسبب كونها إلخ ( قوله أو قال لها ) أي لزوجته الخالية من الحمل تحقيقا إن حملت إلخ ( قوله إلا أن يطأها إلخ ) أي ويقول لها ما ذكر بعد الوطء أو يطأها قبل قوله ما ذكر والحال أنه لم يستبرئها فقول المصنف وإن قبل يمينه إن للمبالغة أي هذا إذا كان الوطء بعد يمينه بل ولو كان قبله والحال أنه لم يستبرئها وقوله إن قبل يمينه كذا نقله عياض عن ابن القاسم وروايته كما في التوضيح .

( قوله فينجز عليه ) أي وليس له وطؤها خلافا لابن الماجشون حيث قال : إذا قال لها : إن حملت فأنت طالق كان له وطؤها في كل طهر مرة إلى أن تحمل أو تحيض قياسا على ما إذا قال لأمته : إن حملت فأنت حرة فإن له وطؤها في كل طهر مرة ويمسك إلى أن تحمل أو تحيض وفرق ابن يونس بمنع النكاح لأجل وجواز العتق له وقد استفيد من تقييد الشارح لقول المصنف أو إن ولدت أو إن حملت بما إذا كانت خالية من الحمل تحقيقا ، فإن وطئ نجز عليه وحمل قوله سابقا إن كان في بطنك غلام أو إن لم يكن أو إن كنت حاملا أو إن لم تكوني على ما إذا مسها في طهر وأنزل وأما إذا قال لها : ذلك وهي في طهر لم يمسها فيه أو مسها فيه ولم ينزل فلا حنث عليه إن كانت يمينه على بر مساواة ما هنا وهو إن ولدت أو حملت لما مر في قوله إن كان في بطنك غلام أو إن لم يكن أو إن كنت حاملا أو إن لم تكوني فحكم الأربع واحد وهذه طريقة اللخمي وخالفه عياض في صورة إن ولدت فقط .

والحاصل أن عياضا يوافق اللخمي في إن كان في بطنك غلام أو إن لم يكن أو إن كنت حاملا أو إن لم تكوني أو إن حملت فإن كانت محققة البراءة لا شيء عليه وإن كانت محققة الحمل أو مشكوكته بأن قال لها ذلك في طهر مسها فيه وأنزل فإنه ينجز عليه وأما إن ولدت جارية ، فإن كانت براءتها محققة فيتفقان على عدم التنجيز لكن عند اللخمي ينتظر إلى الوطء ، فإن وطئ نجز عليه وعند عياض إذا وطئ لا ينجز عليه بل ينتظر للولادة ، فإن كانت محققة الحمل أو مشكوكا في حملها فهو محل الخلاف بينهما فعند اللخمي ينجز عليه وعند عياض لا ينجز عليه بل ينتظر للولادة والمشهور ما قاله اللخمي كما في ح انظر بن .

( قوله لحصول الشك في العصمة ) لأنه إن كان اليمين قبل الوطء يحتمل الحمل من ذلك الوطء المتأخر ويحتمل عدمه وإن كان الوطء متقدما وحلف قبل أن يستبرئها يحتمل أنها حامل قبل اليمين فيكون قد علق الطلاق على أمر حاصل ويحتمل أنها غير حامل ا هـ شيخنا وفيه أنه إذا كان الوطء متقدما وحلف قبل أن يستبرئها لم يعلق الطلاق على حمل يحصل في المستقبل كما تقتضيه إذا بل على حمل حاصل إلا أن يريد بقوله إذا حملت إن كنت حاملا تأمل .

[ ص: 396 ] قوله والاستثناء راجع للمسألتين ) أي كما قال جد عج وتبعه الشيخ سالم السنهوري والمراد بالمسألتين إن ولدت أو إن حملت فأنت طالق ( قوله إلا أن يطأها مرة ) أي وينزل والحال أنها ممكنة الحمل ( قوله كما لو كانت ظاهرة الحمل ) أي فإذا قال لها إن حملت ووضعت فأنت طالق فإنه ينجز عليه الطلاق نظرا للغاية الثانية وهي قوله ووضعت فإنه بالنظر لها قد علق الطلاق على أمر مستقبل غالب




الخدمات العلمية