ولما فرغ من بيان ما يلزم بالنذر شرع في منه بقوله ( ولا يلزم ) النذر ( في ) قوله ( مالي في بيان ما لا يلزم الكعبة أو بابها ) حيث أراد صرفه في بنائها إن هدمت أو لا نية له فإن أراد كسوتها وطيبها ونحوهما لزمه ثلث ماله للحجبة يصرفونه فيها [ ص: 171 ] إن احتاجت ( أو ) الكعبة أو بابها إن فعلت كذا وفعله ( أو ) ( كل ما أكتسبه ) في مكة ) كقبره عليه الصلاة والسلام فلا يلزمه شيء فيهما لا بعثه ، ولا ذكاته بموضعه بل يمنع بعثه ولو قصد الفقراء الملازمين للقبر الشريف أو لقبر الولي ، لقول المدونة سوق الهدايا لغير نذر ( هدي ) بلفظه أو بدنة بلفظها ( لغير مكة ضلال أي لما فيه من تغيير معالم الشريعة ، فإن عبر بغير لفظ هدي أو بدنة كلفظ بعير أو خروف فلا يبعثه بل يذبحه بموضعه ، وبعثه أو استصحابه من الضلال أيضا ، ولا يضر قصد زيارة ولي واستصحاب شيء من الحيوان معهم ليذبح هناك للتوسعة على أنفسهم وعلى فقراء المحل من غير نذر ولا تعيين فيما يظهر . وأما فإن قصد به الفقراء الملازمين للمحل أو الخدمة وجب بعثه ، وإن أراد مجرد الثواب للنبي أو الولي أو لا نية له تصدق به في أي محل شاء نذر جنس ما لا يهدى كالثوب والدراهم والطعام ، وكذا لا يلزم بل يحرم ، ولا يلزم بعث شمع ، ولا زيت يوقد على القبر ; لأنه من ضياع المال فيما لا فائدة فيه دنيا وأخرى ، وهو ظاهر وجاز لربه أو لوارثه الرجوع فيه ; لأنه لم يخرج عن ملكه فيما يظهر فإن لم يعلم مالكه فحقه بيت المال ( أو ) نذر الذهب والفضة ونحوهما لتزيين باب أو تابوت ولي أو سقف مسجد ( إن لم يرد ) بنذره إياه ( إن ملكه ) نذر ( مال غير ) من عبده أو داره أو غيرهما فلا يلزمه شيء ( ولو ) كان فلان ( قريبا ) له كولده ( إن لم يلفظ ) في نذره أو تعليقه ( بالهدي ) فإن لفظ به كعلي هدي فلان أو نحره هديا فعليه هدي ( أو ) لم ( ينوه ) أي الهدي فإن نواه فكلفظه [ ص: 172 ] ( أو ) لم ( يذكر مقام فإن أراد ذلك لزمه حين يملكه ; لأنه تعليق ( أو على نحر فلان ) إبراهيم ) أو ينوه أو يذكر مكانا من الأمكنة التي يذبح فيها كمنى أو موضع من مكة ، وأو في كلامه بمعنى الواو أي فلا يبريه إلا نفي الثلاثة ، واللزوم عند وجود أحدها ( والأحب حينئذ ) أي حين لفظ بالهدي أو نواه أو ذكر مقام إبراهيم أو نواه ( كنذر الهدي ) تشبيه لإفادة الحكم أي كما يستحب في نذر الهدي المطلق نحو لله علي هدي ( بدنة ثم ) عند فقدها ( بقرة ) فإن عجز فشاة واحدة والأحبية منصبة على الترتيب ، وإلا فالهدي في نفسه واجب ( كنذر الحفاء ) بالمد ، وهو المشي بلا نعل أي فلا يلزمه الحفاء في نذره المشي إلى مكة حفاء أو حبوا أو زحفا من كل ما فيه حرج ، ومزيد مشقة ; لأنه ليس بقربة بل يمشي منتعلا على العادة ويندب له الهدي ( أو ) لمكة ( إن نوى التعب ) لنفسه فلا يلزمه ، وإنما يلزمه أن يحج هو ماشيا ، ويهدي ندبا ( وإلا ) ينو التعب بل نوى بحمله إحجاجه أو لا نية له ( ركب ) هو في حجه جوازا ( وحج به ) أي المحلوف بحمله معه إن رضي ، وإلا حج وحده ( بلا هدي ) عليه فيهما ( ولغا ) بالفتح كوهى فعل لازم يتعدى بالهمزة يقال ألغيت الشيء أبطلته أي وبطل قول الشخص لله علي أو نذر ( حمل فلان ) على عنقه لمكة ) إلا أن ينوي إتيانها حاجا أو معتمرا فيلزم الإتيان ويركب إلا أن ينوي ماشيا فيلزم ، وإنما لغا ما ذكر دون المشي ; لأن العرف إنما جرى بلفظ المشي دون غيره ; ولأنه الوارد في السنة . ( علي المسير ) أو الإتيان أو الانطلاق ( والذهاب والركوب
( و ) لغا ( مطلق الشيء ) من غير تقييد بمكة لفظا أو نية كأن ( و ) لغا يقول لله علي مشي أو إن كلمت فلانا فعلي مشي ( وإن لاعتكاف ) فيه ( إلا القريب جدا ) بأن يكون على ثلاثة أميال فدون ( فقولان ) في لزوم الإتيان له ماشيا للصلاة أو الاعتكاف وعدم الإتيان بالكلية بل يجب فعل ما نذره بموضعه كمن نذرهما بمسجد بعيد ( تحتملهما ) أي المدونة [ ص: 173 ] ( و ) لغا قوله : علي ( مشي ) أي إتيان ( لمسجد ) غير الثلاثة للمدينة ) المشرفة بسيد العالمين ( أو إيلياء ) بالمد وربما قصر ، ويقال أيلة كنخلة بيت المقدس ( إن لم ينو ) أو ينذر ( صلاة ) أو صوما أو اعتكافا ( بمسجديهما أو يسمهما ) أي المسجدين فإن نوى ذلك أو سماهما لزمه الإتيان وحينئذ ( فيركب ) ، ولا يلزمه شيء ( وهل ) لزوم الإتيان في ذلك مطلقا ، و ( إن كان ) الناذر مقيما ( ببعضها ) فاضلا أو مفضولا ( أو ) يلزمه ( إلا لكونه ) مقيما ( بأفضل ) فلا يلزمه إتيان المفضول ( خلاف ( مشي ) أي إتيان ماشيا أو راكبا ( والمدينة ) المنورة بأنوار أفضل الخلق ( أفضل ) عندنا من مكة ، وهو قول أهل المدينة ( ثم مكة ) فبيت المقدس والأكثر على أن السماء أفضل من الأرض ، والله أعلم بحقيقة الحال .