الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
ولما كانت دماء الحج ثلاثة بعضها على التخيير وهو الفدية وجزاء الصيد كما مر وبعضها على الترتيب أشار له بقوله ( وغير الفدية ) أي فدية الأذى ( و ) غير جزاء ( الصيد ) وذلك الغير ما يجب لترك واجب ، أو لمذي ، أو قبلة بفم ، أو غير ذلك كما تقدم ( مرتب ) مرتبتين لا ينتقل عن أولاهما إلا بعد عجزه عنها لا ثالث لهما ( هدي ) وهو المرتبة الأولى ( وندب إبل ) لأن كثرة اللحم فيه أفضل ( فبقر ) فضأن ( ثم ) عند العجز عنه ( صيام ثلاثة أيام ) في الحج وهو المرتبة الثانية وأول وقته ( من ) حين ( إحرامه ) بالحج إلى يوم النحر وهو معنى قوله تعالى { في الحج } ( و ) إن فاته صومها قبل يوم النحر ( صام ) وجوبا ( أيام منى ) الثلاثة بعد يوم النحر ويكره على المعتمد تأخيرها إلى أيام منى إلا لعذر فإن صام بعضها قبل يوم النحر كملها أيام التشريق ، وإن أخرها عن أيام التشريق صامها متى شاء وصلها بالسبعة ، أو لا وقوله ( بنقص بحج ) يحتمل أنه راجع لقوله : وغير الفدية والصيد إلخ ، فكأنه قال وذلك الغير من هدي ، أو صيام كائن بسبب نقص في حج لكن التقييد بالحج يصير الكلام قاصرا إلا أن يجاب بأن فيه حذف العاطف والمعطوف أي " أو عمرة " ويكون قوله ( إن تقدم ) النقص ( على الوقوف ) شرطا في قوله من إحرامه إلخ [ ص: 85 ] ويحتمل أنه متعلق بصام أي وصام أيام منى بسبب نقص بحج إن تقدم النقص على الوقوف كتعدي ميقات وتمتع وقران ومذي وقبلة بفم وفوات الوقوف نهارا أما نقص متأخر عن الوقوف أو وقع يوم الوقوف كترك مزدلفة ، أو رمي أو حلق ، أو مبيت بمنى أو وطء قبل الإفاضة فيصوم له متى شاء ( و ) صيام ( سبعة إذا رجع من منى ) سواء أقام بمكة أم لا ويندب تأخيرها حتى يرجع لأهله ليخرج من الخلاف ( ولم تجز ) السبعة بضم التاء وسكون الجيم من الإجزاء ( إن قدمت على وقوفه ) أو على رجوعه من منى ثم شبه في عدم الإجزاء قوله ( كصوم أيسر ) بالهدي ( قبله ) أي قبل الشروع فيه ، أو قبل كمال يوم ( أو وجد ) قبله ( مسلفا ) يسلفه ما يهدي به وينظره ( لمال ببلده ) فلا يجزيه الصوم بل يرجع للهدي ( وندب الرجوع له ) أي للهدي إن أيسر ( بعد ) صوم يوم ، أو ( يومين ) وكذا في اليوم الثالث قبل إكماله وأما بعد إكماله فلا يندب له الرجوع لأنها قسيمة فكانت كالنصف .

التالي السابق


( قوله : وهو الفدية ) أي والتخيير فيها بين النسك بشاة فأعلى ، وإطعام ستة مساكين لكل واحد مدان وصيام ثلاثة أيام . ( قوله : وجزاء الصيد ) أي والتخيير فيه بين ثلاثة أشياء إن كان له مثل من النعم وهي : المثل والإطعام بقدر قيمة الصيد والصوم عن كل مد يوما ، وإن لم يكن له مثل خير بين أمرين القيمة طعاما والصوم إلا حمام الحرم ويمامه فإنه يتعين فيه شاة فإن عجز صام عشرة أيام . ( قوله : لترك واجب ) أي كترك الجمار ، ومبيت ليلة من ليالي منى ، وطواف القدوم ، وغير ذلك من واجبات الإحرام ، أو الوقوف أو واجبات الطواف أو السعي . ( قوله : هدي ) خبر عن قوله وغير الفدية وقوله " مرتب " خبر عن محذوف والجملة معترضة بين المبتدأ والخبر لبيان الحكم أي وغير الفدية والصيد هدي إلخ وهو مرتب أي واجب ترتيبه . ( قوله : فضأن ) إنما سكت المصنف عنها لانحصار الهدي في الثلاثة ولو قال المصنف فغنم لأشعر أن هناك مرتبة أخرى يستحب تقديم الغنم عليها . ( قوله : صيام ثلاثة أيام ) أي ويندب فيها التتابع كما يندب في السبعة الآتية أيضا ا هـ عدوي . ( قوله : وأول وقته ) أي صوم الأيام الثلاثة . ( قوله : ويكره على المعتمد إلخ ) أي أن المعتمد من المذهب كما قال الباجي إن صيامها قبل يوم النحر مستحب لا واجب وحينئذ ، فتأخيرها لأيام منى من غير عذر مكروه وهو ظاهر المدونة أيضا وبه صرح ابن عرفة فما وقع لعبق تبعا لعج والشيخ أحمد من أن صيامها قبل يوم النحر واجب ولا يجوز تأخيرها لأيام منى بلا عذر ضعيف انظر بن . ( قوله : قاصرا ) لأنه لا يشمل النقص في العمرة فيقتضي أنه ليس فيه ذلك الغير الكائن من هدي أو صوم وليس كذلك . ( قوله : شرطا في قوله من إحرامه ) أي أن محل جواز صيام الأيام الثلاثة من إحرامه إن تقدم [ ص: 85 ] النقص على الوقوف . ( قوله : ويحتمل أنه إلخ ) قال عبق والأظهر أنه تنازع فيه المصدر والفعل فيكون مراده أن تقدم النقصان على الوقوف بعرفة شرط في أمرين : أحدهما كون صوم الثلاثة من إحرامه إلى يوم النحر ، والثاني كونه إذا فاته صومها قبل يوم النحر صام أيام منى . ( قوله : أو وقع يوم الوقوف ) أي كمذي ، أو قبلة بفم حصل يوم الوقوف . ( قوله : متى شاء ) أي بعد أيام منى الثلاثة فلو صامها لم تجزه ا هـ شيخنا عدوي .

( قوله : وصيام سبعة ) أشار الشارح إلى أن سبعة بالجر عطف على ثلاثة وهذا هو الصواب أي على العاجز عن الهدي صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع من منى ، وإن لم يصلها بالرجوع ولا يصح عطفه على معمول صام لأنه يقتضي تقييد السبعة بالقيود التي قيد بها قوله : صام وليس كذلك بل السبعة تصام في الحج والعمرة تقدم النقص على الوقوف أو تأخر نعم قوله : إذا رجع من منى يقتضي اختصاص السبعة بالحج وليس كذلك ا هـ بن . ( قوله : إذا رجع من منى ) المراد بالرجوع من منى الفراغ من أفعال الحج سواء رجع لمكة ، أو رجع لأهله من منى ، أو أقام بمنى لكونه من أهلها مثلا . ( قوله : ليخرج من الخلاف ) حاصله أنه وقع الخلاف في الرجوع في قوله تعالى { وسبعة إذا رجعتم } ففسره مالك في المدونة بالرجوع من منى سواء كان لمكة ، أو لبلده وهو المشهور وفسره في الموازية بالرجوع للأهل إلا أن يقيم بمكة فإذا أخر صيامها إلى أن يرجع لأهله أجزأ على القولين ، وإن أخر للرجوع لمكة من منى فتجزئ على الأول دون الثاني . ( قوله : ولم تجز إن قدمت على وقوفه ) وهل يجتزئ منها بثلاثة أيام ، أو لا قولان الأول للتونسي والثاني لابن يونس والموضوع أنه لم يصم الأيام الثلاثة بل قدم السبعة أيام على الوقوف وأراد تأخير الصلاة بعده وأما لو قدم العشرة فإنه يجتزئ منها بثلاثة ويصير مطالبا بالسبعة بعد الرجوع من منى . ( قوله : أو على رجوعه ) أي كما لو صام بعضها في أيام منى ابن عاشر : انظر لو أوقع بعضها في أيام منى والظاهر عدم الإجزاء لقوله في الصوم لا سابقية إلا لمتمتع . ( قوله : وندب الرجوع له بعد يومين إلخ ) نحوه لابن الحاجب وابن شاس ، وأصله قول اللخمي استحب مالك لمن وجد الهدي قبل أن يستكمل الأيام الثلاثة أن يرجع للهدي قال طفى وانظر هذا مع قول المدونة في كتاب الظهار : وإن صام ثلاثة في الحج ، ثم وجد ثمن الهدي وفي اليوم الثالث فليمض على صومه فإن وجد ثمنه في اليوم الأول فإن شاء أهدى ، أو تمادى على صومه ا هـ فقد أمره بعد يومين بالتمادي وخيره في أول يوم وكل هذا مخالف لما هنا من ندب الرجوع للهدي إذا وجده بعد يومين قلت قد يقال : يصح حمل ما ذكره المصنف ومتبوعاه على ما في المدونة بأن يراد باستحباب الرجوع بعد يومين أي وقبل الشروع في الثالث كما نقله تت عن ابن ناجي خلافا للخمي وأن المراد بالتخيير الذي فيها عدم اللزوم فلا ينافي الاستحباب تأمله والله أعلم وبما ذكر تعلم أن قول الشارح بوجوب الرجوع للهدي إذا وجده بعد الشروع وقبل كمال يوم غير صحيح ا هـ بن فتحصل أن المعتمد أنه يندب الرجوع للهدي إن أيسر بثمنه قبل كمال صوم الثالث سواء أيسر في اليوم الأول ، أو الثاني أو الثالث وأما إن أيسر بعد كمال الثالث فإنه لا يندب له الرجوع له لكن لو رجع له جاز ; لأنه الأصل .




الخدمات العلمية