الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( ولو مر ) أي كان مارا بشرطين أفاد الأول بقوله ( إن نواه ) وأفاد الثاني بمفهوم قوله الآتي " لا الجاهل " فكأنه قال : إن نوى الوقوف وعلم بأن المار عليه هو عرفة ولكن عليه دم فالاستقرار مطمئنا واجب ( أو ) كان متلبسا ( بإغماء ) حاصل ( قبل الزوال ) وأولى بعده حتى طلع الفجر ولا دم عليه ( أو أخطأ ) في رؤية الهلال ( الجم ) أي جماعة أهل الموقف برمتهم وليس المراد أكثرهم فوقفوا ( بعاشر ) أي في عاشر ذي الحجة ظنا منهم أنه التاسع [ ص: 38 ] بأن غم عليهم ليلة الثلاثين من القعدة ، أو نظروا فلم يروا الهلال فأكملوا العدة ثلاثين يوما فيجزيهم ( فقط ) قيد في قوله " الجم " ، وفي قوله " بعاشر " ليحترز بالأول عن خطإ البعض - ولو أكثرهم - والثاني عن خطئهم فوقفوا بالثامن ولم يستدركوا الوقوف بالتاسع ( لا ) المار ( الجاهل ) بعرفة فلا يجزيه ، وهو عطف على مقدر بعد قوله ولو مر أي يكفي الحضور ولو مر العالم بأنه عرفة لا الجاهل وشبه في عدم الإجزاء قوله ( كبطن عرنة ) بعين مهملة مضمومة وفتح الراء والنون واد بين العلمين اللذين على حد عرفة والعلمين اللذين على حد الحرم فليست عرنة بالنون من عرفة بل ولا من الحرم ( وأجزأ ) الوقوف ( بمسجدها ) أي عرنة بالنون ; لأنه من عرفة بالفاء ونسب لذات النون لأنه لو سقط حائطه القلبي الذي من جهة مكة لسقط في عرنة بالنون ( بكره ) لما قيل : إنه من عرنة بالنون .

التالي السابق


( قوله : ولو مر ) أي من غير أن يطمئن وهذا مبالغة في حضور والضمير المستتر في مر عائد على الحاضر المفهوم من حضور وضمير نواه المستتر عائد على الحاضر وأما البارز فهو عائد على الحضور وقوله : ولو مر ظاهره أن المقابل يقول بعدم إجزاء المرور مطلقا سواء علم به أم لا نوى الوقوف به أم لا ونحوه قول ابن الحاجب ففي المار قولان ا هـ واعترضه في التوضيح بقوله لم أر قولا بعدم الإجزاء مطلقا كما هو ظاهر كلام المصنف ولذا جعل سند محل الخلاف إذا لم يعرفها فقال من مر بعرفة وعرفها أجزأه ، وإن لم يعرفها فقال محمد لا يجزئه والأشهر الإجزاء ا هـ وبحث ح في قوله : والأشهر الإجزاء بأن سندا لم يصرح بأنه الأشهر ، وإنما قال بعد أن حكى عن مالك الإجزاء وهو أبين ا هـ بن . ( قوله : إن نواه ) إنما طلبت النية من المار دون غيره ممن استقر مطمئنا لأنه لما كان فعله لا يشبه فعل الحاج في الوقوف احتاج لنية لعدم اندراج فعله في نية الإحرام بخلاف من وقف لأن نية الإحرام يندرج فيها الوقوف كالطواف والسعي . ( قوله : وعلم بأن المار عليه هو عرفة ) إن قلت : إنه يلزم من نية الوقوف بها معرفتها فلا حاجة للشرط الثاني قلت هذا ممنوع ; لأنه قد ينوي الوقوف بها على فرض أن هذا المحل المار به عرفة وقد يقال إن النية إنما تعتبر إذا كانت جازمة ولا تكون جازمة إلا مع معرفة المحل فتأمل . ( قوله : أو كان ) أي الحاضر متلبسا بإغماء أو نوم ، أو جنون وأشار الشارح بهذا التقرير إلى أن قوله أو بإغماء معمول لمقدر عطف على مر أي ولو كان الحاضر متلبسا بإغماء حصل قبل الزوال واستمر ذلك الإغماء حتى طلع الفجر وهذا محل الخلاف أما لو أغمي عليه بعد الزوال واستمر للغروب ، أو للفجر فإنه يجزئ اتفاقا ومثل الإغماء الجنون والنوم كما علمت قال بعض وانظر لو شرب مسكرا قبل الزوال ، أو بعده حتى غاب أو أطعمه له أحد وفات الوقوف وهو سكران . هل يجزئه ذلك الوقوف أم لا لم أر فيه نصا والظاهر أنه إن لم يكن له في السكر اختيار فهو كالمغمى عليه والمجنون ، وإن كان له فيه اختيار فلا يجزئه كالجاهل بل هو أولى . ( قوله : فوقفوا بعاشر ) أي ثم تبين لهم في بقية يومه ، أو بعده أنه العاشر وأما إذا تبين أنه العاشر قبل الوقوف فلا يذهبوا للوقوف ولا يجزيهم إذا وقفوا كما قال سند وفرق بين الحالتين بأن الأول أوقع الوقوف في وقته المقدر له شرعا والثاني لو وقف كان وقوفه في غير وقته المشروع وهذا الذي قلناه من التفرقة بين الحالتين هو الصواب كما يفيده نقل الشيخ أحمد الزرقاني خلافا لعج ومن تبعه حيث قال بالإجزاء سواء تبين الخطأ بعد الوقوف أو قبله . ( قوله : أي في عاشر ) أشار . [ ص: 38 ] إلى أن الباء بمعنى في لا أنها للسببية ; لأن الوقوف في اليوم العاشر مسبب عن الخطأ لا سبب له . ( قوله : بأن غم عليهم ليلة الثلاثين من القعدة ) أي فكملوا عدته ثلاثين وقوله : أو نظروا أي أو كانت السماء مصحية فنظروا فلم يروا الهلال وأكملوا عدة ذي القعدة ثلاثين . ( قوله : فأكملوا العدة إلخ ) أي ثم وقفوا في تاسع الحجة في ظنهم فتبين أنه العاشر لرؤية الهلال ليلة الثلاثين وقول الشارح : أو أخطأ الجم في رؤية الهلال وأما لو أخطئوا في العدد بأن علموا اليوم الأول من ذي الحجة ، ثم نسوه فوقفوا في العاشر فإنه لا يجزيهم وأما من رأى الهلال وردت شهادته فإنه يلزمه الوقوف في وقته كالصوم قاله سند وانظر هل يجري فيه ما تقدم من الصوم من قوله لا بمنفرد إلا كأهله ومن لا اعتناء لهم بأمره ا هـ شيخنا العدوي . ( قوله : عن خطئهم فوقفوا بالثامن إلخ ) ما ذكره من عدم الإجزاء هو المعتمد خلافا لمن قال بالإجزاء واعلم أن الخلاف في إجزاء الوقوف في الثامن إنما هو إذا لم يعلموا بذلك حتى فات الوقت وأما إذا علموا به قبل فوات الوقت فلا يجزئ اتفاقا ولا بد من إعادته قولا واحدا انظر ح إذا علمت هذا فإذا تذكروا في اليوم التاسع فيقفون اتفاقا ليلة العاشر وأما إن لم يتذكروا في اليوم العاشر فهل يقفون ليلة الحادي عشر ويجزئهم وبه قيل وعليه مشى عبق ، أو لا يجزيهم وهو المعتمد وما قاله عبق ضعيف . ( قوله : لا المار الجاهل ) أشار بتقدير المار إلى أن الجهل بعرفة إنما يضر المار وأما من استقر بها واطمأن فإنه لا يضر جهله بها كما لا يجب عليه نية الوقوف كما مر . ( قوله : بكره ) ما ذكره المصنف من الكراهة مع الإجزاء أخذه مما حكاه الجلاب عن المذهب ، وإن كان ابن عرفة لم يعرج عليه .




الخدمات العلمية