الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الركن الثاني : اللفظ ، وفيه ثلاثة أطراف : أحدها في اللفظ الذي يقع به الطلاق ، والثاني ، في الأفعال القائمة مقامه . والثالث في تفويض الطلاق إلى الزوجة وأحكام تفويضه . أما الأول ، فاللفظ : صريح وهو ما لا يتوقف وقوع الطلاق به على نية ، وكناية وهو ما توقف على نية ، أما الصريح ، فلفظ الطلاق والسراح والفراق وحكى أبو الحسن العبادي ، أن أبا عبد الرحمن القزاز نقل قولا قديما أن السراح والفراق كنايتان ، والمشهور الأول ، فقوله : أنت طالق ، أو مطلقة ، أو يا طالق أو يا مطلقة ، صريح . وقيل : يا مطلقة وأنت مطلقة كناية ، والصحيح الأول . وأما المشتق من الإطلاق كقوله : أنت مطلقة بإسكان الطاء أو يا مطلقة ، فليس بصريح على الصحيح لعدم اشتهاره ، وإن كان الإطلاق والتطليق متقاربين .

                                                                                                                                                                        وفي قوله : أنت طلاق ، أو الطلاق ، أو طلقة وجهان : أصحهما أنه كناية . ولو قال : أنت نصف طلقة ، فكناية . قال البغوي : ولو قال : أنت كل طلقة أو نصف طالق ، فصريح ، كقوله : نصفك طالق .

                                                                                                                                                                        ونقل العبادي خلافا في قوله : أنت نصف طلقة ، ويجوز أن يجيء هذا الخلاف [ ص: 24 ] في قوله نصف طالق . ولو قال : أنت والطلاق أو أنت وطلقة ، فكناية ، أي : قرنت بينك وبينها . وإذا قلنا بالمشهور في لفظي السراح والفراق ، فقوله : فارقتك وسرحتك صريحان ، وفي الاسم منهما وهو مفارقة ومسرحة وجهان ، سواء الوصف ، كقوله أنت مسرحة أو مفارقة ، والنداء كقوله : يا مسرحة أو يا مفارقة ، أصحهما صريحان أيضا ، وقوله : أنت السراح ، أو أنت الفراق على الوجهين في : أنت الطلاق .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال : أردت بقولي : طالق ، إطلاقها من الوثاق ، وبالفراق المفارقة في المنزل ، وبالسراح إلى منزل أهلها ، أو قال : أردت خطاب غيرها فسبق لساني إليها ، دين ولم يقبل ظاهرا ، فلو صرح ، فقال : أنت طالق من وثاق ، أو سرحتك إلى موضع كذا ، أو فارقتك في المنزل ، خرج عن كونه صريحا وصار كناية . قال المتولي : وهذا في ظاهر الحكم ، وأما بينه وبين الله تعالى ، فإنما لا يقع الطلاق إذا كان على عزم أن يأتي بهذه الزيادة من أول كلامه ، فأما إذا قال : أنت طالق ، ثم بدا له فوصل به هذه الزيادة ، فالطلاق واقع في الباطن . ولو لم يكن عازما على هذه الزيادة أولا ثم نواها في أثناء الكلام ، فوجهان سيأتي نظيرهما إن شاء الله تعالى في الاستثناء وغيره ، وكذلك التديين إذا لم يتلفظ بالزيادة ، وقال : نويتها ، إنما يدين إذا كان ناويا من أول الكلام ، فإن حدثت بعد الفراغ من الكلام ، فلا ، وإن حدثت في أثنائه ، فعلى الوجهين .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قوله : أوقعت عليك طلاقي ، صريح ذكره الروياني . ولو قال : لك طلقة ، أو وضعت عليك طلقة ، فوجهان .

                                                                                                                                                                        [ ص: 25 ] فرع

                                                                                                                                                                        ذكر الأصحاب أن صريح الطلاق ثلاثة : الطلاق ، والسراح ، والفراق ، وأهملوا ذكر شيئين هنا أحدهما : لفظ الخلع ، وفي كونه صريحا في الطلاق خلاف سبق ، والثاني : قوله الحلال علي حرام ، وفي كونه صريحا خلاف نذكره إن شاء الله تعالى قريبا .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ترجمة لفظ الطلاق بالعجمية وسائر اللغات ، صريح على المذهب لشهرة استعمالها في معناها عند أهل تلك اللغات ، كشهرة العربية عند أهلها ، وقيل : وجهان . ثانيهما : أنها كناية ، وترجمة السراح والفراق فيها الخلاف ، لكن الأصح هنا أنها كناية ، قاله الإمام والروياني ، لأن ترجمتهما بعيدة عن الاستعمال .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا اشتهر في الطلاق لفظ سوى الألفاظ الثلاثة الصريحة ، كحلال الله علي حرام ، أو أنت علي حرام ، أو الحلال أو الحل علي حرام ، ففي التحاقه بالصريح أوجه ، أصحها : نعم لحصول التفاهم ، وغلبة الاستعمال ، وبهذا قطع البغوي ، وعليه تنطبق فتاوى القفال ، والقاضي حسين والمتأخرين . والثاني : لا ، ورجحه المتولي . والثالث ، حكاه الإمام عن القفال : أنه إن نوى شيئا آخر من طعام أو غيره ، فلا طلاق . وإذا ادعاه ، صدق ، وإن لم ينو شيئا ، فإن كان فقيها يعلم أن الكناية لا تعمل إلا بالنية ، لم يقع ، وإن كان عاميا سألناه عما يفهم إذا سمعه من غيره ، فإن قال : يسبق إلى فهمي منه الطلاق ، حمل على ما يفهم ، [ ص: 26 ] والذي حكاه المتولي عن القفال ، أنه إن نوى غير الزوجة ، فذاك ، وإلا فيقع الطلاق للعرف .

                                                                                                                                                                        قلت : الأرحج الذي قطع به العراقيون والمتقدمون ، أنه كناية مطلقا . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وأما البلاد التي لا يشتهر فيها هذا اللفظ للطلاق ، فهو كناية في حق أهلها بلا خلاف . وفي فتاوى القاضي حسين ، أنه لو كان له امرأتان ، فقال : حلال الله علي حرام إن دخلت الدار فدخل ، تطلق كل واحدة منهما طلقة ، ويوافقه ما ذكره البغوي في " الفتاوى " أنه لو قال : حلال الله علي حرام وله أربع نسوة ، طلقن كلهن إلا أن يريد بعضهن ، لكن ذكر بعده أنه لو قال : إن فعلت كذا ، فحلال الله علي حرام وله امرأتان ففعل ، طلقت إحداهما ، لأنه اليقين ، ويؤمر بالتعيين قال : ويحتمل غيره فحصل تردد .

                                                                                                                                                                        قلت : الظاهر المختار الجاري على القواعد ، أنه إذا لم ينوهما ، لا تطلق إلا إحداهما ، أو إحداهن ، لأن الاسم يصدق عليه ، فلا يلزمه زيادة ، وقد صرح بهذا جماعة من المتأخرين ، وهذا إذا نوى ب : حلال الله علي حرام الطلاق ، وجعلناه صريحا فيه . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية