الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        السبب الثاني : زوال الفراش عن موطوءة بملك يمين ، فإذا أعتق أمته التي وطئها ، أو مستولدته ، أو مات عنها ، وليست في زوجية ولا عدة نكاح ، لزمها الاستبراء ، لأنه زال عنها الفراش ، فأشبهت الحرة ، ويكون استبراؤها بقرء ، كالممتلكة .

                                                                                                                                                                        ولو مضت مدة الاستبراء على أم الولد ، ثم أعتقها سيدها ، أو مات عنها ، فهل يكفي ذلك ، أم يلزمها الاستبراء بعد العتق ؟ وجهان ، وقيل : قولان . أصحهما : الثاني ، كما لا تعتد المنكوحة بما تقدم من الأقراء على ارتفاع النكاح ، والخلاف مبني على أن أم الولد ، هل تخرج عن كونها فراشا بالاستبراء أو الولادة ، وهل تعود فراشا للسيد إذا مات زوجها أو طلقها وانقضت عدتها ، أم لا تعود ولا تحل له إلا بالاستبراء ؟ ولو استبرأ الأمة الموطوءة ، ثم أعتقها ، قال الأصحاب : لا استبراء عليها ، ولها أن تتزوج في الحال ، ولم يطردوا فيها الخلاف الذي في المستولدة ، لأن المستولدة يشبه فراشها فراش النكاح ، ولو لم تكن الأمة موطوءة ، لم تكن فراشا ، ولم يجب الاستبراء بإعتاقها .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لا يجوز تزويج الأمة الموطوءة قبل الاستبراء ، بخلاف بيعها ، لأن مقصود النكاح الوطء ، فينبغي أن يستعقب الحل . وفي جواز تزويج أم الولد خلاف [ ص: 434 ] مذكور في " باب أمهات الأولاد " الأصح الصحة . فعلى هذا ، لا تزوج حتى تستبرأ . ولو استبرأها ، ثم أعتقها ، فهل يجوز تزويجها في الحال ، أم تحتاج إلى استبراء جديد ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        قلت : أصحهما . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ولو اشترى أمة وأراد تزويجها قبل الاستبراء ، فإن كان البائع وطئها ، لم يجز إلا أن يزوجها به . وإن لم يكن وطئها البائع ، أو وطئها واستبرأها قبل البيع ، أو كان الانتقال من امرأة أو صبي ، جاز تزويجها في الحال على الأصح ، كما كان للبائع تزويجها بعد الاستبراء .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا أعتق مستولدته ، أو مات عنها وهي في نكاح أو عدة زوج ، فلا استبراء عليها ، لأنها ليست فراشا للسيد . وخرج ابن سريج قولا أنه يلزمها الاستبراء بعد فراغ عدة الزوج . وحكى السرخسي هذا قولا قديما ، وحكي أيضا عن الإصطخري ، والمذهب الأول ، وهو المنصوص ، وبه قطع الجمهور . وقال الشيخ أبو علي : فعلى المذهب متى انقضت عدة الزوج ، وكان السيد حيا ، عادت فراشا له ، وعلى التخريج لا تعود فراشا حتى يستبرئها . ولو أعتقها ، أو مات عقب انقضاء عدة الزوج ، فقيل : لا استبراء عليها ، والصحيح المنصوص وجوبه . لكن هل يشترط لوجوبه أن يقع إعتاق السيد أو موته بعد انقضاء العدة بلحظة لتعود فيها فراشا للسيد ، أم لا لكون مصيرها فراشا أمرا حكميا لا يحتاج إلى زمن حسي ؟ وجهان . أرجحهما الثاني .

                                                                                                                                                                        [ ص: 435 ] ولو انقضت عدتها ولم يمت السيد ولم يعتقها ، فالمذهب والمنصوص في الجديد : أنها تعود فراشا للسيد ، وتحل له بلا استبراء . وحكي قول قديم : أنها لا تحل له بلا استبراء ، فعلى المذهب ، لو مات السيد بعد ذلك ، لزمها الاستبراء ، وعلى القديم : لا استبراء . والخلاف في حل أم الولد إذا زال حق الزوج ، كالخلاف فيما إذا زال حق الزوج عن الأمة المزوجة ، هل يحتاج السيد إلى استبرائها ؟ لكن الراجح في الأمة الاحتياج . ونقله البندنيجي عن النص ، لأن فراش أم الولد أشبه بالنكاح ، ولهذا ولد أم الولد يلحقه إذا ولدته بعد ستة أشهر من حين استبرائها ، وولد الأمة لا يلحقه ، كذا قاله الروياني .

                                                                                                                                                                        ولو أعتق مستولدته ، أو مات عنها وهي في عدة وطء شبهة ، فهل يلزمها الاستبراء تفريعا على المنصوص فيما إذا كانت في عدة زوج ؟ وجهان . أصحهما الوجوب .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        أعتق مستولدته ، وأراد أن يتزوجها قبل تمام الاستبراء ، جاز على الأصح ، كما يتزوج المعتدة منه بنكاح أو وطء شبهة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        المستولدة المزوجة ، إذا مات عنها سيدها وزوجها جميعا ، فلها أحوال .

                                                                                                                                                                        أحدها : أن يموت السيد أولا ، فقد مات وهي مزوجة ، وقد ذكرنا أنه لا استبراء عليها على المذهب ، فإذا مات الزوج بعده ، اعتدت عدة حرة ، وكذا لو طلقها .

                                                                                                                                                                        الحال الثاني : أن يموت الزوج أولا ، فتعتد عدة أمة شهرين وخمسة أيام ، فإن مات السيد وهي في عدة الزوج ، فقد عتقت في أثناء العدة ، وقد سبق في [ ص: 436 ] أول كتاب العدد الخلاف ، في أنها هل تكمل عدة حرة أم عدة أمة ؟ والمذهب أنه لا استبراء عليها كما ذكرناه قريبا . وإن أوجبناه ، فإن كانت من ذوات الأشهر ، استبرأت بشهر بعد العدة ، وإن كانت من ذوات الأقراء ، استبرأت بحيضة بعد العدة إن لم تحض في العدة ، فإن حاضت في العدة بعد ما عتقت ، كفاها ذلك .

                                                                                                                                                                        وإن مات السيد بعد خروجها من العدة ، لزمه الاستبراء على الأصح تفريعا على عودها فراشا .

                                                                                                                                                                        الحال الثالث : أن يموت السيد والزوج معا ، فلا استبراء ، لأنها لم تعد إلى فراشه . ويجيء فيه الخلاف المذكور ، فيما إذا عتقت وهي معتدة ، وهل تعتد عدة أمة ، أم عدة حرة ؟ وجهان . أصحهما عند الغزالي : عدة أمة ، وقطع البغوي بعدة حرة احتياطا .

                                                                                                                                                                        الحال الرابع : أن يتقدم أحدهما ويشكل السابق ، فله صور .

                                                                                                                                                                        إحداها : أن يعلم أنه لم يتخلل بين موتهما شهران وخمسة أيام ، فعليها أربعة أشهر وعشر من موت آخرهما موتا ، لاحتمال أن السيد مات أولا ، ثم مات الزوج وهي حرة ، ولا استبراء عليها على الصحيح ، لأنها عند موت السيد زوجة أو معتدة . وإن أوجبنا الاستبراء ، فحكمه كما نذكره إن شاء الله تعالى في الصورة الثانية .

                                                                                                                                                                        ولو تخلل شهران وخمسة أيام بلا مزيد ، فهل هو كما لو كان المتخلل أقل من هذه المدة ، أم كما لو كان أكثر منها ؟ فيه الوجهان السابقان .

                                                                                                                                                                        الصورة الثانية : أن يعلم أنه تخلل بين الموتين أكثر من شهرين وخمسة أيام ، فعليها الاعتداد بأربعة أشهر وعشرة أيام من موت آخرهما موتا ، ثم إن لم تحض [ ص: 437 ] في هذه المدة ، فعليها أن تتربص بعدها بحيضة لاحتمال أن الزوج مات أولا ، وانقضت عدتها ، وعادت فراشا للسيد ، وإن حاضت في هذه المدة ، فلا شيء عليها ، وسواء كان الحيض في أول المدة أو آخرها . وقيل : يشترط كونه بعد شهرين وخمسة أيام من هذه المدة لئلا يقع الاستبراء وعدة الوفاة في وقت واحد . قال الأصحاب : هذا غلط ، لأن الاستبراء إنما يجب على تقدير تأخر موت السيد ، وحينئذ تكون عدة الوفاة منقضية بالمدة المتخللة ، ولا يتصور الاجتماع سواء كان الحيض في أول هذه المدة أو آخرها . ولو كانت المستولدة ممن لا تحيض ، كفاها أربعة أشهر وعشرة أيام .

                                                                                                                                                                        الصورة الثالثة : أن لا يعلم كم المدة المتخللة ، فعليها التربص كما ذكرناه في الصورة الثانية ، أخذا بالأحوط ، ولا نورثها من الزوج إذا شككنا في أسبقهما موتا ، فإن ادعت علم الورثة أنها كانت حرة يوم موت الزوج ، فعليهم الحلف على نفي العلم .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        متى قالت المستبرأة : حضت ، صدقت بلا يمين .

                                                                                                                                                                        ولو امتنعت على السيد فقال : قد أخبرتني بانقضاء الاستبراء ، صدق السيد على الأصح ، لأن الاستبراء مفوض إلى أمانة السيد ، ولهذا لا يحال بينه وبينها ، بخلاف المعتدة من وطء بشبهة ، فإنه يحال بين الزوج وبينها . وهل لها تحليف السيد ؟ وجهان . حقيقتهما : أنه هل للأمة المخاصمة ؟ ويقرب منه ما إذا ورث جارية فادعت أن مورثها وطئها ، وأنها حرمت عليه بوطئه ، فلا يلزمه تصديقها . وطريق الورع لا يخفى . وهل لها تحليفه ؟ فيه هذان الوجهان .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح أن لها التحليف في الصورتين ، وعليها الامتناع من التمكين إذا تحققت بقاء شيء من زمن الاستبراء وإن أبحناها له في الظاهر . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 438 ] فصل

                                                                                                                                                                        وطئ السيد أمته في عدتها عن وفاة زوج ، ثم مات السيد ، فعليها إكمال عدة الوفاة ، ثم تتربص بحيضة لموت السيد . فلو مرت بها حيضة في بقية عدة الوفاة ، لم يعتد بها ، لأنهما واجبان لشخصين ، فلا يتداخلان . ولو لم يمت السيد ، لكن أراد تزويجها ، فكذلك تكمل عدة الوفاة ، ثم تتربص بحيضة ، ثم يتزوجها ، ولو أراد أن يطأها بعد عدة الوفاة ، فالصحيح جوازه ، ولا حاجة إلى الاستبراء ، ولو كانت في عدة طلاق ، فوطئها السيد ، ثم مات ، أكملت عدة الطلاق ، ثم تربصت بحيضة لموت السيد ، ولا تحسب المدة من وقت وطء السيد إلى موته إن كان يستفرشها ، كما لو نكحت في العدة وكان الزوج الثاني يستفرشها جاهلا ، هذا كله إذا وطئها ولم يظهر بها حمل .

                                                                                                                                                                        أما إذا وطئها السيد في عدة الوفاة ومات ، فظهر بها حمل وولدت لزمن يمكن أن يكون من الزوج ، وأن يكون من السيد ، عرض على القائف ، فإن ألحقه بالزوج ، انقضت عدتها بالوضع ، وعليها حيضة بعد طهرها من النفاس ، وإن ألحقه بالسيد ، حصل الاستبراء بوضعه ، وعليها بعد إتمام عدة الوفاة . فإن لم يكن قائف ، فعليها إتمام بقية العدة بعد الوضع على تقدير كون الولد من السيد ، وعلى تقدير كونه من الزوج ، فعليها التربص بحيضة بعد الوضع ، فيلزمها أطول المدتين ، فإن وقعت الحيضة في بقية عدة الوفاة ، كفاها ذلك .

                                                                                                                                                                        ولو ظهر بها حمل والصورة في عدة الطلاق ، فولدت لزمان يحتملها ، فإن ألحق بالزوج ، فعليها بعد الوضع حيضة ، وإن ألحق بالسيد ، فعليها بعده بقية العدة ، وإن أشكل ، فعليها بقية العدة ، أو حيضة فتأخذ بأكثرهما .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        اشترى مزوجة ، فوطئها قبل العلم بأنها مزوجة ، وظهر بها حمل ، ومات الزوج ، فإن ولدت لزمن يحتمل كونه منهما ، بأن ولدت لستة أشهر فصاعدا من [ ص: 439 ] وطء السيد ، ولأربع سنين فأقل من وطء الزوج ، عرض على القائف . فإن ألحقه بالزوج ، انقضت العدة بالوضع ، وإن ألحقه بالسيد ، لم تنقض بالوضع ، وكذا لو لم يكن قائف ، أو أشكل عليه ، لم تنقض العدة بالوضع ، لاحتمال كونه من السيد ، وعليها إتمام عدة الوفاة شهرين وخمسة أيام ، ولا تحسب مدة افتراش السيد من العدة .

                                                                                                                                                                        وإن احتمل أن يكون الولد من السيد دون الزوج ، فكذا الحكم ، وإن احتمل كونه من الزوج دون السيد ، انقضت العدة بوضعه ، وهل على السيد الاستبراء بعد العدة ؟ فيه الخلاف السابق ، ولو لم يظهر بها حمل والتصوير كما ذكرنا ، فإما أن يموت الزوج عقب الوطء ، وإما بعده بمدة ، فإن مات عقبه ، اعتدت عدة الوفاة . وهل تحل بعدها للسيد ، أم تحتاج إلى استبراء ؟ فيه الخلاف . ولا يجوز تزويجها إلا بعد الاستبراء بلا خلاف . وإن عاش بعد الوطء مدة ، لزمه اعتزالها إذا علم الحال حتى تنقضي مدة الاستبراء ، كالمنكوحة توطأ بالشبهة . وإذا مات بعد انقضائها ، فليس عليها إلا عدة الوفاة ، وتحل للسيد بعدها ، وله تزويجها بلا استبراء جديد . ولو استفرشها الزوج بعد وطء السيد جاهلا ثم مات ، فإذا قضت عدته ، فهل تحل للسيد بغير استبراء ؟ فيه الخلاف السابق . ولا يجوز تزويجها إلا بعد الاستبراء .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        رجل له زوجة وأمة مزوجة ، حنث في طلاق الزوجة أو عتق الأمة ومات قبل البيان ، ثم مات زوج الأمة ، لزمها أن تعتد بأربعة أشهر وعشرة أيام من يوم مات الزوج ، لاحتمال أن السيد حنث في عتقها ، ويلزم امرأته الأكثر من أربعة أشهر وعشر ، وثلاثة أقراء . فلو كان لزوج الأمة أمة أيضا ، وحنث أيضا هو في عتقها ، أو طلاق زوجته الأمة وماتا قبل البيان ، فعلى كل واحدة الأكثر من أربعة أشهر وعشر ، وثلاثة أقراء .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية