الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 128 ] الطرف الثاني : في التعليق بالتطليق ، ونفيه ونحوهما . قال الأصحاب : الألفاظ التي يعلق بها الطلاق بالشرط والصفات " من " ، و " إن " ، و " إذا " ، و " متى " ، و " متى ما " ، و " مهما " ، و " كلما " ، و " أي " .

                                                                                                                                                                        كقوله : من دخلت منكن ، أو إن دخلت ، أو إذا دخلت ، أو متى ، أو متى ما ، أو مهما ، أو كلما ، أو أي وقت ، أي زمان دخلت ، فأنت طالق . ثم إن كان التعليق بإثبات فعل ، لم يقتض شيء منها الفور‌ ، ولم يشترط وجود المعلق عليه في المجلس ، إلا إذا كان التعليق بتحصيل مال ، بأن يقول : إن ضمنت لي ، أو إن أعطيتني ألفا ، فإنه يشترط الفور في الضمان والإعطاء في بعض الصيغ المذكورة ، كما سبق في كتاب الخلع ، وإلا إذا علق الطلاق على مشيئتها فإنه تعتبر مشيئتها على الفور كما سبق ، وسيأتي إن شاء الله تعالى ، ولا يقتضي شيء من هذه الصيغ تعدد الطلاق بتكرر الفعل ، بل إذا وجد الفعل المعلق عليه مرة ، انحلت اليمين ولم يؤثر وجوده ثانيا إلا " كلما " فإنها تقتضي التكرار بالوضع والاستعمال ، وحكى الحناطي وجها ، أن " متى " ، و " متى ما " يقتضيان التكرار ، ووجها أن " متى ما " تقتضيه دون " متى " ، وهما شاذان ضعيفان .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        إذا قال : إن طلقتك ، أو إذا طلقتك ، أو متى طلقتك فأنت طالق ، ثم طلقها ، نظر إن كان مدخولا بها ، وقع طلقتان ، إحداهما : المنجزة ، والأخرى المعلقة سواء طلق بصريح أو كناية مع النية ، ولو طلقها طلقتين وقع ثلاث ، الثالثة بالتعليق ، ولو قال : لم أرد التعليق ، إنما أردت أني إذا طلقتها تكون مطلقة بتلك الطلقة ، دين ولم يقبل ظاهرا .

                                                                                                                                                                        ولو وكل فطلقها وكيله ، وقعت المنجزة فقط ، لأنه لم يطلقها هو ، وأما إذا لم يكن مدخولا بها ، فيقع ما نجزه وتحصل البينونة ، فلا يقع شيء آخر ، [ ص: 129 ] وتنحل اليمين ، فلو نكحها بعد ذلك وطلقها ، لم يجئ الخلاف في عود الحنث .

                                                                                                                                                                        ولو خالعها وهي مدخول بها ، أو غيرها ، لم يقع الطلاق المعلق لحصول البينونة بالخلع ، ثم إن جعلنا الخلع طلاقا ، انحلت اليمين ، وإن جعلناه فسخا ، لم تنحل ، وحكى الحناطي وجها ، أنه يقع في غير المدخول بها وفي الخلع طلقتان ، وهو غريب ضعيف .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        الطلقة المعلقة بصفة ، هل تقع مع الصفة مقترنة بها ، أم تقع مترتبة على الصفة ؟ وجهان ، أصحهما والمرضي عند الإمام وقول المحققين : أنها معها ، لأن الشرط علة وضعية ، والطلاق معلولها فيتقاربان في الوجود ، كالعلة الحقيقية مع معلولها . فمن قال بالترتيب قال : إنما لم يقع على غير المدخول بها الطلقة الثانية في المسألة السابقة ، لكونها بانت بالمنجزة . ومن قال بالأصح وهو المقارنة ، قال : إنما لم تقع في الثانية ، لأن قوله : إن طلقتك ، فأنت طالق ، معناه : إن صرت مطلقة ، وبمجرد مصيرها مطلقة ، بانت .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        كما أن تنجيز الطلاق تطليق يقع به الطلقة المعلقة بالتطليق في المدخول بها ، فكذا تعليق الطلاق مع وجود الصفة تطليق . فإذا قال : إذا طلقتك فأنت طالق ، ثم قال : إن دخلت الدار فأنت طالق ، فدخلت ، وقع طلقتان ، وكما أن التعليق بالصفة مع الصفة تطليق ، فالتعليق مع الصفة إيقاع للطلاق . فإذا قال : إذا أوقعت عليك الطلاق ، فأنت طالق ، ثم قال : إن دخلت الدار ، فأنت طالق ، فدخلت ، وقع طلقتان . وقال الشيخ أبو حامد : لا يقع إلا طلقة ، وحكاه صاحبا " المهذب " [ ص: 130 ] و " التهذيب " ، وزعم قائله أن لفظ الإيقاع يقتضي طلاقا يباشره بخلاف التطليق ، والصحيح الأول .

                                                                                                                                                                        وأما مجرد الصفة ، فليس بتطليق ولا إيقاع ، لكنه وقوع ، فإذا قال : إن دخلت الدار ، فأنت طالق ، ثم قال : إن طلقتك ، أو إذا أوقعت عليك الطلاق فأنت طالق ، ثم دخلت الدار ، لا يقع المعلق بالتطليق أو الإيقاع ، بل يقع طلقة بالدخول . ولو قال : إن دخلت الدار فأنت طالق ، ثم قال : إن وقع عليك طلاقي ، فأنت طالق ، ثم دخلت الدار ، وقع طلقتان ، وتطليق الوكيل وقوع على الصحيح .

                                                                                                                                                                        وأما مجرد التعليق ، فليس بتطليق ولا إيقاع ولا وقوع .

                                                                                                                                                                        وإذا قال : كلما وقع عليك طلاقي ، فأنت طالق ، ثم طلقها ، وقع ثلاث طلقات ، فيقع بوقوع الأولى ثانية ، وبوقوع الثانية ثالثة .

                                                                                                                                                                        ولو قال : كلما طلقتك فأنت طالق ، ثم طلقها ، وقع طلقتان على الصحيح والمشهور ، وحكى ابن كج عن القاضي أبي حامد وغيره وقوع ثلاث ، وجعله الحناطي قولا منسوبا إلى كتاب البويطي . فإذا قلنا بالصحيح : لا تنحل اليمين لاقتضاء اللفظ التكرار . قال البغوي : لكن لا تظهر فائدة هنا ، لأنه إذا طلقها أخرى ، كان بالمنجزة مستوفيا للثلاث ، ولا تعود اليمين بعد استيفاء الثلاث على المذهب ، ولو قال : كلما طلقتك ، فأنت طالق ، ثم قال : إذا أوقعت عليك طلاقي ، فأنت طالق ، ثم طلقها ، طلقت ثلاثا .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال لها : إذا أعتقت عبدي ، فأنت طالق ، ثم قال للعبد : إن دخلت الدار ، فأنت حر ، ثم دخل ، عتق وطلقت ، لأن التعليق مع الدخول إعتاق كما أنه [ ص: 131 ] تطليق ، ولو قدم تعليق العتق فقال : إن دخلت الدار ، فأنت حر ، ثم قال لامرأته : إن أعتقت عبدي ، فأنت طالق ، ثم دخل العبد ، عتق ولم تطلق المرأة ، فلو قال : إن دخلت الدار ، فأنت حر ، ثم قال لها : إذا عتق أو وقع عليه العتق ، فأنت طالق ، ثم دخل ، عتق وطلقت .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        تحته حفصة وعمرة ، فقال لحفصة : إذا طلقت عمرة ، فأنت طالق ، ثم قال لعمرة : إذا دخلت الدار ، فأنت طالق ، فدخلت ، طلقتا جميعا .

                                                                                                                                                                        ولو قال لعمرة : إن دخلت الدار ، فأنت طالق ، ثم قال لحفصة : إن طلقت عمرة ، فأنت طالق ، ثم دخلت عمرة ، طلقت ولم تطلق حفصة .

                                                                                                                                                                        ولو قال لحفصة : متى وقع طلاقي على عمرة ، فأنت طالق ، وعلق طلاق عمرة بدخول الدار قبل تعليق حفصة أو بعده ، ثم دخلت عمرة ، طلقتا .

                                                                                                                                                                        ولو قال لحفصة : إن طلقت عمرة ، فأنت طالق ، ثم قال لعمرة : إن طلقت حفصة ، فأنت طالق ، ثم طلق حفصة ، طلقت حفصة طلقتين ، وعمرة طلقة .

                                                                                                                                                                        ولو طلق عمرة بدل حفصة ، طلقتا طلقة طلقة فقط .

                                                                                                                                                                        ولو كان تعليق الطلاقين بصيغة " إذا " أو " متى " أو " مهما " أو " كلما " فكذلك الجواب ، لأن التطليق لم يتكرر ، ولا مزية لكلما .

                                                                                                                                                                        ولو قال لحفصة : إن وقع طلاقي على عمرة ، فأنت طالق ، ثم قال لعمرة : إن وقع طلاقي على حفصة ، فأنت طالق ، ثم طلق إحداهما ، طلقت طلقة منجزة وتقع على صاحبتها طلقة بالصفة ، ثم يعود إلى المنجز طلاقها طلقة أخرى بالوقوع [ ص: 132 ] على صاحبتها ، ولو علق هكذا بصيغة " كلما " ، ثم طلق إحداهما ، طلقتا ثلاثا ثلاثا .

                                                                                                                                                                        ولو قال لحفصة : إذا طلقتك ، فعمرة طالق ، ثم قال لعمرة : إذا طلقتك ، فحفصة طالق ، فقد علق بطلاق المخاطبة طلاق صاحبتها بخلاف الصورة السابقة ، وحكم هذه أنه إن طلق بعد ذلك حفصة ، طلقت طلقة فقط ، وطلقت عمرة بالصفة ، ولم تعد إلى حفصة طلقة أخرى ، لأن طلاقها معلق بتطليق عمرة ، ولم يطلق عمرة بعد ما علق طلاق حفصة تنجيزا ، ولا أحدث تعليقا .

                                                                                                                                                                        ولو طلق عمرة أولا ، طلقت طلقة منجزة ، وطلقت حفصة طلقة بالصفة ، وعاد بطلاقها إلى عمرة طلقة أخرى .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        تحته أربع ، فقال : كلما طلقت واحدة منكن ، فالأخريات طوالق ، ثم طلق واحدة ، طلقن طلقة طلقة ، فإن طلق أخرى ، طلقن أخرى أخرى ، فإن طلق ثالثة ، طلقن ثلاثا ثلاثا ، ولو قال : كلما طلقت واحدة منكن ، فأنتن طوالق ، ثم طلق إحداهن ، طلقت هي طلقتين ، والباقيات طلقة طلقة ، فإن طلق ثانية ، تم لها وللأولى ثلاث ثلاث ، وللثالثة والرابعة ، طلقتان طلقتان ، فإن طلق إحداهما ، تم لهما أيضا الثلاث .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        له نسوة نكحهن مرتبا ، فقال : إن طلقت الأولى ، فالثانية طالق ، وإن طلقت الثانية ، فالثالثة طالق ، وإن طلقت الثالثة فالأولى طالق ، فإن طلق الأولى طلقت هي والثانية دون الثالثة ، وإن طلق الثانية ، طلقت هي والثالثة دون الأولى ، وإن طلقت الثالثة ، طلقت هي والأولى والثانية ، وإن طلق واحدة لا بعينها ومات قبل البيان ، فإن كان الطلاق قاطعا للإرث ، لكونه [ ص: 133 ] ثلاثا ، أو قبل الدخول ، فليس للثانية المخاصمة للميراث لأنها مطلقة على كل تقدير ، وللأولى والثالثة المخاصمة ، لأن احتمال عدم الطلاق قائم في حق كل منهما ، فيوقف الأمر إلى الاصطلاح .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        له أربع نسوة وعبيد ، فقال : إن طلقت واحدة من نسائي ، فعبد من عبيدي حر ، وإن طلقت ثنتين ، فعبدان حران ، وإن طلقت ثلاثا ، فثلاثة أعبد أحرار ، وإن طلقت أربعا ، فأربعة أعبد أحرار ، ثم طلقهن معا ، أو على الترتيب ، عتق عشرة أعبد ، وهكذا الحكم إذا علق بصيغة " إذا " أو " متى " أو " مهما " ، وما لا يقتضي التكرار ، أما إذا علق هذه التعليقات بلفظ " كلما " ثم طلقهن معا ، أو على الترتيب ، فيعتق خمسة عشر عبدا ، وقيل : عشرة ، وقيل : سبعة عشر ، وقيل : عشرون ، وقيل : ثلاثة عشر ، حكاه القاضي أبو الطيب في كتابه " المجرد " ، والصحيح الأول ، واتفق الأصحاب على تضعيف ما سواه ، والرجوع في تعيين العبيد إليه .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية