الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        النوع الثالث : في التشريك ، فإذا قال لأربع نسوة : أوقعت عليكن طلقة ، وقع على كل واحدة طلقة

                                                                                                                                                                        [ فقط ] ولو قال : طلقتين أو ثلاثا أو أربعا ، وقع على كل واحدة طلقة فقط ، إلا أن يريد توزيع كل طلقة عليهن ، فيقع في طلقتين ، على كل واحدة طلقتان ، وفي ثلاث وأربع ، ثلاث .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا الذي ذكره هو المنصوص في " الأم " ، وبه قطع الجمهور ، وقال أبو علي الطبري : يحمل على التوزيع وإن لم ينوه . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ولو قال : أوقعت عليكن خمس طلقات ، طلقت كل واحدة طلقتين ، إلا أن يريد التوزيع ، وكذلك في الست ، والسبع ، والثمان . وإن أوقع تسعا ، طلقت [ ص: 89 ] كل واحدة ثلاثا . وإن قال : أوقعت بينكن طلقة ، طلقت كل واحدة طلقة . فإن قال : أردت بعضهن دون بعض ، دين ولا يقبل ظاهرا على الأصح ، وقطع به جماعة . قال الإمام والبغوي وغيرهما : الوجهان مخصوصان بقوله : أوقعت بينكن . أما قوله : عليكن ، فلا يقبل تفسيره هذا قطعا ، بل يعمهن الطلاق .

                                                                                                                                                                        واعلم أنا قدمنا في قوله : نسائي طوالق عن ابن الوكيل وغيره ، أنه يقبل تخصيصه بعضهن ، وذلك الوجه يجيء هنا لا محالة ، فكان قول الإمام وغيره تفريعا على الصحيح هناك . وإذا قلنا : لا يقبل في قوله : بينكن ، فذلك إذا أخرج بعضهن عن الطلاق ، وعطل بعض الطلاق ، فأما إذا فضل بعضهن كقوله : أوقعت بينكن ثلاث طلقات ، ثم قال : أردت طلقتين على هذه ، وتوزيع الثالثة على الباقيات ، فيقبل على الأصح المنصوص ، وبه قطع الشيخ أبو علي . والثاني حكاه ابن القطان : يشترط استواؤهن ، وحكي وجه ، أنه يقبل تفسيره وإن تعطل بعض الطلاق حتى لو قال : أوقعت بينكن أربع طلقات ، ثم خصصها بامرأة قبل ، وهذا ضعيف . وحيث قلنا : لا يقبل ، فذلك في نفي الطلاق عمن نفاه عنها أما إثباته على من أثبته عليها ، فيثبت قطعا مؤاخذة له .

                                                                                                                                                                        ولو قال : أوقعت بينكن خمس طلقات ، لبعضكن أكثر مما لبعض ، فيصدق في التفصيل بلا خلاف ، وفي تصديقه في إخراج بعضهن الخلاف .

                                                                                                                                                                        ولو قال : أوقعت عليكن نصف طلقة ، أو ثلثها ، وقع على كل واحدة طلقة . ولو قال : أوقعت بينكن ثلث طلقة ، وخمس طلقة ، وسدس طلقة ، بني على الخلاف السابق فيما إذا خاطب به واحدة . فإن قلنا : لا يقع به إلا واحدة ، فكذا هنا ، فتطلق كل واحدة طلقة ، وإن قلنا بالمذهب : وهو وقوع الثلاث ، طلقت كل واحدة ثلاثا ، لأن تغاير الأجزاء وعطفها ، يشعر بقسمة كل جزء بينهن . [ ص: 90 ] وقال الإمام : ويحتمل أن تجعل كما لو قال : أوقعت بينكن ثلاث طلقات ، فتطلق كل واحدة طلقة . ولو قال : أوقعت بينكن طلقة وطلقة وطلقة ، فيجوز أن يقال : هو كقوله : ثلاث طلقات ، تطلق كل واحدة طلقة ، ويجوز أن يقال : تطلق كل واحدة ثلاثا لإشعاره بقسمة كل طلقة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        طلق إحدى امرأتيه ثم قال للأخرى : أشركتك معها ، أو جعلتك شريكتها ، أو أنت كهي ، أو مثلها ، ونوى طلاقها ، طلقت وإلا فلا ، وكذا لو طلق رجل امرأته فقال آخر لامرأته : أشركتك معها ، أو أنت كهي ، ونوى ، طلقت . ولو كان تحته أربع ، فقال لثلاث منهن : أوقعت عليكن أو بينكن طلقة ، فطلقن واحدة واحدة ، ثم قال للرابعة : أشركتك معهن ونوى الطلاق ، نظر إن أراد طلقة واحدة لتكون كواحدة منهن ، طلقت طلقة ، وإن أراد أنها تشارك كل واحدة طلقتها ، طلقت ثلاثا . وإن أطلق نية الطلاق ولم ينو واحدة ولا عددا ، فوجهان : أصحهما وبه قال الشيخ أبو علي : تطلق واحدة ، وقال القفال : طلقتين ، لأن التشريك يقتضي أن يكون عليها نصف ما عليهن وهو طلقة ونصف ، فتكمل . ولو قيل على هذا التوجيه : تطلق ثلاثا مثلهن ، لم يكن بأبعد منه ، ولو طلق اثنتين ثم قال للأخريين : أشركتكما معهما ونوى الطلاق ، فإن نوى كون كل منهما كواحدة من الأوليين ، طلقت كل واحدة منهما طلقة ، وإن نوى كون كل واحدة كالأوليين معا في الطلاق أو أن تشارك كل واحدة منهما كل واحدة من الأوليين في طلقتيهما ، طلقتا طلقتين طلقتين . وإن أطلق ، طلقت كل واحدة طلقة على قولي القفال وأبي علي جميعا ، لأن القفال يشركهما فيجعل لهما نصف ما للأوليين ، وهو طلقة فتقسم وتكمل .

                                                                                                                                                                        [ ص: 91 ] فرع

                                                                                                                                                                        قال : أنت طالق عشرا ، فقالت : تكفيني ثلاث ، فقال : الباقي لضرتك ، لا يقع على الضرة شيء ، لأن الزيادة على الثلاث لغو . ولو قالت : تكفيني واحدة فقال : الباقي لضرتك ، وقع عليها ثلاث ، وعلى الضرة طلقتان إذا نوى ، ذكره البغوي ، ولو طلق إحدى امرأتيه ثلاثا ثم قال للثانية : أشركتك معها ، قال الشاشي : يقع على الثانية طلقة ، وتردد البوشنجي في طلقة أم ثلاث .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية