الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا شرط المرتهن منفعة الرهن ، والدين قرض - امتنع ; لأنه قرض للنفع أو من بيع ، وشرط للراهن أجلا معينا ، جاز في الدور ، والأرضين ، وكره في [ ص: 87 ] الحيوان ، والثياب إذ لا يدري كيف ترجع إليه . قاله مالك . وأجاز ذلك كله ابن القاسم .

                                                                                                                قال ابن يونس : على التعليل بالتغيير يمنع رهن الثمر قبل بدو صلاحه ، والآبق في البيع . وفي كتاب الحمالة إذا وقع في البيع حمالة غرر فسد عند ابن القاسم ، ويجوز البيع عند أصبغ . وقد قيل إذا رهن من ذمي خمرا في البيع لا يفسد البيع ، وترد الخمر للذمي ، فلو غفل عنها حتى تخللت ، فهو أحق بها توفية بالعقد . فإن باع الرهن المشترط منفعته ، وهو مما يغاب عليه قيل : يضمنه ; لأنه رهن يغاب عليه ، وقيل : لا كالعين المستأجرة ، وهو مستأجر ، وقيل : ينظر ما ينقص بالإجارة إن كان يوما مثلا استؤجر شهرا ، فقيل : ينقص الربع ، فربعه غير مضمون . فإن قام بدعوى الضياع سقط ضمان ذلك القدر ، وإن لم يقم إلا عند حلول الأجل لا يضمن عند ابن القاسم أن الضياع قبل قيامه للتهمة ، وخالفه غيره أن الأصل عدم الضمان . وأجاز في الكتاب إجارة المصحف فيجوز اشتراط منفعته . قال مالك : ولا يجوز له أن يوسع له في الانتفاع بعد تمام البيع ، ولا بعد الارتهان ; لأنه رشوة لرب الدين ليؤخر عنه دينه .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : لا يرهن ما لا يعرف بعينه من طعام ، وغيره من المثليات إلا أن يطبع عليه خشية انتفاع المرتهن ، ويرد مثله . ولا يطبع على الحلي حذرا من اللبس كما يفعل ذلك في سائر العروض ; لأنه يعرف بعينه ، وجوز الأئمة الكل مطلقا . قال ابن يونس : وعن أشهب يمتنع رهن الدنانير بغير طبع ، فإن فعل طبع عليها بعد ذلك ، ولا يفسد الرهن ولا البيع لعدم تحقق الفساد ، وما بيد أمين لا يطبع عليه ، وما أرى ذلك عليه في الطعام ، والإدام ، وما لا يعرف بعينه . ولو اعتبرت التهمة مطلقا اطردت في الحلي لجواز لبسه في العيد .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : لا يرهن مسلم من ذمي خمرا ، ولا خنزيرا ، وقال الأئمة : لأنه [ ص: 88 ] لا يستوفي منه الحق . قال ابن يونس : قال أشهب : إن قبضه ثم فلس الذمي ، فهو أسوة الغرماء لبطلان الحوز شرعا إلا أن يتخلل . ولو أراد المسلم إيقاف الخمر بيد النصراني أريقت ، ولا يلزمه إخلاف الرهن لصدوره على معين . وإن ارتهن مسلم عصيرا ، فصارت خمرا دفعها للسلطان ، فتراق إن كان الراهن مسلما ، وإلا ردت للذمي ; لأن ملكه معصوم فيها .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال صاحب البيان : قال مالك : لا يجوز استثناء حمل في الرهن ، وليس بالبين لامتناع الغرر في البيع دون الرهن ، وينبغي أن يعلل بأنه لما امتنع الجنين دونها اتباعا للعمل بغير قياس امتنعت دونه بغير قياس ، والقياس الجواز فيهما كالثمرة التي لم تؤبر دون أصلها ، وأصلها دونها .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : أرش جراح العبد يدخل في الرهن اتفاقا ; لأنها بدل جزئه ، وما تنقص قيمته كالمأمومة ، والمنقلة ، والجائفة ، والموضحة ، فللسيد إلا أن ينقص ذلك قيمته ، فللمرتهن أخذ اليسير بقدر ما نقصت قيمته .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إذا بعت بقرة إلى شهر ، وارتهنت عبدا على أن تأخذ كل يوم غلته درهما من الثمن لم يجز ; لأنه بيع بثمن غرر إلا أن يضمن السيد إن تعذر دفعه من قبله ، أو يتطوع بالرهن بعد العقد فيجوز . ويجوز في السلف مطلقا إلا أن يتطوع بذلك على أن يرد عليه العبد فيمنع في البيع ، والسلف ، وإن ضمنه السيد .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : قال ابن القاسم : يمتنع أن ترتهن دينا عليك في ثمن سلعة بعينها إلى أجل أبعد من أجل الدين ; لأنه بيع ، وسلف ; لأن تأخير الدين بعد حلوله [ ص: 89 ] سلف إلا أن يشترط وضع الدين على يدي عدل ، فإن لم يفعل ، وفاتت السلعة ، فالأقل من القيمة ، أو الثمن .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الجواهر : لا يشترط أن يكون الرهن ملكا للراهن ، بل يستعير ليرهن . وقاله ( ش ) . فإن استوفى من ثمن الرهن المعار رجع المعير على المستعير عند ابن القاسم بقيمة المرهون ; لأنه أتلف العين فيلزمه قيمتها . وقال أشهب و ( ش ) : بل بمثل ما أدي عنه من ثمنه ; لأن عقد العارية ينقل منفعة العين ، والمنفعة هاهنا التوثق ، ووفاء الدين فيضمن الدين . واشترط ( ش ) علم المعير بقدر الدين ، وجنسه ، ومحله لامتناع ضمان المجهول عنده .

                                                                                                                قال في الجواهر : فلو فضلت من الدين فضلة بعد قضاء السلطان بالبيع ، والوفاء ، فأوقفها ، فضاعت ، فمن ربها ، وليس على المستعير إلا ما قضي عنه . فلو هلك في يد المرتهن لا يتبع المعير المستعير بقيمته إن كان مما يغاب عليه ; لأنه تحت يد غيره ، وقاص المستعير المرتهن كما لو كان له ، وإن كان مما لا يغاب عليه ، فلا قيمة على المرتهن ، ولا على المستعير . ولو أعرته عبدا ليرهنه في دراهم ، فرهنه في طعام ، فهو ضامن له لتعديه . وقال أشهب : لا ضمان عليه ، ويكون هنا في عدد الدراهم التي رهن بها ربه تمسكا بأصل الإذن ، وعمومه ، وإن تعذر خصوصه .

                                                                                                                وفي الكتاب : لو كان ( عبدا ) فأعتقه المعير ، وأنت مليء بعد العتق عجلت الدين لربه إلا أن تكون قيمته أقل من الدين ، فلا يلزمك إلا تعجيل قيمته ، ويرجع عليك المعير بذلك بعد أجل الدين لا قبله . قال ابن يونس : عن مالك : إذا بيعت العارية يتبعه بقيمتها . وقول مالك في الكتاب : ضمنت قيمتها ، يريد وكذلك يلزم المرتهن ، وإنما يضمن إذا رهن في عين المستعار له إذا أقر له المستعير بذلك ، وخالفهما المرتهن ، وامتنع المعير من الحلف فيكون رهنه رهنا فيما أقر به ، فإن نكل ضمن تعديه . وقوله في العتق خالفه أشهب ، وقال : يحلف المعير ما أعتقه ليؤدي الدين ، ويبقى رهنه حتى يقبض من ثمنه إن بيع ، أو يفي فينفذ العتق . فإن نكل لزمه [ ص: 90 ] الأقل من قيمته ، أو الدين ، ونفذ العتق ، ولم يره مثل الذي عليه الدين نفسه يعتق عبده بعد رهنه ، بل مثل من أعتق بعد الجناية . والفرق أنها أخرجته من ملك ربه إلا أن يفديه ، والعارية باقية على ملك ربها .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الجلاب : إذا اشترط أن المبيع رهن بالثمن لأجله جاز إلا في الحيوان ; لأنه مبيع يتأخر قبضه ، والحيوان سريع التغير . قال الأبهري : ومتى كان الأجل تتغير في مثله السلعة امتنع للغرر ، وبيع معين يتأخر قبضه ، ويجوز في الحيوان ثلاثة أيام للأمن عليه غالبا في ذلك .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في البيان : لك أذهاب لآجال مختلفة ، فبعته على أن يرهن بالثمن ، والأذهاب ، ويتحد أجلها يمتنع ; لأنه بيع وسلف ; لأنه إن شرط الحلول ، أو أقرب الآجال ، فالمبتاع المسلف ، أو أبعدها ، ومؤخرة كلها ، فالسلف من البائع ، ولو بقاها على آجالها . وكذلك يمتنع إن دفعت له شيئا ، أو أسقطت عنه بعض الدين ليرهن ; لأنك في البيع أسقطت بعض الثمن لأجل الرهن ، وعن مالك جميع ذلك جائز ، وهو الأظهر .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال اللخمي : ابتاع على أن يترك المبيع رهنا بثمنه إلى أجل الثمن امتنع ، وإن جعله بيد أجنبي جاز ; لأنه اشترى شيئا لا يدري متى يقبضه ، ولعله يطول مدة طويلة . وجوزه ابن حبيب في العقار أن يبقى بيد البائع بخلاف العبد إلا أن يوضع على يد أجنبي ، فأجازه ابن الجلاب في غير الحيوان ، ولم يراع من يوضع على يده ، وأجازه ابن القصار مطلقا كما لو رهنه غير مبيع .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا أرهنت عبده ميمونا ، ففارقته قبل قبضه - لك أخذه ما لم [ ص: 91 ] يقم الغرماء ، فتكون أسوتهم ، فإن باعه قبل القبض مضى البيع ، وليس لك مطالبته برهن غيره ; لأن تركك إياه حتى باعه كبيعك إياه ، وبيعك إياه ماض بخلاف لو شرطت رهنا غير معين ، فلم يجز لك - نقض بيعك وتركه بغير رهن . وهذا إذا سلمت السلعة المبيعة ، فإن لن تدفعها ، فباع المشتري الرهن قبل القبض أنه لا تكون الخدمة رهنا ; لأنها غلة . قال أشهب : سواء اشترط رهنا ، أو حميلا يجبر على الإتيان به إلا أن يعجز . قال ابن القاسم : وإن اشترط عبدا غائبا جاز ، ويوقف المبيع حتى يقدم العبد ، فإن هلك لم يكن للراهن الإتيان برهن مكانه إلا برضا البائع . قال أشهب : إن بعدت الغيبة امتنع البيع إلا أن يكون الرهن عقارا ، أو يقبض المبيع ; لأن البعد في بيع العقار لا يصح ، وجوز في العبد اليومين .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال ابن يونس : قال عبد الملك : إذا استحق المعين ، واتهم أنه غره حلف أنه ما علم بذلك ، وإن قامت بعلمه بينة فعليه البدل . قال اللخمي : قال مالك : إذا استحق بعض الثياب الرهن ، فالباقي رهن بجميع الحق ; لأن الرهن تعلق الحق به ، وبأجزائه بطريق الأولى لشدة الحاجة حينئذ للتوثق . فإن ضاع في يد المرتهن ضمن نصفه للراهن ، وإن وضعه على يد المستحق ، أو غيره لم يضمن لعدم يده عليه . ولو غاب الراهن ، وقال المستحق : يكون على يدي ، أو على يد فلان لم يكن للمرتهن ذلك دون نظر الحاكم . وإن ادعى المرتهن ضياعه قبل الاستحقاق ضمن نصيب الراهن ، وضمنه ابن القاسم نصيب المستحق ، وقيل : يحلف لقد ضاع ، ويبرأ .

                                                                                                                قال مالك : فإن قال المستحق : أنا أبيع نصيبي ، فليبع الراهن ، والمرتهن معه ، ولا يسلم المرتهن فيكون ثمنه رهنا في يده بجميع حقه . وقال أشهب : إن بيع قبل الدين يعجل ذلك الثمن من دينه لعدم انتفاع الراهن بإيقافه إلا أن يأتي الراهن برهن آخر ، أو يقول آتي به في المستقبل ، أو يكون الدين مخالفا لما بيع ، فلا يعجل .

                                                                                                                [ ص: 92 ] فرع

                                                                                                                في الكتاب : يجوز رهن جلود السباع المذكاة ، وبيعها ، دبغت أم لا ؛ لذهاب الفضلات المستقذرة الموجبة للنجاسة ومنع البيع بالذكاة . وتمنع جلود الميتة ، وبيعها لما في الصحيح : آخر ما كتب به - عليه السلام - أن لا ينتفع من الميتة بشيء ، ويجوز ما لا يجوز بيعه في وقت دون وقت كزرع ، أو ثمر لم يبد صلاحه . فإن مات الراهن قبل أجل الدين ، ولم يبد صلاح الزرع ، أو الثمر ، فحل الدين الذي عليه عجل من ماله ، ويسلم الرهن لربه . وإن لم يدع مالا انتظر وقت جواز بيع الزرع فيؤخذ منه . قال ابن يونس في كتاب الصلح : جواز ارتهان الغلات بخلاف الأجنة . قال محمد : يجوز البعير الشارد ، والعبد الآبق إن قبضه قبل موت صاحبه ، أو فلسه خلافا لـ ( ش ) ; لأن الثمن بإزاء المبيع ، والرهن لم يبدل به ثمن ، فلا يضر الغرر فيه لعدم إخلاله بالمالية الذي هو علة المنع . وفي مورد النص قال ابن يونس : يجوز ارتهان ما تلد هذه الجارية ، أو هذه الغنم ، وجوز أحمد بن ميسر الأجنة كالآبق ، وكرهه ابتداء .

                                                                                                                قال اللخمي : الأعيان خمسة أقسام : ما يجوز بيعه وملكه ، فيجوز رهنه مطلقا ، شرط في أصل العقد أم لا ، وما يجوز ملكه ، ويمتنع بيعه لعذر في بعض الأحوال كالثمر قبل بدو صلاحه ، والآبق ، والشارد ، والجنين فيجوز رهنه في أصل القرض ، وبعد تقرره في الذمة في البيع بعد العقد ، واختلف فيه في أصل العقد ، وما يجوز ملكه ، ويمتنع بيعه لا لعذر كأم الولد ، وجلود الميتة قبل الدباغ ، وعظام الفيل ، وما لا يملك كالخمر ، والسم ، ونحوهما ، فهذان لا يرهنان لامتناع البيع عند الحاجة ، وما اختلف في جواز بيعه كجلود الميتة بعد الدباغ ، وجلود السباع قبل الدباغ ، وبعده ، والكلب المأذون فيه ، فمن جوز بيعها جوز رهنها ، ومن لا فلا . وإن رهن خدمة المدبر مدة معلومة يجوز بيعها ليواجر المرتهن تلك المدة ؛ جاز في عقد البيع ، أو بعده ، أو جميع خدمته ؛ جاز بعد العقد ، واختلف إن رهن في العقد . وإن رهن رقبته على إن مات الراهن ولا [ ص: 93 ] مال له بيع ، وكان في أصل العقد فعلى الخلاف في رهن الغرر ; لأنه لا يباع له الآن ، ولا يدرى متى يموت السيد ، وهل يبقى المدبر أم لا . وإن رهن رقبته ليباع الآن امتنع . ويختلف هل يعود حقه في الخدمة ، وتباع له وقتا بعد وقت حسب ما يجوز من بيعها . وقد اختلف فيمن رهن دارا ثم أظهر أنها حبس ، فقيل : لا شيء له من غلتها ; لأنه إنما رهنه الرقبة ، وقيل : يكون له ما يصح للراهن ملكه ، وهو المنافع المحبسة عليه ، وكذلك المدبر . واختلف في رهن الغرر والجهالة إلى أجل غير محقق في عقد البيع ، فمنع ; لأن له حصة من الثمن ، وأجيز لخروج ذلك عن أركان العقد ، ويجري ثالث أنه إن رضي البائع بإسقاطها جاز .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إن رهنه على أنه إن مضت سنة خرج من الرهن لا يكون رهنا . قال ابن يونس : قال محمد : ويختص به الراهن دون الغرماء لفساده بالشرط المخالف لعقد الرهن .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية