الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفصل الخامس : في نذر الاعتكاف

                                                                                                                وفي الكتاب : من نذر اعتكاف يوم وليلة لزمه ذلك أو عكوف ليلة أو يوم لزمه يوم وليلة خلافا ل ( ش ) في الثاني ، أو عكوف شهر لا يفرقه ، وليعتكف ليله ونهاره واستتباع الليل للنهار ; لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " من صام رمضان وأتبعه بست من شوال " . ولم يقل بستة فأعرض عن الأيام وذكر الليالي ، لاندراج الليلة في لفظ اليوم . قال سند : فلو اقتصر على النهار لا يجزيه عند سحنون خلافا لعبد الوهاب ، وروي الإجزاء عن مالك .

                                                                                                                ولو نذر عكوف بعض يوم لا يصح عندنا وعند ابن حنبل ، خلافا ( ش ) على أصله في عدم اشتراط الصوم ، ونحن على أصلنا في اشتراطه ، وكان بعض السلف إذا جلس في المسجد ساعة يأمر جلساءه بنية الاعتكاف ليحصل أجره [ ص: 546 ] على رأي من يعتقده .

                                                                                                                وأما وجوب المتابعة في أيامه فللسنة ، ولأن الاعتكاف معناه الملازمة ، والملازم لا يفارق ، فقد تناول لفظه عدم التفريق ، قال ابن القاسم في الكتاب : من نذر اعتكاف شهر بعينه فمرض فلا شيء عليه ، وإن أفطره فعليه القضاء . فإن حاضت المرأة وصلت القضاء باعتكافها قبل [ ذلك ، فإن لم تصل ابتدأت ، قال سند : إن حاضت أول الشهر فلا قضاء إلا يوم ] حيضها على المشهور .

                                                                                                                وعلى القول بالقضاء ، فبأنها لا تقضي عند سحنون إلا في رمضان : فلو مرضت في أول الشهر ثم حاضت قضت المفرط فيه ، فإن مرضت في وسطه فكالحيض .

                                                                                                                قال ابن القاسم في الكتاب : وناذر أيام التشريق كناذر الصوم فيها يلزمه الرابع فقط ، قال سند : قال أبو الفرج تلزمه كلها ، ويتخرج اليوم الرابع على جواز صومه ، وناذر الاعتكاف بمسجد الفسطاط إذا اعتكف بمكة أجزأه ، ولا يجب الخروج إلا إلى مكة والمدينة وبيت المقدس ، فلو نذره بمسجد المدينة لم يجزه بالفسطاط ; لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ، ومسجدي هذا " . ولو نذره بالمدينة ، وجب عليه السعي ولو كان بمكة أو بيت المقدس . وفي الكتاب : إذا نذر صوما بموضع يتقرب بإتيانه إلى الله تعالى ، لزمه ذلك ولو كان بمكة والمدينة ، قال ابن يونس : ومن نذر اعتكافا بساحل من السواحل اعتكف في موضعه بخلاف الصوم ; لأن الصوم لا يمنعه من الحرس .

                                                                                                                قال سند : والفرق بين نذر الصوم بموضع إتيانه قربة ، وبين نذر الاعتكاف بالفسطاط : أن المساجد في حرمة الصلوات سواء إلا الثلاثة التي في الحديث ، [ ص: 547 ] وسد الثغور في الرباط يختص فضله ببعض المواضع ، وفي الجواهر إذا قال : أعتكف في هذا الشهر فسد أوله بتعمد إفساد آخره واستأنفه متتابعا ، والشروع كالنذر ، وفي الكتاب : من نذره ثم مات وأوصى بالإطعام عنه ، أطعم عنه عدد الأيام مدا مدا لكل مسكين ، ولو نذره مريضا لا يستطيع الصوم ثم مات قبل صحته وأوصى بالإطعام إن لزمه فلا شيء عليه ، قال سند : ولا إطعام في الاعتكاف ، لكن لما أوصى انصرف إلى عرف الشرع في الإطعام .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية