الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما الذي يرجع إلى الوكيل فهو أن يكون عاقلا ، فلا تصح وكالة المجنون ، والصبي الذي لا يعقل ، لما قلنا .

                                                                                                                                وأما البلوغ ، والحرية ، فليسا بشرط لصحة الوكالة ، فتصح وكالة الصبي العاقل ، والعبد ، مأذونين كانا أو محجورين وهذا عند أصحابنا .

                                                                                                                                وقال الشافعي - رحمه الله - وكالة الصبي غير صحيحة ; لأنه غير مكلف ، ولا تصح وكالة المجنون .

                                                                                                                                ( ولنا ) ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { لما خطب أم سلمة قالت : إن أوليائي غيب يا رسول الله فقال : صلى الله عليه وسلم ليس فيهم من يكرهني ثم قال لعمرو ابن أم سلمة : قم فزوج أمك مني فزوجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان صبيا } والاعتبار بالمجنون غير سديد ; لأن العقل شرط أهلية التصرفات الشرعية ، وقد انعدم هناك ووجد هنا ; فتصح وكالته كالبالغ إلا أن حقوق العقد من البيع ونحوه ، ترجع إلى الوكيل إذا كان بالغا ، وإذا كان صبيا ترجع إلى الموكل ، لما نذكر في موضعه إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                وكذا ردة الوكيل : لا تمنع صحة الوكالة ; فتجوز وكالة المرتد ، بأن وكل مسلم مرتدا ; لأن وقوف تصرفات المرتد ; لوقوف ملكه والوكيل يتصرف في ملك الموكل ، وإنه نافذ التصرفات .

                                                                                                                                وكذا لو كان مسلما وقت التوكيل ، ثم ارتد ، فهو على وكالته لما قلنا إلا أن يلحق بدار الحرب ، فتبطل وكالته لما نذكر في موضعه .

                                                                                                                                ( وأما ) علم الوكيل : فهل هو شرط لصحة الوكالة ؟ لا خلاف في أن العلم بالتوكيل في الجملة شرط ، إما علم الوكيل ، وإما علم من يعامله حتى أنه لو وكل رجلا ببيع عبده ، فباعه الوكيل من رجل قبل علمه ، وعلم الرجل بالتوكيل ، لا يجوز بيعه حتى [ ص: 21 ] يجيزه الموكل ، أو الوكيل بعد علمه بالوكالة ; لأن حكم الآمر لا يلزم إلا بعد العلم بالمأمور به ، أو القدرة على اكتساب سبب العلم بالمأمور به ، كما في أوامر الشرع .

                                                                                                                                ( وأما ) علم الوكيل على التعيين بالتوكيل : فهل هو شرط ؟ ذكر في الزيادات أنه شرط .

                                                                                                                                وذكر في الوكالة أنه ليس بشرط فإنه قال : إذا قال الموكل لرجل : اذهب بعبدي هذا إلى فلان ، فيبيعه فلان منك ، فذهب الرجل بالعبد إليه ، وأخبره أن صاحب العبد أمره ببيعه منه ، فاشتراه منه صح شراؤه ، وإن لم يخبره بذلك فالبيع جائز كذا ذكر محمد في كتاب الوكالة ، وجعل علم المشتري بالتوكيل كعلم البائع الوكيل .

                                                                                                                                وذكر في الزيادات أنه لا يجوز البيع ، وصورة المسألة في الصبي المأذون ، وذكر في المأذون الكبير ما يدل على جواز البيع ، فإنه قال : إذا قال المولى لقوم : بايعوا عبدي ; فإني قد أذنت له في التجارة ، فبايعوه جاز ، وإن لم يعلم العبد بإذن المولى لهم بالمبايعة .

                                                                                                                                وليس التوكيل كالوصاية ، فإن من أوصى إلى رجل غائب ، أي جعله وصيا بعد موته ، ثم مات الموصي ، ثم إن الوصي باع شيئا من تركة الميت قبل علمه بالوصاية والموت ; فإن بيعه جائز استحسانا ، ويكون ذلك قبولا منه للوصاية حتى لا يملك إخراج نفسه منها ، والقياس أن لا يجوز .

                                                                                                                                والفرق أن الوصي خلف عن الموصي ، قائم مقامه ، كالوارث يقوم مقام المورث .

                                                                                                                                ولو باع الوارث تركة الميت بعد موته وهو لا يعلم موته جاز بيعه فكذا الوصي ، بخلاف التوكيل ; لأنه أمر من الموكل ، وحكم الأمر لا يلزم إلا بعد العلم ، أو سببه على ما مر فإذا ثبت أن العلم بالتوكيل شرط ، فإن كان التوكيل بحضرة الموكل ، أو كتب الموكل بذلك كتابا إليه ، فبلغه وعلم ما فيه ، أو أرسل إليه رسولا فبلغ الرسالة ، أو أخبره بالتوكيل رجلان أو رجل واحد عدل ، صار وكيلا بالإجماع ، وإن أخبره بذلك رجل واحد غير عدل ، فإن صدقه صار وكيلا أيضا ، وإن لم يصدقه ينبغي أن يكون على الاختلاف في العدل عند أبي حنيفة لا يكون وكيلا ، وعند أبي يوسف ، ومحمد يكون وكيلا كما في العزل على ما نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية