الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( ومنها ) : ما هو مختص بالمفاوضة وهو أن يكون لكل من الشريكين أهلية الكفالة ، بأن يكونا حرين عاقلين ; لأن من أحكام المفاوضة ، أن كل ما يلزم لأحدهما من حقوق ما يتجران فيه يلزم [ ص: 61 ] الآخر ، ويكون كل واحد منهما فيما وجب على صاحبه بمنزلة الكفيل عنه لما نذكر ، فلا بد من أهلية الكفالة ، وشرائط أهلية الكفالة تطلب من كتاب الكفالة ( ومنها ) المساواة في رأس المال قدرا وهي شرط صحة المفاوضة بلا خلاف ، حتى لو كان المالان متفاضلين قدرا لم تكن مفاوضة ; لأن المفاوضة تنبئ عن المساواة ، فلا بد من اعتبار المساواة فيها ما أمكن ، وكذا قيمة في الرواية المشهورة حتى لو كان أحدهما صحاحا والآخر مكسرة ، أو كان أحدهما ألفا بيضاء والآخر ألفا سوداء وبينهما فضل قيمة في الصرف لم تجز المفاوضة في الرواية المشهورة ; لأن زيادة القيمة بمنزلة زيادة الوزن ، فلا تثبت المساواة التي هي من مقتضى العقد ، وروى إسماعيل بن حماد عن أبي يوسف أن إحدى الألفين إذا كانت أفضل من الأخرى جاز ، وكانت مفاوضة لأن الجودة في أموال الربا لا قيمة لها شرعا عند مقابلتها بجنسها ، فسقط اعتبار الجودة فصار كأنهما على صفة واحدة ، وهل تشترط المجانسة في رأس المال بأن يكون كل واحد منهما دراهم أو يكون كل واحد منهما دنانير ؟ فعلى الرواية المشهورة لا تشترط حتى لو كان أحدهما دراهم والآخر دنانير ، جازت المفاوضة في الرواية المشهورة بعد أن استويا في القيمة ، ولا خلاف في أنهما إذا لم يستويا في القيمة لم تكن مفاوضة .

                                                                                                                                وروي عن أبي حنيفة عليه الرحمة أنه لا تكون مفاوضة وإن استويا في القيمة .

                                                                                                                                ( وجه ) هذه الرواية أن عند اختلاف الجنس لا تعرف المساواة بينهما في القيمة ; لأن القيمة تعرف بالحزر والظن ، وتختلف باختلاف المقومين فلا تعرف بالمساواة ، والصحيح هو الرواية المشهورة لأنها من جنس الأثمان ، فكانت المجانسة ثابتة في الثمنية ( ومنها ) أن لا يكون لأحد المتفاوضين ما تصح فيه الشركة ، ولا يدخل في الشركة ، فإن كان ، لم تكن مفاوضة ; لأن ذلك يمنع المساواة وإن تفاضلا في الأموال التي لا تصح فيها الشركة كالعروض والعقار والدين ، جازت المفاوضة ، وكذا المال الغائب لأن ما لا تنعقد عليه الشركة كان وجوده والعدم بمنزلة ، وكان التفاضل فيه كالتفاضل في الأزواج والأولاد ، ( ومنها ) المساواة في الربح في المفاوضة ، فإن شرطا التفاضل في الربح ; لم تكن مفاوضة لعدم المساواة ( ومنها ) العموم في المفاوضة وهو أن يكون في جميع التجارات ، ولا يختص أحدهما بتجارة دون شريكه لما في الاختصاص من إبطال معنى المفاوضة وهو المساواة ، وعلى هذا يخرج قول أبي حنيفة ومحمد عليهما الرحمة أنه لا تجوز المفاوضة بين المسلم وبين الذمي ; لأن الذمي يختص بتجارة ، لا يجوز ذلك للمسلم ، وهي التجارة في الخمر والخنزير ، فلم يستويا في التجارة فلا يتحقق معنى المفاوضة ، وعند أبي يوسف يجوز لاستوائهما في أهلية الوكالة والكفالة ، وتجوز مفاوضة الذميين لاستوائهما في التجارة .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية