الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ومنها إسلام الشاهد إذا كان المشهود عليه مسلما ، حتى لا تقبل شهادة الكافر على المسلم ; لأن الشهادة فيها معنى الولاية ، وهو تنفيذ القول على الغير ، ولا ولاية للكافر ، فلا شهادة له عليه ، وتقبل شهادة المسلم على الكافر ; لأنه من أهل أن يثبت له الولاية على المسلم فعلى الكافر أولى ( وأما ) إذا كان المشهود عليه كافرا ، فإسلام الشاهد ، هل هو شرط لقبول شهادته عليه ؟ فقد اختلف فيه ، قال أصحابنا : رضي الله عنهم " ليس بشرط " حتى تقبل شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض ، سواء اتفقت مللهم أو اختلفت بعد أن كانوا عدولا في دينهم ، وقال الشافعي - رحمه الله - : شرط حتى لا تقبل شهادتهم أصلا .

                                                                                                                                واحتج بقوله سبحانه وتعالى { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } نفى الله سبحانه وتعالى أن يكون للكافرين على المؤمنين سبيل ، وفي قبول شهادة بعضهم على بعض إثبات السبيل للكافرين على المؤمنين ; لأنه يجب على القاضي القضاء بشهادتهم ، وإنه منفي ; ولأن العدالة شرط قبول الشهادة ، والفسق مانع ، والكفر رأس الفسق ، فكان أولى بالمنع من القبول .

                                                                                                                                ( ولنا ) قول النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك الحديث { فإذا قبلوا عقد الذمة فأعلمهم أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين } ، وللمسلم على المسلم شهادة ، فكذا للذمي على الذمي ، فظاهره يقتضي أن يكون للذمي على المسلم شهادة كالمسلم ، إلا أن ذلك صار مخصوصا من عموم النص ، ; ولأن الحاجة مست إلى صيانة حقوق أهل الذمة .

                                                                                                                                ولا تحصل الصيانة إلا وأن يكون لبعضهم على بعض شهادة ، ولا شك أن الحاجة [ ص: 281 ] إلى صيانة حقوقهم ماسة ; لأنهم إنما قبلوا عقد الذمة لتكون دماؤهم كدمائنا ، وأموالهم كأموالنا ، والدليل على أن الصيانة لا تحصل إلا وأن يكون لبعضهم على بعض شهادة ; لأن هذه المعاملات تكثر فيما بينهم ، والمسلمون لا يحضرون معاقدتهم ليتحملوا حوادثهم ، فلو لم يكن لبعضهم على بعض شهادة لضاعت حقوقهم عند الجحود والإنكار فدعت الحاجة إلى الصيانة بالشهادة .

                                                                                                                                وأما الآية الكريمة فوجوب القضاء لا يثبت بالشهادة وإنما يثبت بالتقليد السابق ، والشهادة شرط الوجوب ، والحكم لا يثبت بالشرط ، فلا يكون في قبول شهادة بعضهم على بعض إثبات السبيل للكافر على المؤمن ، سواء اتفقت مللهم أو اختلفت ، فتقبل شهادة النصراني على اليهودي ، واليهودي على المجوسي ، وقال ابن أبي ليلى : " إن اختلفت لا تقبل " : وهذا غير سديد ; لأن الكفر وإن اختلفت أنواعه صورة ، فهو ملة واحدة حقيقة ، فتقبل شهادة بعضهم على بعض كيف ما كان ، بعد أن يكون الشاهد من أهل دار الإسلام ، حتى لا تقبل شهادة المستأمن على الذمي ; ; لأنه ليس من أهل دار الإسلام حقيقة ، وإن كان فيها صورة ; لأنه ما دخل دارنا للسكنى فيها بل ليقضي حوائجه ، ثم يعود عن قريب ، فلم يكن من أهل دار الإسلام ، والذمي من أهل دار الإسلام ، فاختلفت الداران فلم تقبل شهادة الذمي عليه بالنص الذي روينا ، وصار حكم المستأمن مع الذمي في الشهادة كحكم الذمي مع المسلم ، وشهادة المستأمن تقبل على المستأمن إن اتفقت دارهم ومللهم ، وإن اختلفت لا تقبل .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية