الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) الذي يرجع إلى الموكل ، فإنه يرجع إلى الموكل به ، فإنه يرجع إلى بيان ما يجوز التوكيل به ، وما لا يجوز ، والجملة فيه أن التوكيل لا يخلو إما أن يكون بحقوق الله - عز وجل - وهي الحدود ، وإما أن يكون بحقوق العباد والتوكيل بحقوق الله - عز وجل - نوعان ، أحدهما بالإثبات ، والثاني بالاستيفاء ، أما التوكيل بإثبات الحدود فإن كان حدا لا يحتاج فيه إلى الخصومة كحد الزنا ، وشرب الخمر ، فلا يتقدر التوكيل فيه بالإثبات ; لأنه يثبت عند القاضي بالبينة ، أو الإقرار من غير خصومة ، وإن كان مما يحتاج فيه إلى الخصومة كحد السرقة وحد القذف ، فيجوز التوكيل بإثباته عند أبي حنيفة ومحمد ، وعند أبي يوسف لا يجوز ، ولا تقبل البينة فيهما إلا من الموكل ، وكذلك الوكيل بإثبات القصاص على هذا الخلاف .

                                                                                                                                ( وجه ) قول أبي يوسف : أنه كما يجوز التوكيل فيه بالاستيفاء فكذا بالإثبات ; لأن الإثبات وسيلة إلى الاستيفاء ، ولهما الفرق بين الإثبات والاستيفاء ، وهو أن امتناع التوكيل في الاستيفاء لمكان الشبهة ، وهي منعدمة في التوكيل بالإثبات .

                                                                                                                                ( وأما ) التوكيل باستيفاء حد القذف والسرقة ، فإن كان المقذوف والمسروق منه حاضرا وقت الاستيفاء جاز ; لأن ولاية الاستيفاء إلى الإمام ، وأنه لا يقدر على أن يتولى الاستيفاء بنفسه على كل حال ، وإن كان غائبا اختلف المشايخ فيه قال بعضهم : يجوز ; لأن عدم الجواز لاحتمال العفو والصلح ، وأنه لا يحتملهما .

                                                                                                                                وقال بعضهم : لا يجوز ; لأنه إن كان لا يحتمل العفو والصلح فيحتمل الإقرار والتصديق ، وهذا عندنا .

                                                                                                                                وقال الشافعي : - رحمه الله - يجوز التوكيل باستيفاء حد القذف كيفما كان .

                                                                                                                                ( وجه ) قوله أن هذا حقه ، فكان بسبيل من استيفائه بنفسه ، وبنائبه كما في سائر الحقوق .

                                                                                                                                ( ولنا ) الفرق على قول بعض المشايخ ، وهو ما ذكرنا أنه يحتمل أنه لو كان حاضرا لصدق الرامي فيما رماه ، أو يترك الخصومة ، فلا يجوز استيفاء الحد مع الشبهة ، والشبهة لا تمنع من استيفاء سائر الحقوق ، ويجوز التوكيل بالتعزير إثباتا واستيفاء بالاتفاق .

                                                                                                                                وللوكيل أن يستوفي ، سواء كان الموكل غائبا ، أو حاضرا ; لأنه حق العبد ولا يسقط بالشبهات ، بخلاف الحدود ، والقصاص ، ولهذا ثبت بشهادة رجل وامرأتين ، فأشبه سائر الحقوق بخلاف الحد والقصاص .

                                                                                                                                ( وأما ) التوكيل باستيفاء القصاص فإن كان الموكل وهو المولى حاضرا جاز ; لأنه قد لا يقدر على الاستيفاء بنفسه ، فيحتاج إلى التوكيل .

                                                                                                                                وإن كان غائبا لا يجوز ; لأن احتمال العفو قائم لجواز أنه لو كان حاضرا [ ص: 22 ] لعفا ، فلا يجوز استيفاء القصاص مع قيام الشبهة ، وهذا المعنى منعدم حالة الحضرة ، وعند الشافعي - رحمه الله - يجوز ، وإن كان غائبا ، والكلام في الطرفين على نحو ما ذكرنا في حد القذف .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية