الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) وجوب الدين على المحال عليه للمحيل قبل الحوالة ; فليس بشرط لصحة الحوالة ، حتى تصح الحوالة ، سواء كان للمحيل على المحال عليه دين ، أو لم يكن ، وسواء كانت الحوالة مطلقة أو مقيدة ، والجملة فيه أن الحوالة نوعان : مطلقة ، ومقيدة ، فالمطلقة : أن يحيل بالدين على فلان ، ولا يقيده بالدين الذي عليه ، والمقيدة : أن يقيده بذلك ، والحوالة بكل واحدة من النوعين جائزة ; لقوله عليه الصلاة والسلام { : من أحيل على مليء فليتبع } من غير فصل .

                                                                                                                                إلا أن الحوالة المطلقة ; تخالف الحوالة المقيدة في أحكام ، ( منها ) : أنه إذا أطلق الحوالة ، ولم يكن له على المحال عليه دين ، فإن المحال يطلب المحال عليه بدين الحوالة لا غير ، وإن كان له عليه دين ; فإن المحال عليه يطالب بدينين : دين الحوالة ، ودين المحيل ، فيطالبه [ ص: 17 ] المحال بدين الحوالة ، ويطالبه المحيل بالدين الذي له عليه ، ولا ينقطع حق المطالبة للمحيل بدينه بسبب الحوالة ; لأن الحوالة لم تتقيد بالدين الذي للمحال عليه ; لأنها وجدت مطلقة عن هذه الشريطة ، فيتعلق دين الحوالة بنعته ، ودين المحيل بقي على حاله ، وإذا قيدها بالدين الذي عليه ; ينقطع حق مطالبة المحيل ; لأنه قيد الحوالة بهذا الدين ، فيتقيد به ، ويكون ذلك الدين بمنزلة الرهن عنده ، وإن لم يكن رهنا على الحقيقة .

                                                                                                                                ( ومنها ) : أنه لو ظهرت براءة المحال عليه ; من الدين الذي قيدت به الحوالة ، بأن كان الدين ثمن مبيع فاستحق المبيع ; تبطل الحوالة ولو سقط عنه الدين لمعنى عارض ، بأن هلك المبيع عند البائع قبل التسليم بعد الحوالة ، حتى سقط الثمن عنه ; لا تبطل الحوالة عنه لكن إذا أدى الدين بعد سقوط الثمن يرجع بما أدى على المحيل ; لأنه قضى دينه بأمره .

                                                                                                                                ولو ظهر ذلك في الحوالة المطلقة ; لا يبطل ; لأنه لما قيد الحوالة به فقد تعلق الدين به ، فإذا ظهر أنه لا دين ، فقد ظهر أنه لا حوالة ; لأن الحوالة بالدين ، وقد تبين أنه لا دين ، فتبين أنه لا حوالة ضرورة ، وهذا لا يوجد في الحوالة المطلقة ; لأن تعلق الدين به يوجب تقييد الحوالة ، ولم يوجد ; فلا يتعلق به الدين ; فيتعلق بالذمة ; فلا يظهر أن الحوالة كانت باطلة ، وكذلك لو قيد الحوالة بألف وديعة عند رجل ، فهلكت الألف عند المودع ; بطلت الحوالة .

                                                                                                                                ولو كانت الألف على المحال عليه مضمونة ; لا تبطل الحوالة بالهلاك ; لأنه يجب عليه مثلها .

                                                                                                                                ( ومنها ) : أنه إذا مات المحيل في الحوالة المقيدة ، قبل أن يؤدي المحال عليه الدين إلى المحال ، وعلى المحيل ديون سوى دين المحال ، وليس له مال سوى هذا الدين ; لا يكون المحال أحق به من بين سائر الغرماء ، عند أصحابنا الثلاثة ، وعند زفر : يكون أحق به من بين سائر الغرماء كالرهن .

                                                                                                                                ( ولنا ) الفرق بين الحوالة والرهن ، وهو أن المرتهن اختص بغرم الرهن من بين سائر الغرماء ألا ترى أنه لو هلك يسقط دينه خاصة ؟ ولما اختص بغرمه اختص بغنمه ; لأن الخراج بالضمان ، فأما المحال في الحوالة المقيدة ، فلم يختص بغرم ذلك المال ; ألا ترى أنه لو توي لا يسقط دينه على المحيل ، والتوى على المحيل دونه ، فلما لم يختص بغرمه لم يختص بغنمه أيضا ، بل يكون هو وغرماء المحيل أسوة في ذلك ، وإذا أراد المحيل أن يأخذ المحال عليه ببقية دينه ، فليس له ذلك ; لأن المال الذي قيدت به الحوالة استحق من المحال عليه ; فبطلت الحوالة .

                                                                                                                                ولو كانت الحوالة مطلقة ، والمسألة بحالها ; يؤخذ من المحال عليه جميع الدين الذي عليه ، ويقسم بين غرماء المحيل ، ولا يدخل المحال في ذلك ، وإنما يؤخذ من المحال عليه ; لأن الحوالة لم تتعلق به ، فذلك ملك المحيل ولا يشاركهم المحال في ذلك ; لأن حقه ثبت على المحال عليه ، ولا يعود إلى المحيل ، ولكن القاضي يأخذ من غرماء المحيل كفيلا ; لأنه ثبت الرجوع إليهم لأحد رجلين .

                                                                                                                                ( أما ) المحال ، إذا توي ما على الآخر ، وأما المحال عليه إذا أدى الدين ; فالقاضي نصب ناظرا لأمور المسلمين ، فيحتاط في ذلك بأخذ الكفيل .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية