الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( ومن أخذ من دار الحرب ولو بلا حاجة ) إلى المأخوذ ( ولا إذن ) الأمير ( طعاما مما يقتات أو يصلح به القوت من الأدم أو غيره ، ولو سكرا أو معاجين وعقاقير ونحوه ، أو علفا فله أكله وإطعام سبي اشتراه ، وعلف دابته ، ولو كانا ) أي : السبي والدابة ( لتجارة ) لقول ابن عمر " كنا نصيب في مغازينا العسل ، والعنب ، فنأكله ولا نرفعه " رواه البخاري .

                                                                                                                      وعنه { أن جيشا غنموا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما وعسلا فلم يأخذ منهم الخمس } رواه أبو داود ; ولأن الحاجة تدعو إليه إذ الحمل فيه مشقة فأبيح توسعة على الناس ( ما لم يحرز ) ما تقدم من الطعام والعلف ( أو يوكل الإمام من يحفظه ، فلا يجوز إذن ) [ ص: 74 ] أن يأكله أو يعلفه دابته ( إلا لضرورة ) نص عليه ; لأنه صار غنيمة للمسلمين ، وثم ملكهم عليه .

                                                                                                                      ( ولا يطعم منه ) أي : من الطعام ، وإن لم يحرز ( فهدا ، و ) لا ( كلبا ، و ) لا ( جارحا فإن فعل ) أي : أطعم ذلك ( غرم قيمته ) ; لأن هذا يرد للتفرج ، ولا حاجة إليه في الغزو ( ولا يبيعه ) أي : الطعام والعلف ; لأنه لم ينقل لعدم الحاجة إليه بخلاف الأكل ( فإن ) كان ( باعه رد ثمنه في المغنم ) لما روى سعيد " أن صاحب جيش الشام كتب إلى عمر إنا أصبنا أرضا كثيرة الطعام والغلة ، وكرهت أن أتقدم في شيء من ذلك فكتب إليه دع الناس يعلفون ، ويأكلون ، فمن باع منهم شيئا بذهب أو فضة ففيه خمس الله وسهام المسلمين " قال في المبدع : وظاهره أن البيع صحيح ; لأن المنع منه إنما كان لأجل حق الغانمين ، وفي رد الثمن تحصيل لذلك ; ولأن له فيه حقا ، فصح بيعه كما لو تحجر مواتا .

                                                                                                                      وفرق القاضي والمؤلف أي : الموفق في الكافي : إن باعه لغير غاز ، فهو باطل كبيعه الغنيمة بغير إذن ، فيرد المبيع إن كان باقيا أو قيمته أو ثمنه إن كان تالفا ، وإن باعه لغاز ، فلا يخلو إما أن يبيعه بما يباح له الانتفاع به أو بغيره فإن كان الأول فليس بيعا في الحقيقة ، إنما دفع إليه مباحا ، وأخذ مثله ، ويبقى أحق به لثبوت يده عليه فعلى هذا لو باع صاعا بصاعين ، وافترقا قبل القبض ، جاز إذ لا بيع وإن أقرضه إياه فهو أحق به ، فإن وفاه أو رد إليه عادت يده كما كانت ، وإن كان الثاني فليس بصحيح ، ويصير المشتري أحق به ، لثبوت يده عليه ، ولا ثمن عليه ، ويتعين رده إليه ( والدهن المأكول كسائر الطعام ) ; لأنه طعام أشبه البر ( وله دهن بدنه ودابته منه ) لحاجة ، ونقل أبو داود دهنه بزيت للتزين لا يعجبني ( و ) له دهن بدنه ودابته ( من دهن غير مأكول ) ظاهره : ولو نجسا ولعله غير مراد وتقدم ما فيه في أول الجنائز .

                                                                                                                      ( و ) له ( أكل ما يتداوى به ، وشرب جلاب ، وسكنجبين ، ونحوهما لحاجة ) ; لأنه في معنى الطعام ( ولا يغسل ثوبه بالصابون ) ; لأنه ليس بطعام ، فإن فعل رد قيمته في المغنم ( ولا يركب دابة من دواب المغنم ) لما روى رويفع بن ثابت الأنصاري مرفوعا { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فلا يركب دابة من فيء المسلمين ، حتى إذا أعجفها ردها ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فلا يلبس ثوبا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده } رواه سعيد .

                                                                                                                      ; ولأنها تتعرض للعطب غالبا وقيمتها كثيرة [ ص: 75 ] بخلاف السلاح ( ولا يتخذ النعل والجرب ) جمع جراب ( من جلودهم ، ولا الخيوط ، والحبال ) بل ترد على المغنم كسائر أموالهم ( وكتبهم المنتفع بها ك ) كتب ( الطب واللغة والشعر ونحوها ) كالحساب والهندسة ( غنيمة ) لاشتمالها على نفع مباح ( وإن كانت ) كتبهم ( مما لا ينتفع به ، ككتب التوراة والإنجيل ، وأمكن الانتفاع بجلودها أو ورقها بعد غسله غسل ) إزالة لما فيه من التغيير والتبديل ( وهو غنيمة ) كسائر ما ينتفع به ( وإلا ) أي : وإن لم يمكن الانتفاع بها بعد غسلها ( فلا ) تكون غنيمة بل يتلفها ( ولا يجوز بيعها ) ، ولو لإتلافها ككتب الزندقة ونحوها .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية