الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( ولا تصح ) الحوالة ( إلا بشروط ) أربعة ( أحدها : أن يحيل على دين مستقر في ذمة المحال عليه ) ; لأن ما ليس بمستقر عرضة للسقوط ومقتضى الحوالة إلزام المحال عليه بالدين مطلقا [ ص: 384 ] فلا تثبت فيما هذا صفته ( ولو ) كانت الحوالة ( على الضامن بما ضمنه ووجب ) ; لأنه دين مستقر ، بخلاف ما إذا ضمن ما يئول إلى الوجوب فلا تصح الحوالة به قبل وجوبه ; لأنه لا دين عليه إذن ( أو ) أي : وتصح الحوالة على ما ( في ذمة ميت ) من دين مستقر لما سبق .

                                                                                                                      ( وفي الرعاية الصغرى والحاويين : إن قال : أحلتك بما عليه ) أي : الميت ( صح ) ذلك ( لا أحلتك به عليه أي : الميت ) فلا يصح ; لأن ذمته قد خربت ( وتصح ) الحوالة ( على المكاتب بغير مال الكتابة ) كبدل قرض وثمن مبيع ; لأنه دين مستقر .

                                                                                                                      ( وإن أحال ) السيد ( على مال الكتابة ) لم تصح الحوالة ( ولو حل ) ; لعدم استقراره ( أو ) أحال المسلم على ( المسلم ) لم تصح الحوالة لعدم استقراره ( أو ) أحال على ( رأس ماله ) أي : السلم ( بعد فسخه ) لم تصح الحوالة ; لأنه لا يصح التصرف فيه قبل قبضه ( وتقدم ) في أواخر السلم ( أو ) أحالت الزوجة على ( الصداق قبل الدخول ) ونحوه مما يقرر الصداق لم تصح الحوالة ; لعدم استقراره ( أو ) أحال على ( الأجرة بالعقد قبل استيفاء المنافع ) فيما إذا كانت الإجارة لعمل ( أو ) قبل ( فراغ المدة ) إن كانت الإجارة على مدة .

                                                                                                                      لم تصح الحوالة ; لعدم استقرارها ( أو ) أحال البائع ( بثمن المبيع على المشتري في مدة الخيار ) أي : خيار المجلس أو الشرط ( أو ) أحال ( على ناظره ، أو على ولي بيت المال أو أحال ناظر الوقف بعض المستحقين على جهة ونحوه لم يصح ) ذلك حوالة ; لأنها انتقال مال من ذمة إلى ذمة والحق هنا ليس كذلك لكن يكون ذلك وكالة كالحوالة على ما له في الديوان ( ولا يشترط ) للحوالة ( استقرار المحال به فإن أحال المكاتب سيده ) بدين الكتابة .

                                                                                                                      ( أو ) أحال ( الزوج امرأته ) بالصداق قبل الدخول ( أو ) أحال ( المشتري البائع بثمن المبيع في مدة الخيارين ; صح ) ذلك ; لأن المدين له تسليم الدين قبل استقراره وحوالته به تقوم مقام تسليمه .

                                                                                                                      ( ولا تصح ) الحوالة ( بمسلم فيه ولا برأس ماله بعد فسخ ) العقد ; لأنه تصرف في السلم ، أو رأس ماله قبل القبض ، وذلك غير صحيح وتقدم في السلم ( ولا ) تصح الحوالة ( بجزية ) لفوات الصغار ولا على الجزية لذلك ولعدم استقرارها ( فإن أحال من لا دين عليه شخصا على من له عليه دين فهي وكالة ) جرت ( بلفظ الحوالة ) إذ ليس فيها تحويل حق من ذمة إلى ذمة وإنما جازت الوكالة بلفظ الحوالة ; لاشتراكهما في المعنى ، وهو استحقاق الوكيل مطالبة من عليه الدين كاستحقاق [ ص: 385 ] المحتال مطالبة المحال عليه ( ثبت فيها أحكامها ) أي : أحكام الوكالة من عزل الوكيل بموت الموكل وعزله ونحوه .

                                                                                                                      ( وإن أحال من عليه دين على من لا دين عليه فهو ) وكالة في ( اقتراض فلا يصارفه ) ; لأنه لم يأذن له في المصارفة ( فإن قبض المحتال منه ) أي : من المحال عليه الذي لا دين عليه ( الدين رجع ) المحال عليه إذن ( على المحيل ) بما دفعه عنه للمحتال ( ; لأنه قرض ) حيث لم يتبرع .

                                                                                                                      ( وإن أبرأه ) أي : أبرأ المحتال المحال عليه الذي لا دين عليه منه ( لم تصح البراءة ; لأنها براءة من لا دين عليه وإن ) قبض المحتال من المحال عليه الذي لا دين عليه ما أحيل به ، ثم ( وهبه ) المحتال ( إياه بعد أن قبضه منه ) ملكه و ( رجع المحال عليه ) حينئذ ( على المحيل ) بما دفعه عنه ; لأنه قرض وهبة المحتال بعد ذلك غير مانعة ( وإن أحال من لا دين عليه على من لا دين عليه فهي وكالة في اقتراض أيضا ، وليس شيء من ذلك حوالة ) ; لانتفاء شرطها .

                                                                                                                      الشرط ( الثاني : تماثل الدينين ) ; لأنها تحويل للحق ونقل له فينتقل على صفته ( في الجنس ، كأن يحيل من عليه ذهب بذهب و ) أن يحيل ( من عليه فضة بفضة فلو أحال من عليه ذهب بفضة أو العكس ) بأن أحال من عليه فضة بذهب ( لم يصح ) ذلك للتخالف .

                                                                                                                      ( و ) تماثل الدينين ( في الصفة فلو أحال من عليه ) دراهم ( صحاح بمكسرة أو من عليه ) دراهم ( غورية بسليمانية لم يصح ) ذلك للتخالف .

                                                                                                                      ( و ) تماثل الدينين في ( الحلول والتأجيل ) بأجل واحد ( فإن كان أحدهما ) أي : الدينين ( حالا والآخر مؤجلا ) لم تصح ( أو كان أحدهما ) مؤجلا ( إلى شهر و ) الدين ( الآخر ) مؤجلا ( إلى شهرين لم تصح الحوالة ) ; لأنها إرفاق كالقرض فلو جوزت مع الاختلاف ; لكان المطلوب منها الفضل فتخرج عن موضعها .

                                                                                                                      ( ولو كان الحقان ) أي : المحال به والمحال عليه ( حالين فشرط على المحتال أن يؤخر حقه أو ) يؤخر ( بعضه إلى أجل ) ولو معلوما ( لم تصح ) الحوالة ( أيضا ) ; لأن الحال لا يتأجل بأجل .

                                                                                                                      ولو قيل يفسد الشرط وتصح الحوالة كالشروط الفاسدة في البيع لكان أوفق بالقواعد ولم أر المسألة لغيره ( فيشترط ذلك ) أي : تماثل الدينين فيما ذكر ( كما يشترط ) ذلك ( في المقاصة وتقدم آخر السلم ) بيان المقاصة وشروطها .

                                                                                                                      ( و ) يشترط تماثل الدينين في ( القدر فلا تصح ) الحوالة ( بعشرة على خمسة ولا عكسه ) إن أحال بخمسة على عشرة للتخالف كما سبق .

                                                                                                                      ( وتصح ) الحوالة ( بخمسة من العشرة على الخمسة و ) تصح [ ص: 386 ] الحوالة ( بالخمسة على خمسة من العشرة ) للمرافقة ( ولا يضر اختلاف سببي الدينين ) بأن يكون أحدهما عن قرض والآخر ثمن مبيع أو نحوه .

                                                                                                                      الشرط ( الثالث : أن تكون ) الحوالة ( بمال معلوم على مال معلوم مما يصح السلم فيه من المثليات وغيرها كمعدود ومذروع ) ; لأنها إن كانت بيعا فلا يصح في مجهول وإن كانت تحول الحق فيعتبر فيها التسليم والجهالة تمنع منه ولا تصح فيما لا يصح السلم فيه كالجوهر وإن أحال بإبل الدية على إبل القرض لم يصح على المذهب من أنه يرد القيمة لاختلاف الجنس وإن كان بالعكس لم يصح مطلقا وفي الحوالة بإبل الدية على من عليه مثلها وجهان : قال القاضي : تصح ; لأنها تختص بأقل ما يقع عليه الاسم في السن والقيمة وسائر الصفات والوجه الثاني : لا تصح ; لأنها مجهولة .

                                                                                                                      ( قال الشيخ : الحوالة على ماله في الديوان ) ومثله الحوالة على ماله في الوقف ( إذن في الاستيفاء فقط ) كما تقدم ( وللمحتال ) إذن ( الرجوع ) كعزل الوكيل نفسه ( ومطالبة محيله ) بدينه ; لأنه لم يبرأ منه بوفاء ولا إبراء ولا حوالة حقيقة .

                                                                                                                      الشرط ( الرابع : أن يحيل برضاه ) قال في المبدع : بغير خلاف ; لأن الحق عليه فلا يلزمه أداؤه من جهة الدين على المحال عليه ( ولا يعتبر رضا المحال عليه ) ; لأن للمحيل أن يستوفي الحق بنفسه وبوكيله وقد أقام المحتال مقام نفسه في القبض فلزم المحال عليه الدفع إليه كالوكيل .

                                                                                                                      ( ولا ) يعتبر أيضا ( رضا المحتال إن كان المحال عليه مليئا فيجب ) على من أحيل على مليء ( أن يحتال ) لظاهر قوله : { إذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع } ( فإن امتنع ) المحتال ( أجبر على قبولها ) أي : الحوالة للخبر ( ويبرأ المحيل بمجرد الحوالة قبل الأداء ، وقبل إجبار ) الحاكم ( المحتال على قبولها ) أي : الحوالة فلا رجوع له على المحيل ، ولو مات المحال عليه أو أفلس أو جحد بعد ذلك وتقدم .

                                                                                                                      وفسر الإمام أحمد المليء ، فقال : هو أن يكون قادرا بماله وقوله وبدنه فلذلك قال : ( وتعتبر الملاءة في المال والقول والبدن ) وجزم به في المحرر والنظم والفروع والفائق والمنتهى وغيرها زاد في الرعاية الصغرى والحاويين .

                                                                                                                      ( وفعله ) وزاد في الكبرى عليهما ( وتمكنه من الأداء ف ) الملاءة ( في المال : القدرة على الوفاء و ) الملاءة ( في القول : أن لا يكون مماطلا و ) الملاءة ( في البدن : إمكان حضوره مجلس الحكم ) .

                                                                                                                      هذا معنى كلام الزركشي والظاهر أن فعله يرجع إلى عدم المطل إذ الباذل غير مماطل ، [ ص: 387 ] وتمكنه من الأداء يرجع إلى القدرة على الوفاء ، إذ من ماله غائب أو في الذمة ونحوه غير قادر على الوفاء ولذلك أسقطهما الأكثر كما تقدم ولم يفسرهما ( فلا يلزم ) رب الدين ( أن يحتال على والده ) ; لأنه لا يمكنه إحضاره إلى مجلس الحكم ( ولا ) يلزم أن يحتال ( على من هو في غير بلده ) ; لعدم قدرته على إحضاره مجلس الحكم وقياسه : الحوالة على ذي سلطان لا يمكنه إحضاره مجلس الحكم ( ولا يصح أن يحيل ) رب الدين ( على أبيه ) ; لأن المحيل لا يملك مطالبة المحال عليه ففرعه كذلك .

                                                                                                                      ( ومتى صحت ) الحوالة ( فرضيا ) أي : المحتال والمحال عليه ( بخير منه ) أي : الدين ( أو بدونه أو ) رضيا ب ( تعجيله ) وهو مؤجل ( أو ) ب ( تأجيله ) وهو حال ( أو ) أخذ ( عوضه ; جاز ) ذلك ; لأن ذلك يجوز في القرض ، فهنا أولى ، لكن إن جرى بين العوضين ربا النسيئة كما لو كان الدين المحال به من الموزونات ، فعوضه فيه موزونا من غير جنسه ، أو كان مكيلا ، فعوضه عنه مكيلا من غير جنسه اشترط فيه التقابض بمجلس التعويض .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية