سادسها : ، لأنه لو كان ممنوعا منه لاحتاج القياس إلى ثبوته فينتقل من مسألة إلى أخرى . وهذا الشرط لا يغني عن قولهم فيما سبق : أن لا يكون حكمه ثابتا بالقياس على أصل آخر . لجواز أن يكون كذلك مع وقوع الخلاف فيه . وجوز آخرون القياس على الأصل الممنوع الحكم مطلقا ، لأن القياس في نفسه لا يشترط الاتفاق عليه في جواز التمسك به ، فسقوط ذلك في كل ركن من أركانه أولى . أن يكون الحكم متفقا عليه
وقيل : يجوز إن كان المنع خفيا .
وقيل : يجوز إن أمكن الدلالة عليه بنص أو إجماع يثبتان حكم الأصل ولا يتناولان محل النزاع ، فإذا ثبت الأصل استنبط منه علة عدى بها الحكم إلى الفرع ، فلا يكون حكم الفرع ثابتا بما ثبت به حكم الأصل الممنوع . فيقال : كان استعمال الأصل حشوا ، ولا يكون حكم الأصل الممنوع مختصا في ثبوته بما ينقطع به إلحاق الفرع به . وقيل : يبنى الأمر على اصطلاح [ ص: 111 ] أهل العصر من غير جحود ذكره بعض الجدليين .
وإذا قلنا بالأول : فاختلفوا في كيفية الاتفاق عليه : فشرط بعضهم أن يتفق عليه الخصمان فقط لتنضبط فائدة المناظرة ، ومنهم من شرط أن يكون متفقا عليه بين الأمة ، والصحيح الأول . واختار في " المنتهى " أن المعترض إن كان مقلدا لم يشترط الإجماع إذ ليس منع ما ثبت : مذهبا له ، وإن كان مجتهدا اشترط ، لأن المجتهد ليس مرتبطا بإمام ، فإذا لم يكن الحكم مجمعا عليه ولا منصوصا عليه جاز له أن يمنعه في الأصل فبطل القياس أو يعين علة لا تتعدى إلى الفرع . وهذا تفصيل حسن ، لكن وقوعه بعيد . ثم إذا اتفقا على إثبات الحكم في الأصل نظر : فإن كان بعلتين فالعلة عند الخصم غير العلة عند المستدل ، فهو مركب الأصل ، لأن الأصل ، أي ما جعل جامعا ، وصفان يصلح كل منهما أن يكون علة ، كما في قياس حلي البالغة على حلي الصبية ، فإن عدم الوجوب في حلي الصبية متفق عليه بين الخصمين لكن لعلتين مختلفتين ، فإنه عندنا لعلة كونه حليا ، وعندهم لعلة كونه مالا للصبية ، والمعترض على أحد الحسنيين لأن علته إن كانت هي الصحيحة في نفس الأمر انقطع قياس خصمه ، وإن كانت علة المعترض هي الباطلة منع حكم الأصل فانقطع القياس أيضا .