الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وإنما تصح من أهل التوكيل والتوكل )

                                                                                                                            ش : يعني أنه يشترط في صحة عاقدي الشركة أن يكونا من أهل التوكيل والتوكل هكذا قال ابن شاس وابن الحاجب قال ابن عرفة : وقبله ابن عبد السلام وغيره وكلهم تبعوا الوجيز ويرد بوجوب زيادة وأهلية البيع ; لأن كلا منهما بائع لصاحبه نصف ماله ولا يستلزمها أهلية الوكالة لجواز توكيل الأعمى اتفاقا وتوكله وتقدم الخلاف في صحة كونه بائعا انتهى وذكره ابن غازي كالمنكت به على المصنف ( قلت ) : ولا يحتاج المصنف إلى زيادة أهلية البيع ; لأن بيع الأعمى جائز على المشهور والمصنف إنما يفرع عليه نعم لو اقتصروا على أحد اللفظين فقالوا : من أهل التوكيل والتوكل ، أو قالوا : من أهل الوكالة لكان أنسب بالاختصار فقد قال ابن الحاجب في باب الوكالة : من جاز أن يتصرف لنفسه جاز أن يوكل وأن يتوكل إلا لمانع وقبله ابن عرفة ، وقال : وقول ابن شاس من جاز تصرفه لنفسه جاز كونه وكيلا إلا لمانع ، ومسائل المذهب واضحة به انتهى .

                                                                                                                            ( فإن قلت ) : قد يجوز للشخص أن يوكل ولا يجوز له أن يتوكل كالذمي يجوز توكيله ولا يجوز أن يتوكل على مسلم وكالعدو فإنه لا يصح توكيله على عدوه كما أشار إلى ذلك ابن الحاجب وابن شاس بقولهما : إلا لمانع على ما قال ابن عبد السلام فلعل المصنف أراد إخراج ذلك من الشركة أيضا ( قلت ) : أما أولا فعلى تسليمه فكان يمكنهم أن يقتصروا على قولهم من أهل التوكل ; لأنه يستلزم أن يكون من أهل التوكيل على ما قررتم وأما ثانيا فلا نسلم أن الذمي والعدو ليسا من أهل التوكل ; لأن توكيلهما إنما يمتنع بالنسبة إلى بعض الأشخاص فقط ، وأيضا فلا يحتاج إلى ذلك في هذا الباب ; لأن الظاهر في مشاركة العدو أنها جائزة وأما مشاركة الذمي فالظاهر من كلامه في المدونة أنها صحيحة ، وإن كانت لا تصح ابتداء قال فيها في كتاب الشركة : ولا يصح لمسلم أن يشارك ذميا إلا أن لا يغيب الذمي على بيع ، ولا شراء ، ولا قضاء ، ولا اقتضاء إلا بحضرة المسلم انتهى .

                                                                                                                            قال ابن عرفة بعد ذكره كلام المدونة اللخمي : فإن وقع استحب صدقته بربحه إن شك في عمله بالربا وبجميع ماله إن شك في عمله به في خمر وإلا لم يكن عليه شيء انتهى .

                                                                                                                            قوله : وإلا لم يكن عليه شيء أي وإن علم سلامته من عمل الربا ، وتجر الخمر فلا شيء عليه كذا قال اللخمي ، ونقله القرافي ، والظاهر أن حكم مشاركة المسلم الذي لا يحافظ على دينه في التصديق بالربح كذلك ، وانظر إذا تحقق عمله بالربا ، أو في الخمر ما الحكم هل يجب التصدق أو يستحب أيضا ؟ والظاهر الوجوب لما سيأتي في الوكالة عن المازري فمقتضى هذا أن الشركة صحيحة بل وجائزة إذا لم يغب الذمي على البيع والشراء ، وصرح بذلك في الشامل فقال : وكرهت مشاركة ذمي ومتهم في دينه إن تولى البيع والشراء وإلا جاز ، وعلى ما ذكر في السؤال تكون مشاركة الذمي غير [ ص: 119 ] صحيحة ، وكذلك مشاركة العدو وهو خلاف المفهوم مما تقدم فتأمله ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) قال في التوضيح : فإن قيل : قد قالوا إن الذمي لا يوكل على مسلم فهل يأتي هنا أي في باب الشركة أنه لا يشاركه ؟ قيل : لا يبعد فقد قال ابن حبيب لا ينبغي للحافظ لدينه أن يشارك إلا أهل الدين ، والأمانة ، والتوقي للخيانة ، والربا ، والتخليط في التجارة ، ولا يشارك يهوديا ولا نصرانيا ولا مسلما فاجرا إلا أن يكون هو الذي يتولى البيع والشراء ، وإنما للآخر فيه البطش والعمل انتهى .

                                                                                                                            ونحوه لابن عبد السلام ( قلت ) : وكأنهما لم يقفا على كلام المدونة المتقدم قال ابن عرفة بعد نقله كلام المدونة المتقدم : ويستشكل بأن الشركة ملزومة للبيع فيلزم عليه أن يشترط في بيع المسلم للذمي شيئا أن لا يبيعه الذمي إلا بحضرة المسلم قال : ويجاب بأن ما ذكر في الشركة من عدم غيبته على البيع معتبر وقوعه لا أنه شرط ، وإن سلم اشتراطه فإنما هو لكونه وكيلا لا لكونه مبتاعا انتهى .

                                                                                                                            بالمعنى ( الثاني ) قال بعضهم كيف أجاز مالك شركة المسلم للذمي بشرط أن لا يغيب الذمي على بيع ولا شراء ومنع الشركة إذا شرط أحد الشريكين أن يمسك رأس المال ؟ فأجاب بعضهم بأن الشرط في مسألة الذمي بعد العقد ، وهذا ليس بظاهر ، وقال بعضهم : الفرق بينهما ظاهر ; لأنه في مسألة الذمي لم يخرج المال من يده بالكلية بخلاف المسألة الأخرى ( الثالث ) قال في التوضيح في قول ابن الحاجب المتقدم : إلا لمانع أي من الموانع المتقدمة في الحجر انتهى .

                                                                                                                            وليس هذا مراده ; لأن موانع الحجر قد دخلت في مفهوم قوله : من جاز تصرفه لنفسه جاز أن يوكل ، أو يتوكل ، وإنما مراده المانع المختص بهذا الباب ، وهو ما ذكره إثره من كون الوكيل ذميا ، ومن كونه عدوا للموكل عليه كما قدمناه ، وأما ما حمله عليه المؤلف فربما يوهم أن المانع من الحجر مستثنى من المانع في الوكالة فتأمله ، ولهذا قال ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب إثر الكلام المتقدم : وفيها لا يوكل الذمي إلى آخره لما استثنى المؤلف في المسألة السابقة فقال إلا : لمانع احتاج أن يبين المانع ما هو ؟ إلخ كلامه ويوضح ذلك كلام الذخيرة فإنه قال : الركن الأول الموكل قال في الجواهر : من جاز تصرفه لنفسه جاز له الاستنابة ثم تكلم عليه نحو الخمسة أسطر ثم قال : الركن الثاني الوكيل قال في الجواهر : من جاز له أن يتصرف لنفسه جاز له أن ينوب فيه عن غيره إذا كان قابلا للاستنابة إلا أن يمنع مانع فقد منع في الكتاب توكيل الذمي إلى آخره .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية