الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما بيان مقدار الواجب من الضمان فالأصل أن مقدار الواجب منه على قدر الإتلاف ; ; لأن سبب الوجوب هو الإتلاف ، والحكم يتقدر بقدر العلة ، والعبرة فيه لبقاء من بقي من الشهود بعد رجوع من رجع منهم ، فإن بقي منهم بعد الرجوع من يحفظ الحق كله فلا ضمان على أحد لانعدام الإتلاف أصلا من أحد ، وإن بقي منهم من يحفظ بعض الحق وجب على الراجعين ضمان قدر التالف بالحصص ، فنقول : بيان هذه الجملة إذا شهد رجلان بمال ثم رجع أحدهما : عليه نصف المال ; ; لأن النصف محفوظ بشهادة الباقي ، ولو كانت الشهود أربعة ، فرجع واحد منهم : لا ضمان عليه ، وكذا إذا رجع اثنان ; لأن الاثنين يحفظان المال ، ولو رجع منهم ثلاثة فعليهم نصف المال ; ; لأن النصف عندنا بشهادة شاهد واحد .

                                                                                                                                ولو شهد رجل وامرأتان بمال ، ثم رجع الرجل : غرم نصف المال ; لأن النصف بقي بثبات المرأتين ، ولو رجعت المرأتان غرمتا نصف المال بينهما نصفين لبقاء النصف بثبات الرجل ، ولو رجع رجل وامرأة فعليهما ثلاثة أرباع المال ، نصفه على الرجل ، وربعه على المرأة ; ; لأن الباقي ببقاء امرأة واحدة الربع ، فكان التالف بشهادة الرجل والمرأة ثلاثة الأرباع ، والرجل ضعف المرأة فكان عليها الربع وعلى الرجل النصف ، ولو رجعوا جميعا فنصف المال على الرجل ، والنصف على المرأتين بينهما نصفان .

                                                                                                                                ولو شهد رجلان وامرأة ثم رجعوا فالضمان على الرجلين ، ولا شيء على المرأة ; ; لأن المرأة الواحدة في الشهادة وجودها وعدمها بمنزلة واحدة ; ; لأن القاضي لا يقضي بشهادتها ، ولو شهد رجلان وامرأتان ثم رجعت المرأتان فلا ضمان عليهما ; ; لأن الحق يبقى محفوظا بالرجلين ، ولو رجع الرجلان يضمنان نصف المال ; لأن المرأتين تحفظان النصف ، ولو رجع رجل واحد لا شيء عليه ; لأن رجلا وامرأتين يحفظون جميع المال ولو رجع رجل وامرأة فعليهما ربع المال بينهما أثلاثا : ثلثاه على الرجل ، وثلثه على المرأة ; ; لأنه بقي ثلاثة الأرباع ببقاء رجل وامرأتين ، فكان التالف بشهادة رجل وامرأة الربع ، والرجل ضعف المرأة فكان بينهم أثلاثا ، ولو رجعوا جميعا فالضمان بينهم أثلاث أيضا : ثلثاه على الرجلين ، وثلثه على المرأتين لما ذكرنا أن الرجل ضعف المرأة ، فكان التالف بشهادته ضعف ما تلف بشهادتها ولو شهد رجل وعشر [ ص: 288 ] نسوة ثم رجعوا جميعا فالضمان بينهم أسداس : سدسه على الرجل ، وخمسة أسداسه على النسوة ، وهذا قول أبي حنيفة ، فأما عندهما فالضمان بينهم نصفان : نصفه على الرجل ونصفه على النسوة ، وجه قولهما أن النساء وإن كثرن فلهن شطر الشهادة لا غير ، فكان التالف بشهادتهن نصف المال والنصف بشهادة الرجل ، فكان الضمان بينهم أنصافا ولأبي حنيفة أن كل امرأتين بمنزلة رجل واحد في الشهادة ، فكان قسمة الضمان بينهم أسداسا ولو رجع الرجل وحده ضمن نصف المال ; ; لأن النصف محفوظ بشهادة النساء ، وكذا لو رجعت النسوة غرمن نصف المال ; لأن النصف محفوظ بشهادة الرجل ، هذان الفصلان يؤيدان قولهما في الظاهر ولو رجع ثمان نسوة فلا ضمان عليهن ; لأن الحق بقي محفوظا برجل وامرأتين ، ولو رجعت امرأة بعد ذلك فعليها وعلى الثمان ربع المال ; ; لأنه بقي بثبات رجل وامرأة ثلاثة أرباع المال ، فكان التالف بشهادتهن الربع ، ولو رجع رجل وامرأة فعليهما نصف المال أثلاثا : ثلثاه على الرجل ، والثلث على المرأة ; لأن تسع نسوة يحفظن المال ، فكان التالف بشهادة رجل وامرأة النصف ، والرجل ضعف المرأة ، فكان بينهما أثلاثا ، ولو شهد رجل وثلاث نسوة ، ثم رجع الرجل وامرأة فعلى الرجل نصف المال ، ولا شيء على المرأة في قياس قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - ، وفي قياس قول أبي حنيفة رضي الله عنه نصف المال يكون عليهما أثلاثا : ثلثاه على الرجل وثلثه على المرأة ولو رجعوا جميعا فالضمان بينهم أخماس عند أبي حنيفة : خمساه على الرجل ، وثلاثة أخماسه على النسوة ; لأن الرجل ضعف المرأة ، وعندهما نصف الضمان على الرجل ونصفه على المرأة لما ذكرنا أن لهن شطر الشهادة وإن كثرن ، فكان التالف بشهادة كل نوع نصف المال ، والله سبحانه وتعالى أعلم وعلى هذا يخرج ما إذا شهد شاهدان أنه طلق امرأته ثلاثا ، والزوج ينكر وشهد شاهدان بالدخول فقضى القاضي بشهادتهم ، ثم رجعوا فالضمان عليهم أرباع : على شاهدي الطلاق الربع ; لأن شاهدي الدخول شهدا بكل المهر ; ; لأن كل المهر يتأكد بالدخول ، وللمؤكد حكم الموجب على ما مر ، وشاهدي الطلاق شهدا بالنصف ; ; لأن نصف المهر يتأكد بالطلاق على ما ذكرنا ، والمؤكد للواجب في معنى الواجب ، فشاهد الدخول انفرد بنصف المهر ، والنصف الآخر اشترك فيه الشهود كلهم ، فكان نصف النصف وهو الربع على شاهدي الطلاق ، وثلاثة الأرباع على شاهدي الدخول .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية