وأما فالأصل أن مقدار الواجب منه على قدر الإتلاف ; ; لأن سبب الوجوب هو الإتلاف ، والحكم يتقدر بقدر العلة ، والعبرة فيه لبقاء من بقي من الشهود بعد رجوع من رجع منهم ، فإن بقي منهم بعد الرجوع من يحفظ الحق كله فلا ضمان على أحد لانعدام الإتلاف أصلا من أحد ، وإن بقي منهم من يحفظ بعض الحق وجب على الراجعين ضمان قدر التالف بالحصص ، فنقول : بيان هذه الجملة إذا بيان مقدار الواجب من الضمان : عليه نصف المال ; ; لأن النصف محفوظ بشهادة الباقي ، ولو شهد رجلان بمال ثم رجع أحدهما : لا ضمان عليه ، وكذا إذا رجع اثنان ; لأن الاثنين يحفظان المال ، ولو رجع منهم ثلاثة فعليهم نصف المال ; ; لأن النصف عندنا بشهادة شاهد واحد . كانت الشهود أربعة ، فرجع واحد منهم
ولو : غرم نصف المال ; لأن النصف بقي بثبات المرأتين ، ولو رجعت المرأتان غرمتا نصف المال بينهما نصفين لبقاء النصف بثبات الرجل ، ولو رجع رجل وامرأة فعليهما ثلاثة أرباع المال ، نصفه على الرجل ، وربعه على المرأة ; ; لأن الباقي ببقاء امرأة واحدة الربع ، فكان التالف بشهادة الرجل والمرأة ثلاثة الأرباع ، والرجل ضعف المرأة فكان عليها الربع وعلى الرجل النصف ، ولو رجعوا جميعا فنصف المال على الرجل ، والنصف على المرأتين بينهما نصفان . شهد رجل وامرأتان بمال ، ثم رجع الرجل
ولو فالضمان على الرجلين ، ولا شيء على المرأة ; ; لأن المرأة الواحدة في الشهادة وجودها وعدمها بمنزلة واحدة ; ; لأن القاضي لا يقضي بشهادتها ، ولو شهد رجلان وامرأة ثم رجعوا فلا ضمان عليهما ; ; لأن الحق يبقى محفوظا بالرجلين ، ولو رجع الرجلان يضمنان نصف المال ; لأن المرأتين تحفظان النصف ، ولو رجع رجل واحد لا شيء عليه ; لأن رجلا وامرأتين يحفظون جميع المال ولو رجع رجل وامرأة فعليهما ربع المال بينهما أثلاثا : ثلثاه على الرجل ، وثلثه على المرأة ; ; لأنه بقي ثلاثة الأرباع ببقاء رجل وامرأتين ، فكان التالف بشهادة رجل وامرأة الربع ، والرجل ضعف المرأة فكان بينهم أثلاثا ، ولو رجعوا جميعا فالضمان بينهم أثلاث أيضا : ثلثاه على الرجلين ، وثلثه على المرأتين لما ذكرنا أن الرجل ضعف المرأة ، فكان التالف بشهادته ضعف ما تلف بشهادتها ولو شهد رجلان وامرأتان ثم رجعت المرأتان فالضمان بينهم أسداس : سدسه على الرجل ، وخمسة أسداسه على النسوة ، وهذا قول شهد رجل وعشر [ ص: 288 ] نسوة ثم رجعوا جميعا ، فأما عندهما فالضمان بينهم نصفان : نصفه على الرجل ونصفه على النسوة ، وجه قولهما أن النساء وإن كثرن فلهن شطر الشهادة لا غير ، فكان التالف بشهادتهن نصف المال والنصف بشهادة الرجل ، فكان الضمان بينهم أنصافا أبي حنيفة أن كل امرأتين بمنزلة رجل واحد في الشهادة ، فكان قسمة الضمان بينهم أسداسا ولو رجع الرجل وحده ضمن نصف المال ; ; لأن النصف محفوظ بشهادة النساء ، وكذا لو رجعت النسوة غرمن نصف المال ; لأن النصف محفوظ بشهادة الرجل ، هذان الفصلان يؤيدان قولهما في الظاهر ولو رجع ثمان نسوة فلا ضمان عليهن ; لأن الحق بقي محفوظا برجل وامرأتين ، ولو رجعت امرأة بعد ذلك فعليها وعلى الثمان ربع المال ; ; لأنه بقي بثبات رجل وامرأة ثلاثة أرباع المال ، فكان التالف بشهادتهن الربع ، ولو رجع رجل وامرأة فعليهما نصف المال أثلاثا : ثلثاه على الرجل ، والثلث على المرأة ; لأن تسع نسوة يحفظن المال ، فكان التالف بشهادة رجل وامرأة النصف ، والرجل ضعف المرأة ، فكان بينهما أثلاثا ، ولو ولأبي حنيفة فعلى الرجل نصف المال ، ولا شيء على المرأة في قياس قول شهد رجل وثلاث نسوة ، ثم رجع الرجل وامرأة ومحمد - رحمهما الله - ، وفي قياس قول أبي يوسف رضي الله عنه نصف المال يكون عليهما أثلاثا : ثلثاه على الرجل وثلثه على المرأة ولو رجعوا جميعا فالضمان بينهم أخماس عند أبي حنيفة : خمساه على الرجل ، وثلاثة أخماسه على النسوة ; لأن الرجل ضعف المرأة ، وعندهما نصف الضمان على الرجل ونصفه على المرأة لما ذكرنا أن لهن شطر الشهادة وإن كثرن ، فكان التالف بشهادة كل نوع نصف المال ، والله سبحانه وتعالى أعلم وعلى هذا يخرج ما أبي حنيفة فالضمان عليهم أرباع : على شاهدي الطلاق الربع ; لأن شاهدي الدخول شهدا بكل المهر ; ; لأن كل المهر يتأكد بالدخول ، وللمؤكد حكم الموجب على ما مر ، وشاهدي الطلاق شهدا بالنصف ; ; لأن نصف المهر يتأكد بالطلاق على ما ذكرنا ، والمؤكد للواجب في معنى الواجب ، فشاهد الدخول انفرد بنصف المهر ، والنصف الآخر اشترك فيه الشهود كلهم ، فكان نصف النصف وهو الربع على شاهدي الطلاق ، وثلاثة الأرباع على شاهدي الدخول . إذا شهد شاهدان أنه طلق امرأته ثلاثا ، والزوج ينكر وشهد شاهدان بالدخول فقضى القاضي بشهادتهم ، ثم رجعوا