وأما بيان فقد اختلف أصحابنا - رحمهم الله - قال صفة العدالة المشروطة : رضي الله عنه الشرط هو العدالة الظاهرة ، فأما العدالة الحقيقية ، وهي الثابتة بالسؤال عن حال الشهود بالتعديل والتزكية ، فليست بشرط . أبو حنيفة
وقال أبو يوسف - رحمه الله - : إنها شرط ، ولقب المسألة أن القضاء بظاهر العدالة جائز عنده ، وعندهما لا يجوز ، وجملة الكلام فيه أنه لا خلاف في أنه إذا طعن الخصم في الشاهد أنه لا يكتفي بظاهر العدالة ، بل يسأل القاضي عن حال الشهود ، وكذا لا خلاف في أنه يسأل عن حالهم في الحدود والقصاص ، ولا يكتفي بالعدالة الظاهرة ، سواء طعن الخصم فيهم أو لم يطعن ، واختلفوا فيما سوى الحدود والقصاص إذا لم يطعن الخصم قال ومحمد - رحمه الله - : لا يسأل ، وقالا يسأل . أبو حنيفة
عن مشايخنا من قال : هذا الاختلاف اختلاف زمان لا اختلاف حقيقة ; ; لأن زمن - رحمه الله - كان من أهل خير وصلاح ; لأنه زمن التابعين ، وقد شهد لهم النبي عليه الصلاة والسلام بالخيرية بقوله { أبي حنيفة } " الحديث ، " فكان الغالب في أهل زمانه الصلاح والسداد ، فوقعت الغنية عن السؤال عن حالهم في السر ، ثم تغير الزمان وظهر الفساد في قرنهما فوقعت الحاجة إلى السؤال عن العدالة ، فكان اختلاف جوابهم لاختلاف الزمان ، فلا يكون اختلافا حقيقة ، ومنهم من حقق الخلاف ( وجه ) قولهما أن العدالة الظاهرة تصلح للدفع لا للإثبات لثبوتها باستصحاب الحال دون الدليل ، والحاجة ههنا إلى الإثبات وهو إيجاب القضاء ، والظاهر لا يصلح حجة له فلا بد من إثبات العدالة بدليلها ، خير القرون قرني الذي أنا فيه ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب ظاهر قوله عز وجل { ولأبي حنيفة وكذلك جعلناكم أمة وسطا } أي عدلا ، وصف الله سبحانه وتعالى مؤمني هذه الأمة بالوساطة ، وهي العدالة ، وقال سيدنا - رضي الله تعالى عنه - عدول بعضهم على بعض ، فصارت العدالة أصلا في المؤمنين ، وزوالها بعارض ، ; ولأن العدالة الحقيقية مما لا يمكن الوصول إليها فتعلق الحكم بالظاهر ، وقد ظهرت عدالتهم قبل السؤال عن حالهم فيجب الاكتفاء به ، إلا أن يطعن الخصم ; لأنه إذا طعن الخصم وهو صادق في الطعن فيقع التعارض بين الظاهرين ، فلا بد من الترجيح بالسؤال ، والسؤال في الحدود والقصاص طريق لدرئها ، والحدود يحتال فيها للدرء ، ولو طعن المشهود عليه في حرية الشاهدين وقال : إنهما رقيقان ، وقالا : نحن حران ، فالقول قوله حتى تقوم لهما البينة على حريتهما ; لأن الأصل في بني عمر آدم - وإن كان هو الحرية لكونهم أولاد آدم وحواء عليهما الصلاة والسلام وهما حران - لكن الثابت بحكم استصحاب الحال لا يصلح للإلزام على الخصم ، ولا بد من إثباتها بالدلائل ، والأصل فيه أن الناس كلهم أحرار إلا في أربعة : الشهادات والحدود والقصاص والعقل ، هذا إذا كانا مجهولي النسب لم تعرف حريتهما ولم تكن ظاهرة مشهورة ، بأن كانا من الهند أو الترك أو غيرهم ممن لا تعرف حريته أو كانا عربيين ، فأما إذا لم يكونا ممن يجري عليه الرق ، فالقول قولهما ولا يثبت رقهما إلا بالبينة .