( فصل ) :
وأما بيان : فحاله أنه أمانة في يد المستعير في حال الاستعمال بالإجماع ، فأما في غير حال الاستعمال فكذلك عندنا ، وعند حال المستعار - رحمه الله - مضمون ، واحتج بما روي { الشافعي صفوان درعا يوم حنين ، فقال صفوان : أغصبا يا محمد ، فقال عليه الصلاة والسلام : بل عارية مضمونة } ولأن العين مضمونة الرد حال قيامها ، فكانت مضمونة القيمة حال هلاكها كالمغصوب ، وهذا لأن العين اسم للصورة ، والمعنى وبالهلاك إن عجز عن رد الصورة لم يعجز عن رد المعنى ; لأن قيمة الشيء معناه ، فيجب عليه رده بمعناه كما في الغصب ، ولأنه قبض مال الغير لنفسه ، فيكون مضمونا عليه كالمقبوض على سوم الشراء . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار من
( ولنا ) أنه لم يوجد من المستعير سبب وجوب الضمان ، فلا يجب عليه الضمان كالوديعة والإجارة ، وإنما قلنا ذلك لأن الضمان لا يجب على المرء بدون فعله ، وفعله الموجود منه ظاهرا هو العقد والقبض ، وكل واحد منهما لا يصلح سببا لوجوب الضمان أما العقد ; فلأنه عقد تبرع بالمنفعة تمليكا أو إباحة على اختلاف الأصلين .
وأما القبض ، فلوجهين : أحدهما أن قبض مال الغير بغير إذنه لا يصلح سببا لوجوب الضمان ، فبالإذن أولى ، وهذا لأن قبض مال الغير بغير إذنه هو إثبات اليد على مال الغير وحفظه وصيانته عن الهلاك وهذا إحسان في حق المالك قال الله - تبارك وتعالى - جل شأنه : { هل جزاء الإحسان إلا الإحسان } وقال تبارك وتعالى { ما على المحسنين من سبيل } دل أن قبض مال الغير بغير إذنه لا يصلح سببا لوجوب الضمان ، فمع الإذن أولى والثاني : أن القبض المأذون فيه لا يكون تعديا ; لأنه لا يفوت يد المالك ولا ضمان إلا على المتعدي ، قال الله تبارك وتعالى : { فلا عدوان إلا على الظالمين } بخلاف قبض الغصب ، وأما الاستدلال بضمان الرد ، قلنا : إن وجب عليه رد العين حال قيامها ، لم يجب عليه رد القيمة حال هلاكها وقوله : قيمتها معناها ، قلنا : ممنوع ، وهذا لأن القيمة هي الدراهم والدنانير ، والدراهم والدنانير عين أخرى لها صورة ومعنى غير العين الأولى ، فالعجز عن رد أحد العينين لم يوجب رد العين الأخرى ، وفي باب الغصب لا يجب عليه ضمان القيمة بهذا الطريق ، بل بطريق آخر ، وهو إتلاف المغصوب معنى لما علم ، وهنا لم يوجد ، حتى لو وجد يجب الضمان [ ص: 218 ] ثم نقول : إنما وجب عليه ضمان الرد ; لأن العقد متى انتهى بانتهاء المدة أو بالطلب بقي العين في يده كالمغصوب ، والمغصوب مضمون الرد حال قيامه ومضمون القيمة حال هلاكه ، وعندنا إذا هلكت في تلك الحالة ضمن وأما قوله : قبض مال الغير لنفسه فنعم ، لكن قبض مال الغير لنفسه بغير إذنه لا يصلح سببا لوجوب الضمان لما ذكرنا ، فمع الإذن أولى .
والمقبوض على سوم الشراء غير مضمون بالقبض بل بالعقد بطريق التعاطي ، بشرط الخيار الثابت دلالة لما علم ، ولا حجة له في حديث صفوان ; لأن الرواية قد اختلفت ، فقد روي { } ولم يذكر فيه الضمان ، والحادثة حادثة واحدة مرة واحدة ، فلا يكون الثابت إلا إحداهما فتعارضت الروايتان فسقط الاحتجاج ، مع ما أنه إن ثبت فيحتمل ضمان الرد ، وبه نقول ، فلا يحمل على ضمان الغير مع الاحتمال ، يؤيد ما قلنا ، ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { أنه هرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه فأمنه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد حنينا ، فقال : هل عندك شيء من السلاح فقال : عارية أو غصبا فقال عليه الصلاة والسلام : عارية ، فأعاره } . العارية مؤداة