[ ص: 206 ] كتاب السباق )
الكلام في هذا الكتاب في موضعين : في وفي بيان تفسير السباق ، . شرائط جوازه
( أما ) الأول : فالسباق فعال من السبق وهو أن يسابق الرجل صاحبه في الخيل أو الإبل ونحو ذلك فيقول : إن سبقتك فكذا أو إن سبقتني فكذا ، ويسمى أيضا رهانا فعالا من الرهن ( فصل ) :
وأما فأنواع ( منها ) أن يكون في الأنواع الأربعة الحافر والخف والنصل والقدم لا في غيرها لما روي عليه الصلاة والسلام أنه قال { شرائط جوازه } إلا أنه زيد عليه السبق في القدم بحديث سيدتنا لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصال رضي الله عنها ففيما وراءه بقي على أصل النفي ; ولأنه لعب واللعب حرام في الأصل إلا أن اللعب بهذه الأشياء صار مستثنى من التحريم شرعا لقوله عليه الصلاة والسلام { عائشة } حرم عليه الصلاة والسلام كل لعب واستثنى الملاعبة بهذه الأشياء المخصوصة فبقيت الملاعبة بما وراءها على أصل التحريم إذ الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا ، وكذا المسابقة بالخف صارت مستثناة من الحديث وبما روي عن كل لعب حرام إلا ملاعبة الرجل امرأته وقوسه وفرسه أنه قال : { سعيد بن المسيب } وكذا إن العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تسبق كلما دفعت في سباق فدفعت يوما في إبل فسبقت فكانت على المسلمين كآبة إذ سبقت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الناس إذا رفعوا شيئا أو أرادوا رفع شيء وضعه الله لما روت سيدتنا السبق بالقدم رضي الله عنها أنها قالت { عائشة } فصارت هذه الأنواع مستثناة من التحريم فبقي ما وراءها على أصل الحرمة ; ولأن الاستثناء يحتمل أن يكون لمعنى لا يوجد في غيرها - وهو الرياضة والاستعداد لأسباب الجهاد في الجملة - فكانت لعبا صورة ورياضة وتعلم أسباب الجهاد فيكون جائزا إذا استجمع شرائط الجواز ، ولئن كان لعبا لكن سابقت النبي عليه الصلاة والسلام فسبقته فلما حملت اللحم سابقته فسبقني فقلت : هذا بتلك لا يكون حراما ، ولهذا استثنى ملاعبة الأهل لتعلق عاقبة حميدة بها وهو انبعاث الشهوة الداعية إلى الوطء الذي هو سبب التوالد والتناسل والسكنى وغير ذلك من العواقب الحميدة ، وهذا المعنى لا يوجد في غير هذه الأشياء فلم يكن في معنى المستثنى فبقي تحت المستثنى . اللعب إذا تعلقت به عاقبة حميدة
( ومنها ) أن يكون الخطر فيه من أحد الجانبين إلا إذا وجد فيه محللا حتى لو كان الخطر من الجانبين جميعا ولم يدخلا فيه محللا لا يجوز لأنه في معنى القمار نحو أن ولو يقول أحدهما لصاحبه : إن سبقتني فلك علي كذا ، وإن سبقتك فلي عليك كذا فقبل الآخر فهو جائز ; لأن الخطر إذا كان من أحد الجانبين لا يحتمل القمار فيحمل على التحريض على استعداد أسباب الجهاد في الجملة بمال نفسه ، وذلك مشروع كالتنفيل من الإمام وبل أولى ; لأن هذا يتصرف في مال نفسه بالبدل ، والإمام بالتنفيل يتصرف فيما لغيره فيه حق في الجملة وهو الغنيمة فلما جاز ذلك فهذا بالجواز أولى ، وكذلك قال أحدهما لصاحبه إن سبقتني فلك علي كذا وإن سبقتك فلا شيء عليك بأن كانوا ثلاثة لكن الخطر من الاثنين منهم ولا خطر من الثالث ، بل إن سبق أخذ الخطر وإن لم يسبق لا يغرم شيئا ، فهذا مما لا بأس به أيضا . إذا كان الخطر من الجانبين ولكن أدخلا فيه محللا
وكذلك ما يفعله السلاطين وهو أن فهو جائز لما بينا أن ذلك من باب التحريض على استعداد أسباب الجهاد خصوصا من السلطان فكانت ملحقة بأسباب الجهاد ، ثم يقول السلطان لرجلين : من سبق منكما فله كذا ونحوه جاز كذا هذا ، وبل أولى لما بينا . الإمام إذا حرض واحدا من الغزاة على الجهاد بأن قال : من دخل هذا الحصن أولا فله من النفل كذا
( ومنها ) أن تكون المسابقة فيما يحتمل أن يسبق ويسبق من الأشياء الأربعة حتى لا يجوز ; لأن معنى التحريض في هذه الصورة لا يتحقق فبقي الرهان التزام المال بشرط لا منفعة فيه فيكون عبثا ولعبا - والله تعالى أعلم - . لو كانت فيما يعلم أنه يسبق غالبا