الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          الفرع الأول: توزيع الثروة (التوزيع القاعدي)

          هذه المرحلة من مراحل تنظيم التوزيع في الاقتصاد الإسلامي، تتناول بالتنظيم: الملكية، والدراسة الخاصة بالملكية، ويرتبط بها موضوعات محددة منها :

          1- القيود التي تنظم الملكية سواء القيود التي تسبق مرحلة التملك، أو القيود التي تنظم التملك الفعلي.

          2- أنواع الملكية في الاقتصاد الإسلامي.

          3- وسائل اكتساب الملكية.

          4- أسس استثمار الملكية.

          5- الالتزامات التي ترد على الملكية.

          6- التدخل في الملكية أو تحديدها في مقدارها.

          وانعكاسات تنظيم الملكية على التوزيع في الاقتصاد الإسلامي، أو بعبارة أخرى إطار التوزيع في هـذه المرحلة يبدو على النحو التالي:

          أولا: يقر الإسلام الملكية الخاصة ، ويعتبر إقرارها من الأصول الجوهرية للفكر الإسلامي، ولكن التشريع الإسلامي يسبق مرحلة التملك الفعلي بمجموعة من القيود التي تضع الأسس التي تنمو عليها الملكية الخاصة، وقوام هـذه العمد الارتكازية هـو التربية على مبدأ " أن المال مال الله، والبشر مستخلفون فيه " وهو مبدأ يربي في الفرد الذي يذهب للتملك شعورا جماعيا، ويغرس في نفسه أن ما في يده هـو في حقيقة الأمر ليس ملكه وحده، وإنما هـناك [ ص: 58 ] ـ اعتقاديا ـ شركاء آخرون، وهناك المالك الحقيقي لهذا المال، الذي سيضع قواعد فيما بعد لتنظيم هـذه الملكيات ينبغي الالتزام بها، ويدور مع هـذا المبدأ العام مبادئ أخرى معنوية تدعو إلى اكتساب المال بوسائل شرعها الدين، والفكر الإسلامي بهذا المنحى رائد في التنظيم للتملك، فالنظم الاقتصادية التي تقر الملكية الخاصة لا تعرف قواعد منظمة لهذه المرحلة.

          ثانيا: يقر الإسلام الملكية العامة، ونجد أن اعتراف الإسلام بها اعتراف أصيل، وإقرار هـذا النوع من الملكية له انعكاساته على عملية التوزيع. وبناء على فقه الموضوع، فإن الملكية العامة في الإسلام تؤدي الوظائف التالية :

          الوظيفة الأولى: تحقيق تنمية المجتمع وتقدمه ( بالمشاركة مع الأفراد ) .

          الوظيفة الثانية: تحقيق التوازن بين أفراد الجماعة الإسلامية في الجيل الواحد، ثم تحقيق التوازن بين الأجيال الإسلامية.

          الوظيفة الثالثة: تغطية احتياجات التضامن الاجتماعي، وذلك أحد السياسيات التي يعمل بها الإسلام على هـذا الجانب في المجتمع الإسلامي.

          ومن الأمور الدقيقة في تنظيم الملكية العامة في الإسلام أن هـناك بعض الأموال التي لا يجوز أن تدخل الملكية الخاصة، وقد اتفق على أموال معينة تقتصر على الملكية العامة

          ( مثل المناجم وما في حكمها ) كما اتفق على أن المبدأ الذي يحكم تنظيم هـذه الأنواع هـو مصلحة الجماعة الإسلامية، وهو مبدأ يفتح الباب أمام إدخال أموال أخرى لهذا المجال.

          وإمعان النظر في الأموال والنشاطات الاقتصادية التي أوقفت على الملكية العامة حتى الآن، نجد أنها تحمل خاصيتين ظاهرتين.

          أ- إنها أموال لها أهميتها في مجال الحياة الاقتصادية، بل لها خطورتها.

          ب- إنها يمكن أن تدر دخولا كبيرة لمستغليها، ومن هـنا فإن منع الملكية الخاصة فيها يحمل حسا معينا في مجال التوزيع.

          ثالثا: مع إقرار الملكية يتدخل الإسلام بالتنظيم في وسائل اكتسابها، ومن ذلك جعل العمل هـو الوسيلة الرئيسة للتملك. وهذا قيد هـام وأولي في التوزيع. [ ص: 59 ]

          وجعل العمل هـو الوسيلة الرئيسة للتملك، مع مراعاة أن الإسلام يجعل هـذا العمل بمواصفات خاصة، هـذا القيد يجعل توزيع الثروات والدخول يقوم على أساس موضوعي. وهناك بجانب العمل وسائل أخرى للتملك، يعنينا منها في مجال التوزيع: الميراث والوصية : فانتقال الثروات بالميراث هـو توزيع الثروات على نطاق واسع، وبتشريع الوصية يبرز الإسلام التزام الثروات الخاصة بمواجهة التضامن الاجتماعي لأفراد في الجماعة الإسلامية، سواء وجهت الوصية إلى أفراد معينين، أو إلى هـيئات تخدم أهدافا اجتماعية، ولعل من دقائق الحس الإسلامي في هـذا المجال الاتجاه إلى منع الوصية للوارث، وذلك كتقوية للأساس المبدئي في الميراث وهو منع تكدس الثروات، أو بعبارة أخرى توزيعها على نطاق واسع.

          رابعا: الإسلام ينظم استثمار الملكية الخاصة بمجموعة من القواعد والقيود وهي في إطارها العام تقوم على ضرورة أن يراعى في تشغيل المال توفير احتياجات المجتمع، وتحقيق الرفاهية والتقدم لأفراده، كما تتناول هـذه القواعد المجالات التي يسمح للملكية فيها بالاستثمار، وكذلك طرق أو أساليب استثمار الأموال. وإذا أردنا أن نستكشف انعكاسات هـذه القواعد المنظمة للاستثمار على مجال التوزيع، نجد أن استثمار الملكية الخاصة يراعى فيه اتجاهات جماعية، بجانب قيامه على المصلحة الفردية، والاعتراف بهذه الاتجاهات، كما أن استهداف تغطية مثل هـذه الاحتياجات يجعل توزيع الدخول ـ والدخل يتولد خلال عمليات الاستثمار ـ محكوم بهذين الحدين ـ الحد الجماعي والحد الفردي.

          خامسا: بعد اكتساب الملكية واستثمارها يكون التساؤل عن الموقف من تدخل الجماعة في الملكية بعد أن ثبت أن لها حق التدخل فيها بقصد تنظيم استثمارها، وهذه الفكرة هـي التي تكمل أو تختم إطار التوزيع الإسلامي في هـذه المرحلة من مراحل التوزيع، وهي مرحلة التوزيع القاعدي. واستهداف التأثير في التوزيع هـنا أمر ظاهر، ومن بحثنا لهذه الفكرة رأينا أن الإسلام يقر التدخل في [ ص: 60 ] الملكية الخاصة ، وأن الهدف الإسلامي هـنا يدور على دعامتين محددتين:

          الدعامة الأولى: تحقيق التوازن بين أفراد الجماعة الإسلامية:

          الدعامة الثانية: مواجهة احتياجات التضامن الاجتماعي:

          أن التداخل في تحديد الملكية هـو التشريع أو التنظيم الختامي لهذه المرحلة من مراحل التوزيع. وروح وإجراءات هـذا التشريع تستهدف تحقيق التوازن بين أفراد الجماعة الإسلامية، وبين الأجيال الإسلامية، ومواجهة حاجات التضامن الاجتماعي في المجتمع الإسلامي.

          وإذا أردنا أن نعطي تصورا موجزا لإطار وأبعاد مرحلة توزيع الثروة، أي التوزيع القاعدي نجد الآتي :

          1- احتمالات التفاوت ـ مجرد تفاوت ـ قائمة.

          2- التدخل لتصحيح هـذا التفاوت أمر مشروع.

          3ـ الذين يملكون قد ملكوا في ضوء تنشئة عقيدية تجعل هـذا التدخل ـ إن وقع ـ أمرا مقبولا ومستساغا.

          4- نوعية الإجراءات والتنظيمات تتجه إلى أن الملكية في خدمة الجماعة ككل من حيث تنظيم النشأة، ومن حيث تنظيم الاكتساب ومن حيث تنظيم الاستثمار، ثم من حيث نقلها والتدخل فيها، بل ومن حيث استخدامها واستعمالها.

          5- من واقع ومن خلال الحس الاجتماعي للملكية، يتجه الإسلام إلى كسر حدة التفاوت في هـذه المرحلة من مراحل تنظيم التوزيع في الاقتصاد الإسلامي.

          6- إن التنظيم الإسلامي يرشد إلى أن الملكية الخاصة تتحمل مسئوليات تحقيق الكفاية لكل فرد في الجماعة الإسلامية، حتى في مرحلة اكتساب الملكية، إلا أن إجراءات تحقيق الكفاية، أو بعبارة أخص تحقيق الضمان الاجتماعي يجيء في مرحلة تالية من مراحل تنظيم التوزيع في الاقتصاد الإسلامي. [ ص: 61 ]

          التالي السابق


          الخدمات العلمية