الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          الفرع الثالث: مسئولية ولي الأمر عن استخدام المال بهدف إعادة التوزيع:

          هناك مجموعة ثالثة من الأدلة التي تتعلق بمسئولية الجماعة الإسلامية عن الاستثمار، أو توجيه وتخطيط الاستثمار. من هـذه الأدلة : أن الرسول صلى الله عليه وسلم حمى أرضا بالبقيع . وينقل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه رفض توزيع أرض العراق على الفاتحين، وحبسها لمصلحة المسلمين عامة، وقال في ذلك قوله المشهور : " إذا وزعتها الآن، فماذا يبقى لمن يجيء بعدنا. " إن المعنى الاقتصادي الذي يمكن استنتاجه من الدليلين السابقين، هـو أن للجماعة الإسلامية، ممثلة في ولي الأمر، أن تستبقي في نطاق الملكية العامة بعض الأموال التي وضعت في يد الدولة، وإذا راجعنا نوعي المال في الدليلين السابقين، نكتشف أن فيهما ما يتعلق بأحد عوامل الإنتاج وهو الأرض، وأن استبقاءه في نطاق الملكية العامة مقصود به استغلاله وتوجيهه للاستثمار، وليس للاستهلاك المباشر، بعكس ما يشاهد في الأموال التي توضع حديثا في يد الدولة.

          توجد مجموعة أخرى من الأدلة التي تنظم أيضا مسئولية الجماعة الإسلامية في عملية الاستثمار، من هـذه الأدلة : أن الرسول صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني النضير ، بين المهاجرين ، ماعدا اثنين من الأنصار أعطاهما الرسول صلى الله عليه وسلم بسبب فقرهما، وتحققت فيهما الشروط التي كانت السبب في قصر التوزيع على المهاجرين. ودليل آخر ينقل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، أنه كتب إلى عامله على الحمى: " اضمم جناحيك على المسلمين، وأدخل رب الصريمة ورب الغنيمة، وإياك ونعم ابن عوف وابن عفان " [1] .

          يشير هـذان الدليلان من أدلة تنظيم مسئولية الجماعة الإسلامية في عملية الاستثمار إلى معنى خاص، وهو أن للدولة وعليها أن تستخدم الأموال، التي توضع في يدها لتحقيق هـدف إعادة توزيع الدخول بين أفراد المجتمع. [ ص: 111 ]

          والدليلان السابقان مباشرة يكونان صريحين في الدلالة على ذلك، فالدليل الأول يشير إلى ذلك في مال يتوقع أن يكون موزعا من الدولة على الأفراد، ليستخدم غالبا في الاستهلاك. أما الدليل الثاني، فإنه يشير صراحة إلى أن على الدولة أن تستخدم استثماراتها لتحقيق هـدف إعادة توزيع الدخول بين أفراد الجماعة الإسلامية، وذلك مع الأهداف الأخرى، التي يجب أن تعمل على تحقيقها، ومنها التنمية الاقتصادية.

          التالي السابق


          الخدمات العلمية