المسألة الخامسة : ، فهو مؤل عن المخاطب ، ومعلق طلاق الضرة ، فإن وطئ المخاطبة قبل مضي المدة أو بعدها ، طلقت الضرة ، وانحل الإيلاء ، وإن طلقها بعد المطالبة ولم يطأها ، سقطت المطالبة ولم يطأها ، وخرج عن موجب الإيلاء ، فإن راجعها بعد ذلك عاد حكم الإيلاء ، وهذا حكم كل إيلاء كما سيأتي إن شاء الله تعالى . وإن بانت فجدد نكاحها ، ففي عود الإيلاء أقوال عود الحنث ، وهذا يشمل كل إيلاء ، فإن قلنا : يعود ، استؤنفت المدة من يوم النكاح ، نص عليه قال : إن وطئتك ، فضرتك طالق وغيره . وسواء قلنا : يعود الإيلاء أم لا ، فطلاق الضرة يبقى معلقا بوطء المخاطبة ، حتى لو وطئ المخاطبة بعد الرجعة أو التجديد ، وقع بلا خلاف . وكذا لو وطئها وهي بائن زانيا ، ولا يعود الإيلاء لو نكحها بعد ذلك لانحلال اليمين بوطء الزنا . ولو ماتت الضرة ، انحل الإيلاء ، ولو طلقها ، لم يرتفع الإيلاء ولا المطالبة ما دامت في عدة الرجعية ، لأنه لو وطئ المخاطبة لطلقت ، فإذا انقضت أو أبان الضرة ، ابتدأ بخلع أو استيفاء عدد أو طلاق قبل الدخول ، ارتفع الإيلاء وسقطت المطالبة وإن كان ذلك بعد مضي مدة الإيلاء ، لأنه لو وطئها بعد ذلك ، لم يقع عليه طلاق . ثم إن وطئ المخاطبة ، انحلت اليمين ، ولا يعود إيلاؤها لو نكح الضرة ، وإن نكح الضرة قبل أن يطأها ، فعلى الخلاف في عود الحنث ، فإن قلنا : لا يعود ، لم يعد الإيلاء ، وإلا فيعود ، وإذا أعدناه ، فهل يستأنف المدة ، أم يبني ؟ وجهان ، اختار الإمام القاضي أبو الطيب البناء ، وقطع والغزالي البغوي وغيره بالاستئناف ، وهو أصح . المسألة السادسة : ، [ ص: 236 ] فإما أن يعين بقلبه واحدة ، وإما لا ، فإن عين ، فهو مؤل منها وحدها ، لكن الأمر في الظاهر مبهم ، فيقال له بعد المدة : بين التي أردتها ، فإن بين ، فلها مطالبته بالفيأة أو الطلاق ، والقول قوله بيمينه ، أنه لم يرد الأخرى ، وإن لم يبين وطالبتاه جميعا ، قال له القاضي : فئ إلى التي آليت منها ، أو طلقها ، فإن امتنع ، طلق القاضي إحداهما على الإبهام ، تفريعا على أن القاضي يطلق على المؤلي إذا امتنع ، هكذا قاله قال لامرأتيه : إن وطئت إحداكما ، فالأخرى طالق ابن الحداد ، واعترض عليه القفال ، قال : لا يطلق القاضي إحداهما مبهمة ، لأنهما معترفتان بالإشكال ، فدعواهما غير مسموعة ، كما لو حضر رجلان عند القاضي ، وقال : لأحدنا على هذا ألف درهم ، وزاد المتولي فقال : هذا إذا جاءتا معا وادعتا كذلك ، فلو انفردت كل واحدة ، وقالت : آلى مني ، فإن أقر بما قالتا ، أخذ بموجب إقراره ، وإن كذب الأولى ، تعين الإيلاء في الثانية . وقال كثير من الأصحاب : قول ابن الحداد صحيح ، لحصول الضرر ، فلا سبيل إلى إهمال الواقعة ، ولا إلى طلاق معينة ، فعلى هذا ، إذا طلق القاضي ، فقال الزوج : راجعت التي وقع عليها الطلاق ، ففي صحة الرجعة وجهان سبقا في الرجعة ، وبالصحة أجاب ابن الحداد ، فعلى هذا تضرب المدة مرة أخرى ، ويطلق القاضي مرة أخرى على الإبهام ، وهكذا إلى أن يستوفي الثلاث ، والأصح أن الرجعة لا تصح على الإبهام ، بل تبين المطلقة ، ثم يراجعها إن شاء . فلو وطئ إحداهما قبل البيان ، قال الشيخ أبو علي : لا يحكم بطلاق الأخرى ، لأنا لا ندري أن التي نواها هي الموطوءة أم الأخرى ، ويبقى الأمر بالبيان كما كان . فإن قال : أردت الأخرى ، لم تطلق واحدة منهما ، وتطالبه الأخرى بالفيأة أو الطلاق .
فإن وطئها ، طلقت الموطوءة الأولى ، وإن قال : أردت الإيلاء من الموطوءة ، طلقت الأخرى ، وخرج عن موجب الإيلاء ، هذا إذا عين بقلبه إحداهما ، فإن لم ينو معينة ، فالذي ذكره الشيخ أبو علي والبغوي ، [ ص: 237 ] أنه يكون مؤليا منهما جميعا ، لأن أية واحدة وطئها طلقت الأخرى ، ولحقه الضرر . ويشبه أن يقال : تكون مؤليا من واحدة ، ويؤمر بالتعيين . كما في الطلاق ، وسيأتي مثله إن شاء الله تعالى فيما لو قال لنسوة : لا جامعت واحدة منكن ، ولم ينو ، ثم ذكر الشيخ أبو علي بناء على جوابه ، أنه إذا طولب بالفيأة أو الطلاق ، فوطئ إحداهما ، طلقت الأخرى وتخلص من الإيلائين ، ولو طلق إحداهما ، لم يسقط حكم الإيلاء في الثانية ، لأن بالوطء تنحل اليمين ، ولا تنحل بالطلاق . حتى لو وطئ التي لم يطلقها ، وقعت طلقة أخرى على التي طلقها إذا كانت في عدة الرجعة . ولو قال : كلما وطئت إحداكما ، فالأخرى طالق ، ووطئ بعد المطالبة إحداهما ، طلقت الأخرى وتخلص عن الإيلاء في حق الموطوءة ، ولا يتخلص بالكلية في حق الأخرى وإن سقطت المطالبة في الحال بوقوع الطلاق ، لأن اللفظ يقتضي التكرار ، فإذا راجعها ، عاد فيها الإيلاء . وحكى ابن الصباغ كلام ابن الحداد ثم قال : ومن الأصحاب من قال : يكون مؤليا منهما جميعا ، قال : وهذا أصح . ولم يفرق بين ما إذا عين واحدة بقلبه ، وما إذا لم يعين ، ولا وجه لكونه مؤليا منهما مع تعيين واحدة بقلبه بحال .