[ ص: 62 ] السبب الثالث : اختلال العقل : فمن ، أو أوجر خمرا ، أو أكره على شربها ، أو لم يعلم أن المشروب من جنس ما يسكر ، أو شرب دواء يزيل العقل بقصد التداوي ونحو ذلك ، لم يقع طلاقه . ولو طلق وهو زائل العقل بسبب غير متعد فيه ، كجنون أو إغماء ، وقع طلاقه على المذهب المنصوص في كتب تعدى بشرب الخمر فسكر ، أو بشرب دواء يجنن لغير غرض صحيح فزال عقله فطلق رحمه الله . وحكي قول قديم ، فأثبته الأكثرون ، ومنعه الشافعي . وممن قال : لا يقع : الشيخ أبو حامد المزني ، وابن سريج ، ، وابنه وأبو سهل الصعلوكي سهل ، وأبو طاهر الزيادي ، وقيل : لا يقع في شرب الدواء المذكور . وإن وقع في السكر . واختلفوا في محل الخلاف ، فالصحيح أن القولين جاريان في أقواله وأفعاله كلها ، ما له وما عليه . وقيل : إنهما في أقواله كلها ، كالطلاق والعتاق ، والإسلام والردة ، والبيع والشراء وغيرها .
وأما أفعاله ، كالقتل والقطع وغيرهما ، فكأفعال الصاحي قطعا لقوة الأفعال . وقيل : هما في الطلاق والعتاق والجنايات ، ولا يصح بيعه وشراؤه قطعا ، لأن العلم شرط في المعاملات . وقيل : هما فيما هو له كالنكاح والإسلام ، أما ما عليه كالطلاق والإقرار والضمان ، أو له وعليه ، كالبيع والإجارة ، فيصح قطعا تغليظا عليه .
فرع
اختلفت ، فعن العبارات في حد السكران رحمه الله : أنه الذي اختل كلامه المنظوم . وانكشف سره المكتوم . وعن الشافعي المزني : أنه الذي لا يفرق بين الأرض والسماء ، وبين أمه وامرأته . وقيل : الذي يفصح بما كان يحتشم منه . [ ص: 63 ] وقيل : الذي يتمايل في مشيته ويهذي في كلامه . وقيل : الذي لا يعلم ما يقول . وعن ابن سريج وهو الأقرب : أن الرجوع فيه إلى العادة . فإذا انتهى تغيره إلى حاله يقع عليه اسم السكر ، فهو المراد بالسكران . ولم يرض الإمام هذه العبارات . قال : ولكن شارب الخمر تعتريه ثلاثة أحوال .
إحداها : هزة ونشاط يأخذه إذا دبت الخمرة فيه ولم تستول بعد عليه ، ولا يزول العقل في هذه الحالة ، وربما احتد .
والثانية : نهاية السكر ، وهو أن يصير طافحا ، ويسقط كالمغشي عليه ، لا يتكلم ولا يكاد يتحرك .
والثالثة : حالة متوسطة بينهما . وهي أن تختلط أحواله ، فلا تنتظم أقواله وأفعاله ، ويبقى تمييز وفهم كلام ، فهذه الثالثة سكر . وفي نفوذ الطلاق فيها الخلاف المذكور . وأما الحالة الأولى ، فينفذ طلاقه فيها بلا خلاف ، لبقاء العقل وانتظام القصد والكلام . وأما الحالة الثانية ، فالأصح عند الإمام ، أنه لا ينفذ طلاقه إذ لا قصد له ، ولفظه كلفظ النائم ، ومن الأصحاب من جعله على الخلاف ، لتعديه بالتسبب إلى هذه الحالة ، وهذا أوفق لإطلاق الأكثرين . والغزالي