هذا وقد أضحت أعراض المصنفين أغراض سهام ألسنة الحساد ، ونفائس تصانيفهم
[ ص: 30 ] معرضة بأيديهم تنتهب فوائدها ثم ترميها بالكساد :
أخا العلم لا تعجل بعيب مصنف ولم تتيقن زلة منه تعرف فكم أفسد الراوي كلاما بعقله
وكم حرف الأقوال قوم وصحفوا وكم ناسخ أضحى لمعنى مغيرا
وجاء بشيء لم يرده المصنف
وما كان قصدي من هذا أن يدرج ذكري بين المحررين . من المصنفين والمؤلفين . بل القصد رياض القريحة وحفظ الفروع الصحيحة . مع رجاء الغفران . ودعاء الإخوان ، وما علي
[ ص: 31 ] من إعراض الحاسدين عنه حال حياتي فسيتلقونه بالقبول إن شاء الله تعالى بعد وفاتي ، كما قيل :
ترى الفتى ينكر فضل الفتى لؤما وخبثا فإذا ما ذهب
لج به الحرص على نكتة يكتبها عنه بماء الذهب
فهاك مؤلفا مهذبا بمهمات هذا الفن ، مظهرا لدقائق استعملت الفكر فيها إذا ما الليل جن ، متحريا أرجح الأقوال وأوجز العبارة ، معتمدا في دفع الإيراد ألطف الإشارة ; فربما خالفت في حكم أو دليل
[ ص: 32 ] فحسبه من لا اطلاع له ولا فهم عدولا عن السبيل ، وربما غيرت تبعا لما شرح عليه
المصنف كلمة أو حرفا ، وما درى أن ذلك لنكتة تدق عن نظره وتخفى .
هَذَا وَقَدْ أَضْحَتْ أَعْرَاضُ الْمُصَنِّفِينَ أَغْرَاضَ سِهَامِ أَلْسِنَةِ الْحُسَّادِ ، وَنَفَائِسُ تَصَانِيفِهِمْ
[ ص: 30 ] مُعَرَّضَةً بِأَيْدِيهِمْ تَنْتَهِبُ فَوَائِدَهَا ثُمَّ تَرْمِيهَا بِالْكَسَادِ :
أَخَا الْعِلْمِ لَا تَعْجَلْ بِعَيْبِ مُصَنِّفٍ وَلَمْ تَتَيَقَّنْ زَلَّةً مِنْهُ تَعْرِفُ فَكَمْ أَفْسَدَ الرَّاوِي كَلَامًا بِعَقْلِهِ
وَكَمْ حَرَّفَ الْأَقْوَالَ قَوْمٌ وَصَحَّفُوا وَكَمْ نَاسِخٍ أَضْحَى لِمَعْنًى مُغَيِّرًا
وَجَاءَ بِشَيْءٍ لَمْ يُرِدْهُ الْمُصَنِّفُ
وَمَا كَانَ قَصْدِي مِنْ هَذَا أَنْ يُدْرَجَ ذِكْرِي بَيْنَ الْمُحَرِّرِينَ . مِنْ الْمُصَنِّفِينَ وَالْمُؤَلِّفِينَ . بَلْ الْقَصْدُ رِيَاضُ الْقَرِيحَةِ وَحِفْظُ الْفُرُوعِ الصَّحِيحَةِ . مَعَ رَجَاءِ الْغُفْرَانِ . وَدُعَاءِ الْإِخْوَانِ ، وَمَا عَلَيَّ
[ ص: 31 ] مِنْ إعْرَاضِ الْحَاسِدِينَ عَنْهُ حَالَ حَيَاتِي فَسَيَتَلَقَّوْنَهُ بِالْقَبُولِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ وَفَاتِي ، كَمَا قِيلَ :
تَرَى الْفَتَى يُنْكِرُ فَضْلَ الْفَتَى لُؤْمًا وَخُبْثًا فَإِذَا مَا ذَهَبْ
لَجَّ بِهِ الْحِرْصُ عَلَى نُكْتَةٍ يَكْتُبُهَا عَنْهُ بِمَاءِ الذَّهَبْ
فَهَاكَ مُؤَلِّفًا مُهَذِّبًا بِمُهِمَّاتِ هَذَا الْفَنِّ ، مُظْهِرًا لِدَقَائِقَ اُسْتُعْمِلَتْ الْفِكَرُ فِيهَا إذَا مَا اللَّيْلُ جَنَّ ، مُتَحَرِّيًا أَرْجَحَ الْأَقْوَالِ وَأَوْجَزَ الْعِبَارَةِ ، مُعْتَمِدًا فِي دَفْعِ الْإِيرَادِ أَلْطَفَ الْإِشَارَةِ ; فَرُبَّمَا خَالَفْت فِي حُكْمٍ أَوْ دَلِيلٍ
[ ص: 32 ] فَحَسَبَهُ مَنْ لَا اطِّلَاعَ لَهُ وَلَا فَهْمَ عُدُولًا عَنْ السَّبِيلِ ، وَرُبَّمَا غَيَّرْت تَبَعًا لِمَا شَرَحَ عَلَيْهِ
الْمُصَنِّفُ كَلِمَةً أَوْ حَرْفًا ، وَمَا دَرَى أَنَّ ذَلِكَ لِنُكْتَةٍ تَدُقُّ عَنْ نَظَرِهِ وَتَخْفَى .