الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 203 ] ( وكل إهاب ) ومثله المثانة والكرش . قال القهستاني : فالأولى وما ( دبغ ) ولو بشمس ( وهو يحتملها طهر ) فيصلى به ويتوضأ منه ( وما لا ) يحتملها ( فلا ) وعليه ( فلا يطهر جلد حية ) صغيرة ذكره الزيلعي ، أما قميصها فطاهر ( وفأرة ) كما أنه لا يطهر بذكاة [ ص: 204 ] لتقيدهما بما يحتمله ( خلا ) جلد ( خنزير ) فلا يطهر ، وقدم ; لأن المقام للإهانة ( وآدمي ) فلا يدبغ لكرامته ، ولو دبغ طهر وإن حرم استعماله ، حتى لو طحن عظمه في دقيق لم يؤكل في الأصح احتراما . وأفاد كلامه طهارة جلد كلب وفيل وهو المعتمد .

[ ص: 203 ]

التالي السابق


[ ص: 203 ] مطلب في أحكام الدباغة ( قوله وكل إهاب إلخ ) الإهاب : بالكسر اسم للجلد قبل أن يدبغ من مأكول أو غيره جمعه أهب بضمتين ككتاب وكتب ، فإذا دبغ سمي أديما وصرما وجرابا كما في النهاية ، وإنما ذكر المصنف الدباغة في بحث المياه وإن كان المناسب ذكرها في تطهير النجاسات استطراد ، إما لصلوح الإهاب بعد دبغه أن يكون وعاء للمياه كما في النهر وغيره ، وإليه أشار الشارح بقوله ويتوضأ منه ، أو ; لأن الدبغ مطهر في الجملة كما في القهستاني ، أو ; لأنه في قوة قولنا يجوز الوضوء بما وقع فيه إهاب دبغ كما نقل عن حواشي عصام ( قوله ومثله المثانة والكرش ) المثانة موضع البول ، والكرش : بالكسر وككتف لكل مجتر بمنزلة المعدة للإنسان قاموس ، ومثله الأمعاء .

وفي البحر عن التجنيس : أصلح أمعاء شاة ميتة فصلى وهي معه جاز ; لأنه يتخذ منها الأوتار وهو كالدباغ . وكذلك لو دبغ المثانة فجعل فيها لبن جاز ، وكذلك الكرش إن كان يقدر على إصلاحه . وقال أبو يوسف في الإملاء إنه لا يطهر ; لأنه كاللحم . ا هـ ( قوله فالأولى وما دبغ ) أي حيث كان الحكم غير قاصر على الإهاب ، فالأولى الإتيان " بما " الدالة على العموم ط ( قوله دبغ ) الدباغ ما يمنع النتن والفساد .

والذي يمنع على نوعين : حقيقي كالقرظ والشب والعفص ونحوه . وحكمي كالتتريب والتشميس والإلقاء في الريح ، ولو جف ولم يستحل لم يطهر زيلعي : والقرظ بالظاء المعجمة لا بالضاد : ورق شجر السلم بفتحتين . والشب بالباء الموحدة وقيل بالثاء المثلثة ، وذكر الأزهري أنه تصحيف ، وهو نبت طيب الرائحة مر الطعم يدبغ به ، أفاده في البحر ( قوله ولو بشمس ) أي ونحوه من الدباغ الحكمي ، وأشار به إلى خلاف الإمام الشافعي وإلى أنه لا فرق بين نوعي الدباغة في سائر الأحكام .

قال البحر إلا في حكم واحد ، وهو أنه لو أصابه الماء بعد الدباغ الحقيقي لا يعود نجسا باتفاق الروايات ، وبعد الحكمي فيه روايتان . ا هـ . والأصح عدم العود قهستاني عن المضمرات ، وقيد الخلاف في مختارات النوازل بما إذا دبغ بالحكمي قبل الغسل بالماء قال : فلو بعده لا تعود نجاسته اتفاقا ( قوله هو يحتملها ) أي الدباغة المأخوذة من دبغ . وأفاد في البحر أنه لا حاجة إلى هذا القيد ; لأن قوله وكل إهاب لا يتناول ما لا يحتمل الدباغة كما صرح به في الفتح .

( قوله طهر ) بضم الهاء والفتح أفصح حموي ( قوله فيصلي به إلخ ) أفاد طهارة ظاهره وباطنه لإطلاق الأحاديث الصحيحة خلافا لمالك ، لكن إذا كان جلد حيوان ميت مأكول اللحم لا يجوز أكله ، وهو الصحيح { حرمت عليكم الميتة } وهذا الجزء منها . وقال عليه الصلاة والسلام في شاة ميمونة رضي الله عنها { إنما يحرم من الميتة أكلها } مع أمره لهم بالدباغ والانتفاع ، أما إذا كان جلد ما لا يؤكل فإنه لا يجوز أكله إجماعا ; لأن الدباغ فيه ليس بأقوى من الذكاة ، وذكاته لا تبيحه فكذا دباغه بحر عن السراج .

( قوله وعليه ) أي وبناء على ما ذكر من أن ما لا يحتمل الدباغة لا يطهر ( قوله جلد حية صغيرة ) أي لها دم ، أما ما لا دم لها فهي طاهرة ، لما تقدم أنها لو وقعت في الماء لا تفسده أفاده ح ( قوله أما قميصها ) أي الحية كما في البحر عن السراج ، وظاهره ولو كبيرة . قال الرحمتي : لأنه لا تحله الحياة ، فهو كالشعر والعظم ( قوله وفأرة ) بالهمزة وتبدل ألفا ( قوله بذكاة ) بالذال المعجمة : أي ذبح [ ص: 204 ] قوله لتقيدهما ) أي الذكاة والدباغ بما يحتمله أي يحتمل الدباغ ، وكان الأولى إفراد الضمير ليعود على الذكاة فقط ; لأن تقيد الدباغ بذلك مصرح به قبله .

وعبارة البحر عن التجنيس : لأن الذكاة إنما تقام مقام الدباغ فيما يحتمله .

وفي أبي السعود عن خط الشرنبلالي : الذي يظهر لي الفرق بين الذكاة والدباغة لخروج الدم المسفوح بالذكاة وإن كان الجلد لا يحتمل الدباغة . ا هـ . قلت : لكن أكثر الكتب على عدم الفرق كما يأتي ( قوله خلا جلد خنزير إلخ ) قيل : إن جلد الآدمي كجلد الخنزير في عدم الطهارة بالدبغ لعدم القابلية ; لأن لهما جلودا مترادفة بعضها فوق بعض فالاستثناء منقطع .

وقيل : إن جلد الآدمي إذا دبغ طهر ، لكن لا يجوز الانتفاع به كسائر أجزائه ، كما نص عليه في الغاية ، وحينئذ فلا يصح الاستثناء .

وأجيب بأن معنى طهر جاز استعماله والعلاقة السببية والمسببية لا اللزوم كما قيل ، إذ لا يلزم من الطهارة جواز الانتفاع كما علمته ، لكن علة عدم الانتفاع بهما مختلفة ، ففي الخنزير لعدم الطهارة ، وفي الآدمي لكرامته كما أشار إليه الشارح . قال في النهر : وهذا مع ما فيه من العدول عن المعنى الحقيقي أولى .

ا هـ أي لموافقته المنقول في المذهب وإلى اختياره أشار الشارح بقوله ولو دبغ طهر ، قال ط : وإنما قدر جلد ; لأن الكلام فيه لا في كل الماهية ( قوله فلا يطهر ) أي ; لأنه نجس العين ، بمعنى أن ذاته بجميع أجزائه نجسة حيا وميتا ، فليست نجاسته لما فيه من الدم كنجاسة غيره من الحيوانات ، فلذا لم يقبل التطهير في ظاهر الرواية عن أصحابنا إلا في رواية عن أبي يوسف ذكرها في المنية ( قوله وقدم إلخ ) لما كانت البداءة بالشيء وتقديمه على غيره تفيد الاهتمام بشأنه وشرفه على ما بعده ، بين أن ذلك في غير مقام الإهانة ، أما فيه فالأشرف يؤخر كقوله تعالى { لهدمت صوامع } الآية ; لأن الهدم إهانة فقدمت صوامع الصابئة أو الرهبان وبيع النصارى وصلوات اليهود أي كنائسهم ، وأخرت مساجد المسلمين لشرفها .

وهنا الحكم بعدم الطهارة إهانة كذا قيل . أقول : وإنما تظهر هذه النكتة على أن الاستثناء من الطهارة لا من جواز الاستعمال الثابت للمستثنى منه فإن عدمه الثابت للمستثنى ليس بإهانة ( قوله وإن حرم استعماله ) أي استعمال جلده أو استعمال الآدمي بمعنى أجزائه وبه يظهر التفريع بعده ( قوله احتراما ) أي لا نجاسة ( قوله وأفاد كلامه ) حيث لم يستثن من مطلق الإهاب سوى الخنزير والآدمي ( قوله وهو المعتمد ) أما في الكلب فبناء على أنه ليس بنجس العين ، وهو أصح التصحيحين كما يأتي .

: وأما في الفيل فكذلك كما هو قولهما ، وهو الأصح خلافا لمحمد ، فقد روى البيهقي " أنه صلى الله عليه وسلم كان يمتشط بمشط من عاج " وفسره الجوهري وغيره بعظم الفيل . قال في الحلية : وخطئ الخطابي في تفسيره له بالذبل . ا هـ . والذبل بالذال المعجمة : جلد السلحفاة البحرية أو البرية أو عظام ظهر دابة بحرية قاموس . وفي الفتح : هذا الحديث يبطل قول محمد بنجاسة عين الفيل .




الخدمات العلمية