الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 515 ] ( وهي فرض ) عملا بالأمر في شعبان ثاني الهجرة ( مرة واحدة ) اتفاقا ( في العمر ) فلو بلغ في صلاته نابت عن الفرض نهر بحثا .

وفي المجتبى : لا يجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي على نفسه [ ص: 516 ] ( واختلف ) الطحاوي والكرخي ( في وجوبها ) على السامع والذاكر ( كلما ذكر ) صلى الله عليه وسلم ( والمختار ) عند الطحاوي ( تكراره ) أي الوجوب ( كلما ذكر ) ولو اتحد المجلس في الأصح [ ص: 517 ] لا لأن الأمر يقتضي التكرار ، بل لأنه تعلق وجوبها بسبب متكرر وهو الذكر ، فيتكرر بتكرره وتصير دينا بالترك ، فتقضى لأنها حق عبد كالتشميت بخلاف ذكره تعالى ( والمذهب استحبابه ) أي التكرار وعليه الفتوى ; والمعتمد من المذهب قول الطحاوي ، كذا ذكره الباقاني تبعا لما صححه الحلبي وغيره ورجحه في البحر بأحاديث الوعيد : كرغم وإبعاد وشقاء [ ص: 518 ] وبخل وجفاء ، ثم قال : فتكون فرضا في العمر ، وواجبا كلما ذكر على الصحيح ، وحراما عند فتح التاجر متاعه ونحوه ، وسنة في الصلاة ، ومستحبة في كل أوقات الإمكان ، ومكروهة في صلاة غير تشهد أخير [ ص: 519 ] فلذا استثنى في النهر من قول الطحاوي ما في تشهد أول وضمن صلاة عليه لئلا يتسلسل ، بل خصه في درر البحار بغير الذاكر لحديث { من ذكرت عنده فليحفظ }

التالي السابق


( قوله عملا ) مفعول لأجله لا تمييز : أي قلنا بفرضيتها لأجل العمل بالأمر القطعي الثبوت والدلالة ، فهي فرض علما وعملا لا عملا فقط كالوتر . وأما ما قاله ابن جرير الطبري من أن الأمر للاستحباب ، وادعى القاضي عياض الإجماع عليه فهو خلاف الإجماع كما ذكره الفاسي في شرح دلائل الخيرات ( قوله ثاني الهجرة ) وقيل ليلة الإسراء ط ( قوله مرة واحدة اتفاقا ) والخلاف فيما زاد إنما هو في الوجوب كما يأتي أفاده ح ( قوله فلو بلغ في صلاته إلخ ) أي بلغ بالسن وإلا بطلت ، على أن عبارة النهر هكذا : لو صلى في أول بلوغه صلاة أجزأته الصلاة في تشهده عن الفرض ووقعت فرضا ، ولم أر من نبه على هذا وقد مر نظيره في الابتداء بغسل اليدين . ا هـ . أي حيث ينوب الغسل المسنون عن غسل الجنابة أو الوضوء .

أقول : ورأيت التصريح بذلك في المنبع شرح المجمع ، حيث قال : وقال أصحابنا : هي فرض العمر إما في الصلاة أو في خارجها . . ا هـ . ومثله في شرح درر البحار والذخيرة .

قال ح : بقي ما إذا صلى في القعدة الأولى أو في أثناء أفعال الصلاة ولم يصل في القعدة ، فالذي يظهر أنه يكون مؤديا للفرض وإن أثم كالصلاة في الأرض المغصوبة . ا هـ . لكن ذكر الرحمتي عن العلامة النحريري أن المكلف لا يخرج عن الفرض إلا بنيته فلا بد أن يصلى بنية أدائها عنه لأنها فريضة ، كما قالوا من شروط النية في الفرض تعيين النية له ، حتى لو صلى ركعتين بعد الفجر لا يسقط بها الفرض ما لم ينوه . ا هـ .

أقول : وفيه نظر لما علمت أنها فرض العمر : أي يفترض فعلها في العمر مرة كحجة الإسلام ، وما كان كذلك فالشرط القصد إلى فعله ، فيصح وإن لم ينو الفرضية لتعينه بنفسه كالحج الفرض يصح وإن لم يعين الفرضية ، وقد صرحوا أيضا بأن الإسلام يصح بلا نية : أي لأنه فريضة العمر فالقياس على صلاة الفجر قياس مع الفارق ، فتدبر . مطلب لا يجب عليه أن يصلي على نفسه صلى الله عليه وسلم ( قوله لا يجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي على نفسه ) لأنه غير مراد بخطاب صلوا . ولا داخل تحت ضميره كما هو المتبادر من تركيب { - صلوا عليه - } وقال في النهر : لا يجب عليه بناء على أن - { يا أيها الذين آمنوا } - لا يتناول الرسول صلى الله عليه وسلم بخلاف - { يا أيها الناس } { - يا عبادي } كما عرف في الأصول ا هـ . والحكمة فيه والله تعالى أعلم أنها دعاء ، وكل شخص مجبول على الدعاء لنفسه وطلب الخير لها ، فلم يكن فيه كلفة ، والإيجاب من خطاب التكليف لا يكون إلا فيما فيه كلفة ومشقة على النفس ومنافرة لطبعها ليتحقق الابتلاء كما قرر في الأصول . وأما قوله تعالى - { ادعوني أستجب لكم } - ونحوه ، فليس المراد به الإيجاب ولذلك ورد في الحديث القدسي { من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته فوق ما أعطي السائلين } ح ملخصا . [ ص: 516 ] مطلب في وجوب الصلاة عليه كلما ذكر عليه الصلاة والسلام

( قوله في وجوبها ) أي وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ولم يذكر السلام ، لأن المراد بقوله تعالى { - وسلموا - } أي لقضائه كما في النهاية عن مبسوط شيخ الإسلام : أي فالمراد بالسلام الانقياد ، وعزاه القهستاني إلى الأكثرين ( قوله والذاكر ) أي ذاكر اسمه الشريف صلى الله عليه وسلم ابتداء لا في ضمن الصلاة عليه كما صرح به في شرح المجمع ، وفيه كلام سيأتي ( قوله عند الطحاوي ) قيد به لأن المختار في المذهب الاستحباب ، وتبع الطحاوي جماعة من الحنفية والحليمي وجماعة من الشافعية ، وحكى عن اللخمي من المالكية وابن بطة من الحنابلة ، وقال ابن العربي من المالكية : إنه الأحوط ، كذا في شرح الفاسي على الدلائل ، ويأتي أنه المعتمد .

( قوله تكراره أي الوجوب ) قيد القرماني في شرح مقدمة أبي الليث وجوب التكرار عند الطحاوي بكونه على سبيل الكفاية لا العين ، وقال : فإذا صلى عليه بعضهم يسقط عن الباقين ، لحصول المقصود وهو تعظيمه وإظهار شرفه عند ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم . ا هـ . وتمامه في ح ( قوله في الأصح ) صححه الزاهدي في المجتبى ، لكن صحح في الكافي وجوب الصلاة مرة في كل مجلس كسجود التلاوة حيث قال في باب التلاوة : وهو كمن سمع اسمه عليه الصلاة والسلام مرارا لم تلزمه الصلاة إلا مرة في الصحيح لأن تكرار اسمه صلى الله عليه وسلم لحفظ سنته التي بها قوام الشريعة ، فلو وجبت الصلاة بكل مرة لأفضى إلى الحرج ، غير أنه يندب تكرار الصلاة بخلاف السجود والتشميت كالصلاة ، وقيل يجب التشميت في كل مرة إلى الثلاث . ا هـ . وحاصله أن الوجوب يتداخل في المجلس فيكتفي بمرة للحرج كما في السجود إلا أنه يندب تكرار الصلاة في المجلس الواحد ، بخلاف السجود ، وما ذكره في الكافي نقله صاحب المجمع في شرحه عن شرح فخر الإسلام على الجامع الكبير جازما به ، لكن بدون لفظ التصحيح ، وأنت خبير بأن تصحيح الزاهدي لا يعارض تصحيح النسفي صاحب الكافي ، على أن الزاهدي خالف نفسه حيث قال في كراهية القنية : وقيل يكفي في المجلس مرة كسجدة التلاوة وبه يفتى . ا هـ . وأورد الشارح في الخزائن أن الذي يظهر أن ما في الكافي مبني على قول الكرخي . ا هـ . وهذا غير ظاهر لأنه يلزم منه أن يكون الكرخي قائلا بوجوب التكرار كلما ذكر إلا في المجلس المتحد فيجب مرة واحدة ، وأنه لا يبقى الخلاف بينه وبين الطحاوي إلا فيما إذا اتحد المجلس ، والمنقول خلافه . وأورد ابن ملك في شرح المجمع أن التداخل يوجد في حق الله تعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حقه . ا هـ . وقد يمنع بأن الوجوب حق الله تعالى لأن المصلي ينوي امتثال الأمر . مطلب هل نفع الصلاة عائد للمصلي أم له وللمصلي عليه

على أن المختار عند جماعة منهم أبو العباس المبرد وأبو بكر بن العربي أن نفع الصلاة غير عائد له صلى الله عليه وسلم بل للمصلي فقط ، وكذا قال السنوسي في شرح وسطاه : إن المقصود بها التقرب إلى الله تعالى لا كسائر الأدعية التي يقصد بها نفع المدعو له . ا هـ . وذهب القشيري والقرطبي إلى أن النفع لهما ، وعلى كل من القولين فهي عبادة يتقرب بها إلى الله تعالى ، والعبادة لا تكون حق عبد ; ولو سلم أنها حق عبد فيسقط الوجوب للحرج كما مر لأن الحرج ساقط بالنص ، ولا حرج في إبقاء الندب . وقد جزم بهذا القول أيضا المحقق ابن الهمام في [ ص: 517 ] زاد الفقير فقال : مقتضى الدليل افتراضها في العمر مرة ، وإيجابها كلما ذكر ، إلا أن يتحد المجلس فيستحب التكرار بالتكرار ، فعليك به اتفقت الأقوال أو اختلفت . ا هـ . فقد اتضح لك أن المعتمد ما في الكافي . وسمعت قول القنية إنه به يفتى ، وأنت خبير بأن الفتوى آكد ألفاظ التصحيح .

[ فرع ] السلام يجزئ عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هندية عن الغرائب ( قوله لا لأن الأمر إلخ ) مرتبط بقوله والمختار تكراره إلخ . وهو جواب عن سؤال . تقريره أنه قوله تعالى - { صلوا عليه } - أمر . والأصل أن الأمر عندنا لا يقتضي التكرار ولا يحتمله . والجواب أن التكرار لم يجب بالآية وإلا كان فرضا وخالف الأصل المذكور ، وإنما وجب بأحاديث الوعيد الآتية الدالة على سببية الذكر للوجوب والوجوب يتكرر بتكرار سببه ( قوله لأنها حق عبد ) علمت آنفا ما فيه ( قوله كالتشميت ) ظاهره أنه يقضي كالصلاة وحرره نقلا ، وقدمنا عن الكافي أنه كالصلاة يجب في المجلس مرة ، وقيل إلى ثلاث ، ومثله في الفتح والبحر . وفي شرح تلخيص الجامع الأصح أنه إن زاد على الثلاث لا يشمته وإنما يجب التشميت إذا حمد العاطس وسيأتي تمام الكلام عليه في باب الحظر والإباحة إن شاء الله تعالى ( قوله بخلاف ذكره تعالى ) أي فإنه لا يقضى إذا فات لأنه حق الرب تعالى كما يفهم من تعليل الشارح في مقابله . وفيه أنه لا يلزم من كونه حقه تعالى أنه لا يقضى بدليل الصوم ونحوه ح . قال الزاهدي : وفي النظم إذا تكرر اسم الله تعالى في مجلس واحد أو في مجالس يجب لكل مجلس ثناء على حدة ، ولو تركه لا يبقى دينا عليه وكذا في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لكن لو تركها تبقى دينا عليه لأنه لا يخلو من تجدد نعم الله تعالى الموجبة للثناء فلا يكون وقت للقضاء كقضاء الفاتحة في الأخريين ، بخلاف الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ا هـ شرح المنية .

وحاصله أنه لما كان ثناء الله تعالى واجبا كل وقت لا يمكن أن يقع ما يفعله ثانيا قضاء عما تركه أولا لأن الشيء في محله لا يمكن أن يضايقه غيره عليه . واعترضه في البحر ، بأن جميع الأوقات وإن كان وقتا للأداء لكن ليس مطالبا بالأداء لأنه رخص له في الترك . ا هـ . أي وإذا لم يكن مطالبا بالأداء يجعل ما يأتي به قضاء لأجل تفريغ ذمته ، لكن قد يقال إذا كان الترك رخصة يكون عدمه عزيمة ، وإذا أتى بالعزيمة يكون آتيا بالواجب عليه ويكون أداء لأن الواجب عليه كالمسافر يرخص له الإفطار ، فإذا صام يكون آتيا بالعزيمة وإن لم ينو الفرض ومثله قراءة الفاتحة في الأخريين من الفرض الرباعي يرخص له في تركها ، وإذا قرأها لا تقع قضاء عما فاته في الأوليين ( قوله وعليه الفتوى ) عزاه في الشرنبلالية إلى شرح المجمع . وفي الخزائن ورجحه السرخسي بأنه المختار للفتوى ، وجعله ابن الساعاتي قول عامة العلماء . ا هـ . ( قوله والمعتمد من المذهب قول الطحاوي ) قال في الخزائن : وصححه في التحفة وغيرها ، وجعله في الحاوي قول الأكثر . وفي شرح المنية أنه الأصح المختار . وقال العيني في شرح المجمع وهو مذهبي .

وقال الباقاني وهو المعتمد من المذهب ورجحه في البحر إلخ ( قوله ورجحه في البحر ) أي تبعا لابن أمير حاج عن التحفة والمحيط الرضوي ح ( قوله كرغم وإبعاد وشقاء ) أخرج كثيرون بسند رجاله ثقات ، ومن ثم قال الحاكم في المستدرك صحيح [ ص: 518 ] الإسناد عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { احضروا المنبر فحضرنا ، فلما ارتقى درجة قال آمين ، ثم ارتقى الثانية وقال آمين ، ثم ارتقى الثالثة وقال آمين ، فلما نزل قلنا : يا رسول الله قد سمعنا منك شيئا ما كنا نسمعه ، فقال : إن جبريل عرض علي فقال : بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له ، فقلت آمين ، فلما رقيت أي بكسر القاف الثانية قال بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك ، فقلت آمين ، فلما رقيت الثالثة ، قال : بعد من أدرك أبويه الكبر عنده فلم يدخلاه الجنة ، قلت آمين } وفي رواية { فلم يصل عليك فأبعده الله } وفي أخرى صححها الحاكم { رغم أنف رجل } وفي أخرى سندها حسن { شقي عبد ذكرت عنده فلم يصل عليك } من الدر المنضود لابن حجر ( قوله وبخل وجفاء ) أي في قوله عليه الصلاة والسلام { البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي } رواه الترمذي وقال حسن صحيح شرح المنية ، وقوله عليه الصلاة والسلام { من الجفاء أن أذكر عند الرجل فلا يصلي علي } رواه السيوطي في الجامع الصغير .

( قوله وحراما إلخ ) الظاهر أن المراد به كراهة التحريم ، لما في كراهية الفتاوى الهندية إذا فتح التاجر الثوب فسبح الله تعالى أو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم يريد به إعلام المشتري جودة ثوبه فذلك مكروه وكذا الحارس لأن يأخذ لذلك ثمنا ، وكذا الفقاعي إذا قال ذلك عند فتح فقاعة على قصد ترويجه وتحسينه يأثم ، وعن هذا يمنع إذا قدم واحد من العظماء إلى مجلس فسبح أو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم إعلاما بقدومه حتى يفرج له الناس أو يقوموا له يأثم . ا هـ . ( قوله وسنة في الصلاة ) أي في قعود أخير مطلقا ، وكذا في قعود أول في النوافل غير الرواتب تأمل وفي صلاة الجنازة . مطلب نص العلماء على استحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع

( قوله ومستحبة في كل أوقات الإمكان ) أي حيث لا مانع . ونص العلماء على استحبابها في مواضع : يوم الجمعة وليلتها ، وزيد يوم السبت والأحد والخميس ، لما ورد في كل من الثلاثة ، وعند الصباح والمساء ، وعند دخول المسجد والخروج منه ، وعند زيارة قبره الشريف صلى الله عليه وسلم وعند الصفا والمروة ، وفي خطبة الجمعة وغيرها ، وعقب إجابة المؤذن ، وعند الإقامة ، وأول الدعاء وأوسطه وآخره ، وعقب دعاء القنوت ، وعند الفراغ من التلبية ، وعند الاجتماع والافتراق ، وعند الوضوء ، وعند طنين الأذن ، وعند نسيان الشيء ، وعند الوعظ ونشر العلوم ، وعند قراءة الحديث ابتداء وانتهاء ، وعند كتابة السؤال والفتيا ، ولكل مصنف ودارس ومدرس وخطيب وخاطب ومتزوج ومزوج . وفي الرسائل : وبين يدي سائر الأمور المهمة ، وعند ذكر أو سماع اسمه صلى الله عليه وسلم أو كتابته عند من لا يقول بوجوبها ، كذا في شرح الفاسي على دلائل الخيرات ملخصا ، وغالبها منصوص عليه في كتبنا ( قوله ومكروهة في صلاة غير تشهد أخير ) أي وغير قنوت وتر فإنها مشروعة في آخره كما في البحر فالأولى استثناؤه أيضا ح وكذا في غير صلاة الجنازة فتسن فيها .

مطلب في المواضع التي تكره فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم [ تنبيه ]

تكره الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في سبعة مواضع : الجماع ، وحاجة الإنسان ، وشهرة المبيع والعثرة ، والتعجب ، والذبح ، والعطاس على خلاف في الثلاثة الأخيرة شرح الدلائل ، ونص على الثلاثة عندنا [ ص: 519 ] في الشرعة فقال : ولا يذكره عند العطاس ، ولا عند ذبح الذبيحة ، ولا عند التعجب ( قوله فلذا استثنى في النهر إلخ ) أقول : يستثنى أيضا ما لو ذكره أو سمعه في القراءة أو وقت الخطبة لوجوب الإنصات والاستماع فيهما . وفي كراهية الفتاوى الهندية : ولو سمع اسم النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ لا يجب أن يصلي ، وإن فعل ذلك بعد فراغه من القرآن فهو حسن ، كذا في الينابيع ، ولو قرأ القرآن فمر على اسم نبي فقراءة القرآن على تأليفه ونظمه أفضل من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت ، فإن فرغ ففعل فهو أفضل وإلا فلا شيء عليه كذا في الملتقط . ا هـ . ( قوله ما في تشهد أول ) أي في غير النوافل فإنه وإن ذكر فيه اسمه صلى الله عليه وسلم فالصلاة فيه تكره تحريما فضلا عن الوجوب ( قوله لئلا يتسلسل ) علة للثاني : أي لأن الصلاة عليه لا تخلو من ذكره ، فلو قلنا بوجوبها استدعت صلاة أخرى وهلم جرا وفيه حرج : أما علة الأول فهي ما ذكره في قوله ولهذا استثنى : أي ولكراهتها في تشهد غير أخير استثنى إلخ ، وبه علم أن قوله وضمن بالجر عطفا على تشهد مع قطع النظر عن علته بدليل العلة الثانية فإنها للثاني فقط ، وإلا لقال ولئلا يتسلسل بالعطف على العلة الأولى ، وبدليل أن العلة الأولى لا تصلح للحكم الثاني ( قوله بل خصه في درر البحار إلخ ) أي خص قول الطحاوي بالوجوب بما عدا الذاكر ، دفعا لما أورده بعضهم على الطحاوي من استلزام التسلسل لأن الصلاة عليه لا تخلو عن ذكره .

وحاصل الجواب تخصيص الوجوب على السامع فقط لأن أحاديث الوعيد المارة تفيد ذلك ، فإن لفظ { البخيل من ذكرت عنده } لا يشمل الذاكر لأن من الموصولة بمعنى الشخص الذي وقع الذكر في حضرته فيستدعي أن يكون الذاكر غيره ، وإلا لقيل من ذكرني . وأجاب ح بأن الذاكر داخل بدلالة المساواة ، وقد يدفع بأن المقصود من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم تعظيمه والذاكر له لا يذكره إلا في مقام التعظيم ، فلا تلزمه الصلاة ، بل تلزم السامع لئلا يخل بالتعظيم من كل وجه تأمل ، لكن هذا يشمل الذاكر ابتداء أو في ضمن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وبه صرح في غرر الأفكار شرح درر البحار ، فهو قول آخر مخالف لما مشى عليه الشارح أولا من الوجوب على الذاكر والسامع ، وبه صرح ابن الساعاتي في شرحه على مجمعه ، ولما مشى عليه ابن ملك في شرح المجمع وتبعه المصنف في شرحه على زاد الفقير من تخصيصه الوجوب على الذاكر بالذاكر ابتداء لا في ضمن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم .

ويظهر لي أن هذا أقرب ، ولا حاجة في دفع التسلسل إلى تعميم الذاكر ، ثم هذا كله مبني على تكرار الوجوب في المجلس الواحد ، وقدمنا ترجيح التداخل والاكتفاء بمرة ، وعليه فإيراد التسلسل من أصله مدفوع




الخدمات العلمية