كما هو ظاهر ( إن كان خاملا ) أي : غير مشهور بين الناس بعلم ( يرجو به نشر العلم ) ونفع الناس به ( أو ) كان غير الخامل ( محتاجا إلى الرزق ) من بيت المال على الولاية ، وكذا إن ضاعت حقوق الناس [ ص: 104 ] بتولية جاهل ، أو ظالم فقصد بطلبه ، أو قبوله تداركها ( وإلا ) يوجد أحد هذه الأسباب الثلاثة ( فالأولى تركه ) أي : الطلب كالقبول لما فيه من الخطر من غير حاجة وهذا هو سبب امتناع أكثر السلف الصالح منه ( ( ويندب ) له القبول و ( الطلب ) للقضاء حيث أمن على نفسه منه قلت : ويكره ) له الطلب ، والقبول ( على الصحيح والله أعلم ) ؛ لورود نهي مخصوص فيه وعليه حملت الأخبار المحذرة منه كالخبر الحسن { } كناية عن عظيم خطره المؤدي إلى فظيع هلاكه ويصح كونه كناية عن علي رفعته بقيامه في الحق المؤدي إلى إيذاء الناس له بما هو أشد من ذلك الذبح . ويحرم الطلب على جاهل وعالم قصد انتقاما ، أو ارتشاء ، ويكره إن طلبه للمباهاة ، والاستعلاء كذا قيل ، والأوجه أنه حرام بقصد هذين أيضا هذا كله حيث لا قاضي متول ، أو كان المتولي جائرا ، أما صالح متول فيحرم السعي في عزله على كل أحد ولو أفضل ويفسق به الطالب ولا يؤثر بذل مال مع الطلب ممن تعين عليه ، أو ندب له لكن الآخذ ظالم ، فإن لم يتعين ولا ندب حرم عليه بذله ابتداء لا دواما ؛ لئلا يعزل ، ويسن بذله لعزل غير صالح وينفذ العزل ، وإن أثم به العازل ، والتولية ، وإن حرم الطلب ، والقبول مطلقا خشية الفتنة . من تولى القضاء فقد ذبح بغير سكين
( والاعتبار في التعين ) السابق ( وعدمه بالناحية ) ويظهر ضبطها بوطنه ودون مسافة العدوى منه بناء على أنه [ ص: 105 ] يجب في كل مسافة عدوى نصب قاض فيجري في المتعين وغيره ما مر من أحكام التعيين وعدمه في الطلب ، والقبول في وطنه ودون مسافة العدوى منه دون الزائد على ذلك ؛ لأنه تعذيب لما فيه من ترك الوطن بالكلية ؛ لأن عمل القضاء لا غاية له ، بخلاف سائر فروض الكفايات المحوجة إلى السفر كالجهاد وتعلم العلم ، نعم لو عين الإمام قاضيا وأرسله إليها لزمه الامتثال ، والقبول ، وإن بعدت ؛ لأن الإمام إذا عين أحدا لمصالح المسلمين تعين . وعلى هذا التفصيل يحمل قول الرافعي : إنما لم يكلف السفر لما فيه من التعذيب بهجر الوطن ؛ إذ القضاء لا غاية له واعتراض ابن الرفعة له بقول ابن الصباغ وغيره يلزم الإمام أن يبعث قاضيا لمن ليس عندهم قاض .
وقد جمع الأذرعي بنحو ما ذكرته فقال : يتعين حمل ما ذكره الرافعي عن الأئمة على وجود صالح للقضاء في البلد المبعوث إليه ، أو بقربه وكلام ابن الصباغ وغيره على عكس ذلك ؛ إذ لا ريب في وجوب البعث حينئذ على الإمام ووجوب امتثال أمره ، وإلا وهو ما اقتضاه كلام الرافعي لزم تعطيل الحقوق في البلاد التي لا صالح فيها ، ومن ثم أبطل البلقيني كلام الرافعي نقلا ودليلا ، ومنه { أنه صلى الله عليه وسلم أرسل عليا إلى اليمن قاضيا وأبا موسى ومعاذا } واستمر على ذلك عمل الخلفاء الراشدين ومن بعدهم .