أي حرب ويظهر أن دار الإسلام التي استولوا عليها كذلك . ( إن أمكنه إظهار دينه ) لشرفه أو شرف قومه وأمن فتنة في دينه [ ص: 269 ] ولم يرج ظهور الإسلام هناك بمقامه . ( استحب له الهجرة ) إلى دار الإسلام لئلا يكثر سوادهم وربما كادوه ولم تجب لقدرته على إظهار دينه ولم تحرم ؛ لأن من شأن المسلم بينهم القهر والعجز ومن ثم لو رجا ظهور الإسلام بمقامه ثم كان مقامه أفضل أو قدر على الامتناع والاعتزال ثم ولم يرج نصرة المسلمين بالهجرة كان مقامه واجبا ؛ لأن محله دار إسلام فلو هاجر لصار دار حرب ، ثم إن قدر على قتالهم ودعائهم للإسلام لزمه وإلا فلا . ( تنبيه ) . ( والمسلم بدار كفر )
يؤخذ من قولهم ؛ لأن محله دار إسلام أن كل محل قدر أهله فيه على الامتناع من الحربيين صار دار إسلام وحينئذ الظاهر أنه يتعذر عوده دار كفر وإن استولوا عليه كما صرح به الخبر الصحيح { } فقولهم لصار دار حرب المراد به صيرورته كذلك صورة لا حكما وإلا لزم أن ما استولوا عليه من دار الإسلام يصير دار حرب ولا أظن أصحابنا يسمحون بذلك بل يلزم عليه فساد وهو أنهم لو الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ملكناها على ملاكها وهو في غاية البعد ، ثم رأيت استولوا على دار إسلام في ملك أهله ، ثم فتحناها عنوة الرافعي وغيره ذكروا نقلا عن الأصحاب أن قسم يسكنه المسلمون ، وقسم فتحوه وأقروا أهله عليه بجزية ملكوه أو لا ، وقسم كانوا يسكنونه ، ثم غلب عليه الكفار قال دار الإسلام ثلاثة أقسام : الرافعي وعدهم القسم الثاني يبين أنه يكفي في كونها دار إسلام كونها تحت استيلاء الإمام وإن لم يكن فيها مسلم قال : وأما عدهم الثالث فقد يوجد في كلامهم ما يشعر بأن الاستيلاء القديم يكفي لاستمرار الحكم ورأيت لبعض المتأخرين أن محله إذا لم يمنعوا المسلمين منها وإلا فهي دار كفر انتهى وما ذكره عن بعض المتأخرين بعيد نقلا ومدركا كما هو واضح وحينئذ فكلامهم صريح فيما ذكرته أن ما حكم بأنه دار إسلام لا يصير بعد ذلك دار كفر مطلقا . ( وإلا ) يمكنه إظهار دينه أو خاف فتنة في دينه . ( وجبت ) الهجرة . ( إن أطاقها ) وأثم بالإقامة ولو امرأة وإن لم تجد محرما لكن إن أمنت على نفسها أو كان خوف الطريق دون خوف الإقامة كما هو ظاهر فإن لم يطقها فمعذور ، وذلك لقوله تعالى { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم } الآية وللخبر الصحيح { } وخبر { لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار } أي من لا هجرة بعد الفتح مكة ؛ لأنها صارت دار إسلام إلى يوم القيامة واستثني من في إقامته مصلحة للمسلمين أخذا مما جاء أن رضي الله عنه أسلم قبل العباس بدر واستمر مخفيا إسلامه [ ص: 270 ] إلى فتح مكة يكتب بأخبارهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان يحب القدوم عليه فيكتب له إن مقامك بمكة خير والاستدلال بذلك يتوقف على ثبوت إسلامه قبل الهجرة وأنه صلى الله عليه وسلم كتب إليه ذلك ولم يثبت ذلك على أن الكتابة المذكورة لا يلزم منها إسلام ولا عدمه وبفرض ذلك كله فهو كان آمنا غير خائف من فتنة ومن هو كذلك لا تلزمه الهجرة فلا دليل في ذلك أصلا ، ثم رأيت شيخ الإسلام الحافظ في الإصابة قال في ترجمته : حضر بيعة العقبة مع الأنصار قبل أن يسلم وشهد بدرا مع المشركين مكرها فافتدى نفسه ورجع إلى وعقيلا مكة فيقال : إنه أسلم وكتم قومه ذلك فكان يكتب الأخبار إليه صلى الله عليه وسلم ، ثم هاجر قبل الفتح بقليل انتهى وهو صريح فيما ذكرته .
وذكر صاحب المعتمد أن الهجرة كما تجب هنا تجب من بلد إسلام أظهر بها حقا أي واجبا ولم يقبل منه ولا قدر على إظهاره ويوافقه قول البغوي في تفسير سورة العنكبوت يجب على كل من كان ببلد تعمل فيه المعاصي ولا يمكنه تغييرها الهجرة إلى حيث تتهيأ له العبادة لقوله تعالى { فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين } نقل ذلك جمع من الشراح وغيرهم منهم الأذرعي والزركشي وأقروه وينازع فيه ما مر في الوليمة أن من بجواره آلات لهو لا يلزمه الانتقال وعلله السبكي بأن في مفارقة داره ضررا عليه ولا فعل منه فإن قلت ذاك مع النقلة يصدق عليه أنه في بلد المعصية فلم يلزمه بخلاف هذا فإنه بالنقلة يفارق بلد المعصية بالكلية قلت : قضية هذا بل صريحه أن ذاك يلزمه الانتقال من البلد وهذا لم يلزموه به ؛ لأنه إذا لم تلزمه من الجوار فأولى البلد على أن قضية كلام السبكي المذكور : أنه لا نظر لبلد ولا لجوار بل للمشقة وهي في التحول من البلد أشق وبفرض اعتماد ذلك فيجب تقييده بما إذا لم تكن في إقامته مصلحة للمسلمين أخذا من نظيره في الهجرة من دار الكفر بالأولى ، ثم رأيت البلقيني صرح به ، وبأن شرط ذلك أيضا أن يقدر على الانتقال لبلد سالمة من ذلك وأن تكون عنده المؤن المعتبرة في الحج ، والحاصل : أن الذي يتعين اعتماده في ذلك أن شرط [ ص: 271 ] وجوب الانتقال بهذه الشروط المذكورة أن تظهر المعاصي المجمع عليها في ذلك المحل بحيث لا يستحيي أهله كلهم من ذلك لتركهم إزالتها مع القدرة ؛ لأن الإقامة حينئذ معهم تعد إعانة وتقريرا لهم على المعاصي