الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو كان في يده دراهم فاشترى بدنانير ، أو كان في يده دنانير فاشترى بدراهم فالقياس أن لا يجوز على رب المال وهو قول زفر وفي الاستحسان يجوز .

                                                                                                                                ( وجه ) القياس أن الدراهم والدنانير جنسان مختلفان حقيقة ، فقد اشترى بما ليس في يده من جنسه ، فيكون استدانة ، كما لو اشترى بالعروض .

                                                                                                                                ( وجه ) الاستحسان أن الدراهم والدنانير عند التجار كجنس واحد ; لأنهما أثمان الأشياء ، بهما تقدر النفقات وأروش الجنايات وقيمة المتلفات ، ولا يتعذر نقل كل واحد منهما إلى الآخر ، فكانا بمنزلة شيء واحد ، فكان مشتريا بثمن في يده من جنسه .

                                                                                                                                وكذلك .

                                                                                                                                لو اشترى بثمن هو من جنس رأس المال ، لكنه يخالفه في الصفة بأن اشترى بدراهم بيض ورأس المال دراهم سود ، أو اشترى بصحاح ورأس المال غلة ، أو اشترى بدراهم سود ورأس المال دراهم بيض ، أو اشترى بدراهم غلة ورأس المال صحاح ، فذلك جائز على المضاربة .

                                                                                                                                وقال زفر : لا يجوز شيء من ذلك على المضاربة ، ويكون استدانة ، ويجعل اختلاف الصفة كاختلاف الجنس .

                                                                                                                                وقال محمد : إن اشترى بما صفته أنقص من صفة رأس المال جاز ، وهذا يشير إلى أنه لو اشترى بما صفته أزيد من صفة رأس المال أنه لا يجوز على المضاربة .

                                                                                                                                ( ووجهه ) أنه إذا اشترى بما صفته أنقص من صفة رأس المال كان في يده ذلك القدر الذي اشترى به ذلك القدر وزيادة فجاز ، وإذا اشترى بما صفته أكمل لم يكن في يده القدر الذي اشترى به فلا يجوز على المضارب والصحيح قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله ; لأنه لما جاز عند اختلاف الجنس ، فلأن يجوز عند اختلاف الصفة أولى ; لأن تفاوت الصفة دون تفاوت الجنس ولو كان رأس المال ألف درهم فاشترى سلعة بألف أو بدنانير أو بفلوس قيمة ذلك ألف ، لا يملك أن يشتري بعد ذلك على ألف المضاربة شيئا بألف أخرى أو غير ذلك ; لأن مال المضاربة كان مستحقا بالثمن الأول ، فلو اشترى بعد ذلك لصار مستدينا على مال المضاربة ، فلا يملك ذلك ، فإن اشترى عليها أولا عبدا بخمسمائة ، لا يملك بعد ذلك أن يشتري إلا بقدر خمسمائة ; لأن الخمسمائة خرجت من المضاربة ، وكذلك كل دين يلحق رأس المال ; لأن ذلك صار مستحقا من رأس المال ، فيخرج القدر المستحق من المضاربة ، فإذا اشترى بأكثر مما بقي صار مستدينا على مال المضاربة فلا يصح .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية